ينتظر الملايين من أبناء الجاليات العربية في ألمانيا سنوياً حلول شهر رمضان، باعتباره مناسبة دينية تجمعهم وتخفّف من وطأة الغربة. لكن الوضع يبدو اليوم مغايراً تماماً لما كان عليه في السابق، إذ يسيطر القلق والخوف من تفشي وباء "كورونا"، الأمر الذي ألقى بظلاله على أجواء الاحتفالات بالشهر الفضيل.
"شارع العرب" ينبض في برلين
في الضاحية الجنوبية للعاصمة برلين، يطل شارع "زونين آليه" كوجهة رئيسة لآلاف المغتربين والسياح العرب يومياً. هناك، لا حاجة للتحدث باللغة الألمانية، فأجواء الشارع الممتد على مسافة 5 كيلومترات في حي "نويكولن" تشبه كثيراً الحياة اليومية في بيروت أو دمشق، وغيرها من المدن العربية، سواء في النهار أو الليل.
كل ما قد يشتهيه المغترب العربي في ألمانيا، لا بد وأن يعثر عليه في هذا الشارع، من مطاعم الفلافل والشاورما وصالونات الحلاقة، مروراً بمتاجر المواد الغذائية المستوردة من الدول العربية، إلى مقاهي الشيشة ومحلات الحلويات الشرقية المترامية على طرفي الشارع.
الترجمة العربية لشارع "زونيه آليه" هي جادة الشموس، لكن بعد قدوم مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في عام 2015 واستقرارهم بكثافة في المنطقة، بات يطلق عليه اسم"شارع العرب"، غير أنّ تفشي فيروس "كورونا" وتطبيق إجراءات الحظر الصحي، أدى إلى تقليص الحركة والازدحام في الشارع. هذا ما لمسه السوري أبو شاهر، وهو صاحب متجر بقالة، إذ اشتكى خلال حديثه لـ"الشرق" من تراجع مبيعاته بنسبة 80% منذ تفشي الوباء، وهو ما لم يتغير حتى بعد حلول شهر رمضان".
"ما يميز شارع العرب أجواؤه الرمضانية التي تشبه كثيراً الأجواء في بلادنا، لكن الأمر مختلف هذا العام، الأمر الذي يضاعف الإحساس بمرارة الغربة"، هكذا عبّر خالد الذي يعمل في متجر حلويات سورية، عن استيائه من الوضع القائم، حيث أكد أيضاً تراجع الإقبال على شراء الحلويات هذا العام.
منذ أكثر من عشر سنوات، تقطن أم محمد، التي تنحدر من مدينة صيدا اللبنانية، في شارع "زونين آليه"، حيث تشكّل الجليات العربية معظم سكان الحي، وفي هذه الأيام لا تخرج أم محمد إلا نادراً لقضاء الضروريات. تقول: "رمضان في زمن كورونا أصعب من الماضي، لكننا على الرغم من ذلك، نحاول الحفاظ على عادات وتقاليد الاحتفاء بهذا الشهر الفضيل".
التسوق في ظل إجراءات صارمة
تجاوز عدد الإصابات بفيروس "كورونا" في ألمانيا حاجز الـ 150 ألف إصابة. ومنذ بدء تفشي الوباء، اتخذت السلطات إجراءات التباعد الاجتماعي وقواعد الحماية. ونتيجة لذلك، أصبح التسوق في "شارع العرب" يخضع لقواعد صارمة تراقبها أجهزة الأمن بانتظام، إذ يجب على كل متسوق أن يترك مسافة لا تقل عن مترين بينه وبين الآخرين.
الظروف الجديدة، وضعت الجميع أمام تحدياتٍ صعبةٍ، خاصة داخل محلات لا تتجاوز مساحتها أحياناً 100 متر مربع، منها الانتظار في طوابير طويلة خلال عمليات الشراء، إلا أن البعض لا يتحلون بالصبر الذي تفرضه التدابير الصحية، ما يؤدي بين الفينة والأخرى إلى افتعال مشكلات بين الزبائن، كما يقول بعض الباعة.
رمضان من دون مساجد و مقاهي
بحسب إحصائية لوزارة الداخلية الألمانية تعود إلى عام 2015، يعيش في ألمانيا قرابة 5 ملايين مسلم، وتشير الإحصائية المذكورة إلى أنّ 50% من الجاليات المسلمة ذات أصول تركية و17% من الشرق الأوسط، يقيم 10% منهم في برلين.
وضمن إجراءات السلطات لمواجهة تفشي وباء كورونا، أغلقت المساجد والكنائس والمعابد اليهودية أبوابها أمام المصلين، كما أُلغيت الصلوات الجماعية تفادياً للاختلاط. وكما هو الحال في معظم دول العالم، لن تكون صلاة التراويح متاحة في ألمانيا خلال شهر رمضان.
وذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية، نقلاً عن المجلس الأعلى للمسلمين، أن السلطات أغلقت 80 مسجداً في بريل ضمن تدابير منع التجمعات لمكافحة "كورونا". من جهة أخرى، تمثل المساجد نقطة التقاء هامة لتقريب الجاليات العربية من بعضها البعض، إذ يعود نصف تمويلها إلى تبرعات المصلين ومال الزكاة في شهر رمضان.
وأثّر إغلاق المقاهي من قبل السلطات سلباً على أصحابها، إذ يوجد في المدينة أكثر من 1500 مقهى للشيشة، يكثر الإقبال عليها، خاصة في شهر رمضان وتبقى أبواب أغلبها مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل.
من جانبٍ آخر، انعكست هذه الأزمة في المقابل إيجابياً على محلات بيع لوازم الشيشة. وأكد المصري أبو جنزوري (صاحب محل لبيع المعسل) لـ"الشرق" أن "المداخيل انتعشت بشكل كبير جراء الإقبال على مادة المعسل، لأن رواد المقاهي باتوا يدخنون الشيشة في بيوتهم".
إيجابيات "كورونا"
قبل أكثر من ثلاثين عاماً، حطّ الفلسطيني أبو جمال (صاحب مخبز)، رحاله في برلين. وعلى عكس من سبق،ه يتبنّى الرجل وجهة نظر مختلفة، إذ يرى أنّ رمضان في زمن "كورونا" أفضل بكثير من السابق. ويقول إن "أفراد العائلة باتوا أكثر قرباً من بعضهم بفضل الحجر الصحي، والأولاد اليوم يلازمون البيت بعد أن كانوا يقضون معظم الليل في الخارج".
أما بالنسبة إلى السوري أبو حسن، فلم يُغير الهلع من تفشي وباء "كورونا" الكثير من سلوك المغترب العربي. يشير أبو حسن إلى أن "العائلات لا تزال تحافظ على تبادل الزيارات وتناول وجبة الإفطار بشكل جماعي". ومع ذلك، يرى أبوحسن أن "لا متعة تضاهي الاحتفال بشهر رمضان في بلاده سوريا بين الأهل والأصحاب".