تثير التوترات بين الصين وتايوان، جدلاً كبيراً داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خصوصاً بسبب ضغط الحزبين الديمقراطي والجمهوري، من أجل رد فعل أميركي حازم وسريع على الصين، فيما يسعى بايدن لتجنب أي تصعيد قد يثير غضب الصين.
ووسط هذه الضغوطات، ناقشت إدارة بايدن مع مسؤولين في تايوان، إمكانية تسريع تسليم طائرات "إف-16" الأميركية لتايبيه، وفق ما نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مسؤولين تايوانيين وأميركيين، مطلعين على المحادثات.
وفي أغسطس 2020، أعلنت تايوان إبرام صفقة ضخمة لشراء 66 مقاتلة "إف-16" الجديدة، من مجموعة "لوكهيد مارتن" الأميركية بقيمة 62 مليار دولار.
وتأمل تايوان في تسريع وقت تسليم المقاتلات، بسبب ما تعتبره "تهديداً صينياً وشيكاً لغزوها".
وذكرت "سي إن إن"، أن تصاعد التوترات في المنطقة أخيراً، فاجأ المسؤولين الأميركيين، خصوصاً بعدما كثّفت القوات الصينية بشكل كبير توغلاتها فوق منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، خلال هذا الشهر.
قلق وتحذير
وقالت مصادر في البنتاجون لـ"سي إن إن"، إن قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ تراقب بقلق متزايد الصين، التي قامت بتحديث جيشها بسرعة وتحسين أدائه، مع التركيز على تايوان.
لكن وزارة الخارجية الأميركية عبّرت عن تخوفها من اتخاذ أي نهج أكثر عدوانية تجاه بكين، خصوصاً أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية، أفادوا بأن هناك القليل من الأدلة على أن الصين تستعد لغزو تايوان.
ولكن الديمقراطيين والجمهوريين، يدفعون بايدن لاتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه الصين. وقال أحد كبار الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ: "لقد ولى وقت الغموض الاستراتيجي منذ زمن طويل"، مضيفاً في حديثه لـ"سي إن إن"، إنه "في ضوء الخطر الواضح والقائم الذي تشكله بكين على الديمقراطية النابضة بالحياة في تايوان، يجب أن تكون الولايات المتحدة واضحة تماماً، بأقوالها وأفعالها".
وكشف أن "مجلس الشيوخ سيلجأ لخطوات إضافية لتزويد تايوان بالدعم الأمني والاقتصادي والدبلوماسي الضروري".
ورداً على ذلك، قال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية إن "الدعم الأمريكي لتايوان لا يزال قوياً ومبدئياً، وسنواصل التواصل مع الكونجرس بشأن هذه الأمور المهمة".
نهج أكثر صرامة
وتعهد الرئيس الصيني شي جينبينج في خطاب ألقاه هذا الشهر، بـ"سحق" أي محاولات من جانب تايوان لإعلان الاستقلال. وقال إن "المهمة التاريخية لإعادة التوحيد الكامل للوطن الأم يجب أن تتحقق، وسوف تتحقق بالتأكيد".
ويفضل النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي، الذي شغل منصباً كبيراً بوزارة الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، اتباع نهج "أكثر صرامة" مع بكين. وقال إنه "سيكون من الخطأ أن نفترض أنهم لا يقصدون ما يقولونه" في إشارة إلى حديث شي.
وذهبت النائبة الديمقراطية إيلين لوريا، وهي قائدة بحرية متقاعدة، إلى أبعد من ذلك، إذ دعت إلى أن يمنح الكونجرس مزيداً من الحرية لبايدن من أجل "شن عمليات عسكرية للدفاع عن تايوان إذا لزم الأمر".
وأشارت لوريا في مقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 11 أكتوبر الجاري، إلى "القيود التي يفرضها قانون صلاحيات الحرب، على قدرة الرئيس للاستجابة بسرعة"، وهو ما سيكون في مصلحة الصين، وفق قولها.
ولفتت إلى مشروع القانون الذي قدمه الجمهوريون في فبراير الماضي، لمنع غزو تايوان، وقالت إن "هذا المشروع هو نقطة انطلاق جيدة لمعالجة معضلة قانونية".
الغموض الاستراتيجي
نائب وزير الخارجية السابق جيمس شتاينبرج، الذي أرسله بايدن إلى تايوان في أبريل الماضي كجزء من وفد غير رسمي، يهدف إلى إظهار الدعم لجزيرة تايوان، وصف الوضع الحالي بأنه "خطير للغاية".
وقال إن "إنهاء سياسة الغموض الاستراتيجي، لن يؤدي إلا لزيادة الجرأة من الصين"، مضيفاً أن "كل الرهانات ستنتهي، لأن بكين سترى أي تحول على أنه خرق جوهري للاتفاقيات المعمول بها منذ عقود".
وأضاف شتاينبرغ: "من المهم بالنسبة لنا طمأنة تايوان، لكن هناك طرق للقيام بذلك، وتعزيز الردع دون وضع إصبعنا في عين بكين".
وتتبع الولايات المتحدة سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، إذ لا تعترف بها كدولة مستقلة، ولكنها تدعمها عسكرياً واقتصادياً.
ويبدو أن بايدن نفسه يدعم هذا التوجه، إذ كتب في مقال رأي في عام 2001، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، أنه "لا ينبغي للرئيس أن يتنازل لتايوان أو الصين، ما من شأنه أن يجرنا لحرب في مضيق تايوان"، بحسب "سي إن إن".
وفي دليل استراتيجيته للأمن القومي من 24 صفحة، يتناول بايدن تايوان في سطر واحد فقط، ويقول: "سندعم تايوان، وهي ديمقراطية رائدة وشريك اقتصادي وأمني مهم، بما يتماشى مع الالتزامات الأمريكية طويلة الأمد".
وتعد "سياسة الصين الواحدة" حجر الزاوية الرئيسي للعلاقات الصينية - الأميركية، واعترافاً دبلوماسياً أميركياً بأن هناك "حكومة صينية واحدة فقط".
وبموجب هذه السياسة، تعترف الولايات المتحدة وتقيم علاقات رسمية مع الصين بدلاً من جزيرة تايوان، التي تعتبرها الصين مقاطعة انفصالية، سيعاد توحيدها مع البر الرئيسي يوماً ما.