
يقلل تركيز حكومتي الولايات المتحدة والصين على الشأن المحلي من احتمالات نشوب نزاع عالمي في 2022، لكنه في الوقت نفسه يضعف القيادة الدولية ويخلف تنسيقاً أضعف للاستجابة للأزمات الناشئة عالمياً، ما قد يمثل خبراً سيئاً في عام ستهيمن عليه جائحة كوفيد-19 والتغيّر المناخي وعدد من الأزمات الإقليمية الجيوسياسية.
وحددت مجلة "تايم" الأميركية، وفقاً لـ"إيان بريمر" أستاذ الجيوسياسية التطبيقية في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، 10 مخاطر، تعتبر هي الأبرز من بين المهددات العديدة التي سيشهدها العالم خلال 2022.
1. ليس هناك "صفر كوفيد"
لقد انتهينا من الوباء، لكنه لم ينتهِ منّا بعد، وتختلف احتمالات انتهاء الجائحة على الدولة، ففي الدول المتقدمة، تبدو النهاية وشيكة، فالمتحور أوميكرون شديد العدوى يصطدم بسكان مُطعمين ومعززين بلقاحات الحمض النووي الريبي المرسال "mRNA" وعلاجات كوفيد-19 عالية الفعالية، ومن ثم، فإن الوباء سيتحول على الأرجح إلى مرض متوطن في الاقتصادات الصناعية المتقدمة، في النصف الأول من هذا العام.
ومع ذلك، حتى في هذه الدول، فإن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء ستستمر هذا العام، مع تعطل سلاسل التوريدات واستمرار التضخم.
لكن الصين، المحرك الأساسي للنمو العالمي، ستواجه متحورات كوفيد-19 شديدة العدوى من دون اللقاحات الأكثر فعالية، وبعدد أقل بكثير من الأفراد المحميين بالإصابات السابقة، كما أنه من المتوقع أن تفشل سياسة الصين في احتواء العدوى، وأن تؤدي إلى مزيد من موجات التفشي، ما سيتطلب إغلاقات أكثر صرامة، وفق المجلة الأميركية.
ويعني هذا مزيداً من الاضطرابات الاقتصادية، واستهلاكاً أقل، وسخطاً شعبياً عارماً على شعارات "الصين هزمت كوفيد" التي تروج لها الآلة الإعلامية الحكومية.
وستستمر مشكلة الصين حتى وقت ما في نهاية هذا العام على أقل تقدير، حتى بعد أن طرحت جرعات الحمض النووي الريبي المرسال والجرعات المعززة المطورتين محلياً، لكتلتها السكانية الأكبر في العالم.
وعلى العموم، ستكون البلدان النامية هي الأكثر تضرراً من الجائحة، وستتحمل القيادات السياسية الحالية وطأة الغضب الشعبي.
وسيمنع الطلب على الجرعات المعززة في الدول الأكثر ثراءً إتاحة اللقاحات الفعالة على نطاق واسع.
وستؤدي موجات التفشي الجديدة للفيروس إلى إبطاء عجلة النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة، وستترك الحكومات الأكثر فقراً مثقلة بمزيد من الديون. وبكل هذه الطرق، سيواصل كوفيد-19 دفع عجلة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
2. الاستقطاب التكنولوجي
تقرر شركات التكنولوجيا الأكبر في العالم الكثير مما نراه ونسمعه، فهي التي تحدد فرصنا الاقتصادية، وتشكل آراءنا في القضايا المهمة.
ورغم ما سيعمد إليه صانعو السياسات، في كل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والصين، من وضع سياسات تمكنهم من إحكام قبضتهم على الفضاء التكنولوجي وشركاته، خلال هذا العام، من خلال سن المزيد من اللوائح التنظيمية، إلا أنهم لن يحدوا من قدرتها على الاستثمار في الفضاء الرقمي، إذ لا تزال تلك الشركات -وليس الحكومات - المصممة والفاعلية والمنفذة الأساسية.
رغم ذلك، لا تستطيع الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا أن تحكم الفضاء الرقمي أو الأدوات التي ينتجونها بفاعلية، ومن هنا سيستمر التضليل المعلوماتي في تقويض الثقة الشعبية في الديمقراطية، خاصة في الولايات المتحدة.
وفي ظل فشل شركات التكنولوجيا والحكومات في الاتفاق على كيفية حماية خصوصية البيانات، والأمن السيبراني، والاستخدام الأمن والأخلاقي للذكاء الاصطناعي، فستتفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وبدرجة أقل بين الولايات المتحدة وأوربا، بشأن هذه القضايا.
3. انتخابات التجديد النصفي الأميركية
في نوفمبر المقبل، سيستعيد الجمهوريون، على الأرجح، هيمنة الأغلبية على مجلس النواب، وربما على مجلس الشيوخ أيضاً.
في هذه الحالة، سينظر الديمقراطيون إلى هيمنة الحزب الجمهوري على أنها النتيجة غير الشرعية لحملة قمع الناخبين، فيما سينظر الجمهوريون إلى هذا الانتصار على أنه دليل إضافي على تزوير انتخابات 2020. وستهيمن مساءلة بايدن على أجندة الجمهوريين، وستتلقى الثقة الشعبية في المؤسسات السياسية الأميركية صفعة أكبر.
والأهم من ذلك، هو ما تعنيه انتخابات التجديد النصفي للانتخابات الرئاسية 2024، فالرئيس السابق دونالد ترمب يشير إلى أنه سيخوض السباق الرئاسي عام 2024، وفي حال هزيمته من المرشح الديمقراطي، فقد يصوت مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون لإلغاء نتائج الانتخابات على مستوى الولايات، لكن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون سيحد من هذه التداعيات.
4. الصين
ستؤدي سياسة "صفر كوفيد" وخطط الإصلاح التي يتبناها الرئيس شي جين بينج إلى زيادة عدم الاستقرار في الأسواق والشركات في 2022.
ومن المتوقع أن تصطدم رؤية شي لجعل الصين قوية عبر الاكتفاء الذاتي التكنولوجي والأمن الاقتصادي والوئام الاجتماعي، بمقاومة شديدة من الغرب، وبنموذج نمو منهك، وباقتصاد مثقل بالمديونية وغير متوازن، وبشيخوخة سريعة تجتاح السكان، وفي بعض الأحيان بمواصلة انتشار متحورات كوفيد - 19.
5. روسيا
فتح حشد القوات الروسية بالقرب من أوكرانيا الباب أمام مواجهة أكبر حول البنية الأمنية في أوروبا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكنه إرسال قواته، وضم إقليم دونباس، لكن مطلبه الحالي ينحصر في الحصول على تنازلات أمنية كبيرة من حلف شمال الأطلسي، مع وعد بوقف التوسع شرقاً.
لكن التوصل إلى "صفقة كبرى" لا يزال غير مرجح، وبالتالي فإن المواجهات القريبة بين السفن والطائرات الروسية وتلك التابعة للناتو ستصبح أكثر تكراراً وأعظم خطراً، ما سيزيد من احتمالات وقوع حوادث.
أضف إلى ذلك المخاوف المستمرة من الهجمات السيبرانية التي تشنها روسيا، وتدخلاتها في الانتخابات الأميركية. وستقضي العقوبات الأميركية المحتملة التي تستهدف تداول السوق الثانوية للديون السيادية الروسية، على أي آمال في إقامة علاقات أميركية روسية أكثر استقراراً.
6. إيران
يقطع البرنامج النووي الإيراني خطوات سريعة نحو التقدم. وفي حال توقفت الدبلوماسية، لن يكون أمام إدارة بايدن سوى خيارات قليلة.
وستأخذ إسرائيل زمام الأمور بشكل متزايد بين يديها، ما يثير مرة أخرى شبح الضربات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وستتصادم هذه الضغوط جميعها خلال هذا العام، ما سيترك أسعار النفط في حالة هياج، وسيزيد من مخاطر نشوب صراعات.
7. الطاقة الخضراء
في 2022، ستجبر الضغوط التصاعدية المستمرة على تكاليف إنتاج الطاقة الحكومات على تفضيل سياسات خفض تكاليف الطاقة، ولكنها تؤخر العمل المناخي. وسترفع أسعار الطاقة المتزايدة مستويات القلق لدى كل من الناخبين والمسؤولين المنتخبين، حتى مع تفاقم الضغوط المناخية على الحكومات.
8. مناطق الأزمات
في الوقت الذي تنشغل فيه واشنطن وبكين بأولوياتهما الداخلية، ويعجز فيه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان عن ملء فراغ السلطة الناجم عن ذلك، ستُترك العديد من الدول والمناطق نهباً للأزمات.
في أفغانستان، ستكافح حركة طالبان، غير المنظمة وغير الخبيرة، لمنع تنظيم داعش من جذب مقاتلين أجانب إلى المساحات التي لا تخضع للسيطرة الحكومية في البلاد.
كما يتفاقم خطر الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومات المركزية. وستخلق الحروب الأهلية مخاطر جديدة في اليمن وميانمار وإثيوبيا. كما ستزيد حدة أزمات اللاجئين في كل من فنزويلا وهايتي.
9. الشركات تخسر الحروب الثقافية
تتطلع أكبر العلامات التجارية في العالم إلى تحقيق أرباح، ولكن هذا العام سيكون أكثر صعوبة في إدارة السياسات. فالمستهلكون والموظفون، الذين تم تمكينهم من خلال "ثقافة الإلغاء" وتعاظمت قدرتهم بوسائل التواصل الاجتماعي، سيفرضون مطالب جديدة على الشركات متعددة الجنسيات والحكومات التي تنظمها.
وستنفق الشركات متعددة الجنسيات مزيداً من الوقت والمال، في محاولتها لاستكشاف حقول الألغام البيئية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وإزالتها.
10. تركيا
سيدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاقتصاد الوطني والوضع الدولي لبلاده نحو مزيد من التدني في 2022، في خضم محاولاته لاستدراك نتائج استطلاعات الرأي المتدهورة قبل انتخابات 2023.
وعلى الرغم من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وضعف وتقلب الليرة التركية، رفض أردوغان اللجوء إلى الإدارة الاقتصادية التقليدية، إذ من المتوقع أن تتجه سياسته الخارجية هذا العام نحو مزيد من التصعيد، لصرف الناخبين عن الأزمة الاقتصادية. وفي حال إجراء انتخابات مبكرة في 2022، وهو أمر غير مرجح، فستتفاقم كل هذه المخاطر.
وإضافة إلى جميع هذه المخاطر، تنشغل كل من الولايات المتحدة والصين بتحدياتهما الداخلية عن إشعال فتيل حرب باردة ثانية، كما أن هناك تهويلاً واضحاً بشأن مخاطر حدوث مواجهة بسبب تايوان.
وفي السباق البرازيلي، ستختبر المواجهة الرئاسية بين جاير بولسونارو ولويز إيناسيو لولا دا سيلفا المؤسسات الديمقراطية في البلاد، دون أن تقوضها.
كما سيصل مزيد من المهاجرين من منطقة الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن أزمة عامي 2015 و2016 لن تتكرر هذا العام.