يقع إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، لا في وسطها، لكن ذلك لا يقلّل من أهميته، إذ شكّل "قلباً صناعياً نابضاً" في البلاد قبل الحرب، ولديه روابط وثيقة بروسيا، التي أعلنت، الاثنين، اعترافها باستقلال "جمهوريتين شعبيتين" أُعلنتا في منطقتَي دونيتسك ولوغانسك، بعدما سيطر عليهما انفصاليون موالون لموسكو، في عام 2014.
إقليم دونباس المحاذي لروسيا، ينقسم الآن بين منطقتين، إحداهما تخضع لسيطرة الحكومة المركزية في كييف، والثانية لقيادة الانفصاليين، علماً أن خطاً طوله 472 كيلومتراً يفصل بين الجانبين.
وكالة "بلومبرغ" اعتبرت أن دونيتسك ولوغانسك شكلتا يوماً "القلب الصناعي لأوكرانيا"، وهما جزء من الأقاليم الناطقة بالروسية غالباً، في جنوب شرقي البلاد.
وأضافت أن الانفصاليين يسيطرون على نحو ثلث المنطقة، مضيفة أن موسكو "تقدّم دعماً مالياً وعسكرياً" لـ"جمهوريتَي" دونيتسك ولوغانسك منذ إعلانهما، كما منحت جوازات سفر روسية لمئات الآلاف من المقيمين فيهما.
تمويل روسي
وكالة "رويترز" نقلت عن قيادي سابق بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية"، قوله في 2016، إن روسيا تموّل مباشرة معاشات التقاعد ورواتب القطاع العام في المنطقتين الانفصاليتين بشرق أوكرانيا.
وأضافت الوكالة أن كييف أوقفت بعد اندلاع النزاع في عام 2014، دفع أجور القطاع العام للأفراد المسجلين على أنهم يقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين، علماً أن موسكو تؤكد أنها لا تموّل الإدارتين الانفصاليتين. كذلك تعطّل الكثير من الصناعات الثقيلة التي يعتمد عليها إقليم دونباس في الإيرادات.
وتخلّت المنطقتان الانفصاليتان عن عملة الهريفنيا الأوكرانية، واعتمدتا الروبل الروسي عملة رسمية. وتتبع المدارس المحلية الآن المناهج الوطنية الروسية، بدلاً من تلك التي تُدرّس في أوكرانيا.
في أواخر عام 2021، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حكومته برفع القيود المفروضة على الصادرات والواردات بين روسيا وأجزاء من دونيتسك ولوغانسك، في قرار أدرجته موسكو ضمن التعويض عن حصار اقتصادي بين المنطقتين وسائر أنحاء أوكرانيا، بحسب "رويترز".
مرسوم بوتين يقضي باتخاذ إجراءات استثنائية في غضون شهر، تشمل اعتراف روسيا بالشهادات حول منشأ البضائع الصادرة عن الأجهزة العاملة في أراضي دونيتسك ولوغانسك. كذلك يتيح دخول البضائع من المنطقتين "إلى أسواق روسيا، بشروط متساوية مع السلع الروسية".
وكان الرئيس الروسي وقّع مرسوماً في 2018، يقضي بأن تقبل بلاده على أراضيها جوازات سفر ووثائق الميلاد والوفاة لسكان دونباس الصادرة عن الجمهوريتين الانفصاليتين.
ورحب قادة الجمهوريتين بالخطوات الروسية السياسية والاقتصادية، والتي لولاها "ما كانت دونباس لتصمد"، كما قال رئيس "جمهورية لوغانسك" ليونيد باشنيك.
"ركود اقتصادي"
المنطقة التي كانت "نابضة بالحياة اقتصادياً، باتت غارقة في ركود اقتصادي"، وفق موقع EMERGING EUROPE.
وأشار الموقع إلى أن النزاع أدى لتقلّص الإنتاج الصناعي بنسبة 60% في دونيتسك و80% في لوغانسك. وأضاف أنه بحلول عام 2017، انخفضت الصادرات من المنطقة إلى 10% من تلك المسجلة في أوكرانيا، في مقابل 25% قبل 3 سنوات.
وتابع أن 25 منشأة ومصنعاً و41 منجم فحم أُغلقت في الأجزاء التي يسيطر عليها الانفصاليون من المنطقتين، فيما أن تلك التي واصلت نشاطها، قلّصت إنتاجها.
كما تسجّل البطالة في المنطقتين معدلاً أعلى بكثير من المتوسط الوطني، إذ بلغت في العام الماضي 14.5% في دونيتسك و15.2 في لوغانسك، مقارنة بمعدل وطني يبلغ 9.2%.
الموقع أشار إلى تسجيل أكثر من 1.4 مليون شخص على أنهم نازحون داخلياً في دونباس، كما أن عدداً أكبر خرجوا منه.
كذلك أُُغلق مطاران دوليان رئيسيان في دونيتسك ولوغانسك، علماً أن الوضع الاقتصادي أكثر سوءاً في المنطقة الخاضعة للانفصاليين، إذ إن جزءاً كبيراً من السكان المتبقين هم متقاعدون، كما أن شركات مملوكة للانفصاليين احتكرت القطاع الاقتصادي.
نزيف بشري
بين عامَي 2014 و2018 بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر أقلّ من 1% من الناتج المحلي الإجمالي لدونباس، الذي شكّل قبل اندلاع النزاع ربع صادرات أوكرانيا و15% من استثمار رأس المال.
لكن النزيف البشري في الإقليم بدأ قبل النزاع، إذ إن دونيتسك ولوغانسك خسرتا، بين عامَي 1993 و2013، 18.3 و21.6% من سكانهما على التوالي، مقارنة بنسبة 12.5% في أوكرانيا ككل.
وبرّر الموقع ذلك بتدهور القطاع الصناعي وهجرة الشباب إلى المدن الكبرى، علماً أن 6.5 مليون فرد كانوا يقطنون الإقليم قبل النزاع.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يلفت إلى "أضرار واسعة لحقت بالبنية التحتية الحيوية في دونيتسك ولوغانسك"، ما يقوّض الخدمات العامة بشكل كبير.
كما أن الضرر المباشر اللاحق بالأعمال التجارية والإسكان والنقل، يمسّ الاقتصاد وسبل عيش السكان، ويُقدّر عددهم بنحو 3.6 مليون فرد في الأجزاء الخاضعة للانفصاليين.
فساد وغياب الشفافية
شكّل إقليم دونباس قبل النزاع، نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، ويعاني الآن من فساد، لا توجد آليات فعالة لمكافحته، فيما أن المنطقتين الانفصاليتين "تفتقران إلى الشفافية"، بحسب منظمة "فريدوم هاوس".
وكان دونباس قبل الحرب قوة صناعية في التعدين وإنتاج الصلب، فضلاً عن امتلاكه احتياطيات ضخمة من الفحم.
لكن كييف فرضت، في عام 2017، حظراً على التبادل التجاري مع "جمهوريتَي" لوغانسك ودونيتسك، باستثناء السلع الإنسانية.
وردّ الانفصاليون بمصادرة الأصول الصناعية المملوكة لأوكرانيا، علماً أن مسؤولين محليين روّجوا لنظرية أن "دونباس تطعم أوكرانيا"، بحسب تقرير أعدّه مركز الأزمات الدولية، أفاد بتحوّل المنطقة إلى "مركز للجريمة المنظمة"، من خلال "التعدين غير القانوني وازدهار التهريب عبر الحدود مع روسيا".
ضفتان يمنى ويسرى
أفاد موقع "ناشيونال جيوغرافيك" بأن السكان الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا هم نتيجة لتاريخ معقد يعود إلى قرون.
وأضاف أن أجزاء ممّا يُعرف الآن بشرق أوكرانيا، وقع تحت الحكم الإمبراطوري الروسي بحلول أواخر القرن السابع عشر، أي قبل غرب أوكرانيا بكثير.
وباتت الأراضي الواقعة إلى الشرق من نهر دنيبر تُعرف باسم "الضفة اليسرى" لأوكرانيا ومركزاً للصناعة والفحم.
أما الأراضي الواقعة إلى الغرب من نهر دنيبر، أو "الضفة اليمنى"، فخضعت غالباً لسيطرة قوى أوروبية مختلفة، بما في ذلك بولندا والإمبراطورية النمساوية المجرية.
لكن استطلاعاً للرأي أعدّه موقع "ذي كونفرسيشن"، في عام 2019، أظهر أن 55% من سكان دونباس يفضّلون أن يكونوا جزءاً من أوكرانيا.
ودونباس هي اختصار لكلمتي "دون" من دونيتسك، و"باس" من باسين بالروسية، أي "حوض دونيتسك"، وجاء اسمها من حوض الفحم الذي اكتُشف في عام 1721، وسُمّي على اسم نهر دونيتس العابر في المنطقة، بحسب موقع "بريتانيكا".
وبدأ استغلال حوض دونيتسك في أوائل القرن الـ19، وبحلول عام 1913 كان ينتج 87% من الفحم الروسي.
وتشتهر المنطقة تاريخياً بحركتها العمالية التي تعيش على مناجم الفحم الغنية بها، كما أنها أكبر منطقة منتجة للحديد والصلب في أوكرانيا.
وتعدّ منطقة تعدين كبيرة ومنطقة صناعية في جنوب شرقي أوروبا، وواحدة من أكبر المجمعات المعدنية والصناعات الثقيلة في العالم.
وفي حوض دونيتسك أيضاً، يُستخرج الزئبق، كما تتخذ صناعة الأسمنت أهمية كبرى. وأُدخلت مجموعة واسعة من الصناعات الخفيفة وصناعات السلع الاستهلاكية، من أجل تنويع الاقتصاد وتلبية احتياجات عدد كبير من السكان.
وتفيد تقديرات عام 2001 بأن الأوكرانيين يشكّلون نسبة 77.8% من سكان البلاد، في مقابل 17.3% للروس. كما أن اللغة الأوكرانية هي الرسمية، ويتحدث بها 67.5% من السكان، في مقابل 29.6% للروسية، وهي لغة إقليمية.
اقرأ أيضاً: