في عام كورونا.. العلم يحقق انتصاراً في معركته ضد السرطان

time reading iconدقائق القراءة - 14
مجموعات دعم مرضى السرطان تساعد على التأقلم مع المرض والتعايش - Getty
مجموعات دعم مرضى السرطان تساعد على التأقلم مع المرض والتعايش - Getty
القاهرة-محمد منصور

شهد العالم في عام 2020 صراعاً مع وباء قاتل حصد حياة مئات الألوف من البشر، جاهد الأطباء والعلماء خلاله للبحث عن حلول تُساعد المرضى على الشفاء، تعاونت مئات الفرق البحثية لتصنيع لقاح لمواجهة فيروس كورونا المستجد، ونجح العلم -كما ينجح دوماً- في العثور على عدّة حلول.

وعلى الرغم من التضافر الكبير، والأولوية التي صنعتها الحاجة، فإن باحثين آخرين سخّروا جهودهم لإكمال الطريق في مكافحة أكثر الأمراض المستعصية كـ"السرطان".

وتعرض "الشرق" مجموعة مختارة من الجهود المبذولة لمكافحة المرض الذي يُعد واحداً من أكثر الأسقام تحدياً للبشرية.

محاولات جديدة لمواجهة السرطان

في دراسة نشرها باحثون بجامعة "كاليفورنيا-بيركلي"، تمكن فريق بحثي من استخدام جزيء موجود داخل المناعة الفطرية لمكافحة الخلايا السرطانية.

وتشير الدراسة إلى أن ذلك الجزيء يُمكنه تحفيز المناعة على إحداث استجابة قوية للغاية لمكافحة الخلايا السرطانية.

ولفتت نتائج الدراسة إلى أن حقن ذلك الجزيء داخل فئران التجارب ساعدها على مكافحة الخلايا الورمية الكبيرة، وهو ما قلل حجمها، ومنع هروبها، وأسهم في شفاء الفئران من الأورام الصلبة وعزز قدرة العلاجات المناعية على الوصول لأعماق الخلايا السرطانية والقضاء عليها، فيما تمكن علماء آخرون من اكتشاف قدرة فيتامين "ب3" على المساعدة في قتل السرطانات الأرومية الدبقية.

وبحسب دراسة نُشرِت في إحدى دوريات "ساينس" يُمكن دمج ذلك الفيتامين مع العلاجات التقليدية الكيميائية والإشعاعية لمواجهة أكثر أنواع سرطانات الدماغ فتكاً، وهو السرطان الأرومي الدبقي الذي يفشل في الأغلب علاجه بالطرق التقليدية ولا يزيد متوسط بقاء المصابين به على قيد الحياة عن 12 شهراً.

وتقول تلك الدراسة، إن إعطاء جرعات محسوبة من ذلك الفيتامين لفئران التجارب أسهمت في إطالة أعمارها، كما ساعدت العلاجات التقليدية على مواجهة ذلك النوع من الأورام الأكثر شراسة عبر إعادة تنشيط الخلايا المناعية ومساعدتها على مهاجمة الأورام.

جهد 25 عاماً

أما الحدث الأكبر، هذا العام، فجاء تتويجاً لجهد استمر 25 عاماً من العمل البحثي.

فقد نجح علماء من معهد "دانا فايبر" الأميركي لأبحاث علاج السرطان، في صناعة أكبر أطلس للبروتينات البشرية، والذي يشمل عرضاً لوظائف أكثر من 8 آلاف بروتين بشري وتفاعلها مع الجسم. كما رصد المتغيرات الناجمة عن أكثر من 52 ألف تفاعل يحدث بشكل دوري داخل جسم الإنسان.

ويعرف العلماء منذ زمن بعيد أن التفاعلات بين البروتينات هي أسباب معظم الأمراض، إلّا أن العلماء ظلوا يعرفون أقل القليل عن تلك التفاعلات، حتى نجح فريق "دانا فايبر" في إعداد خريطة كاملة لها.

وستساعد تلك الخريطة في علاج عدد كبير من الأمراض على رأسها السرطان، كما يُمكن استخدامها أيضاً للكشف عن الأمراض التنكسية، كـ"ألزهايمر"، والمساعدة في إيجاد طرق لعلاجها.

تجربة للمرة الأولى

وفي مجال البحث عن أدوية جديدة، نشر مجموعة من العلماء دراسة تكشف عن أهداف علاجية جديدة لمرض السرطان.

فبعد فحص أكثر من 13 ألف نوع من أنواع الأورام الخبيثة للكشف عن البروتينات المسببة لها، أجرى باحثون في مركز التنظيم الجينومي في برشلونة التحليل التطوري الأكثر شمولاً ودرسوا كيف تتصرف الأورام عبر 32 نوعاً من الأنسجة، و28 نوعاً من السرطان، ووجدوا أن تعبير البروتينات يختلف بشكل كبير عبر الأنواع المختلفة من الأنسجة؛ وأنواع السرطان ومراحله.

ووجد الباحثون، أن بعض المواد الكيميائية يُمكنها بالفعل استهداف الحمض النووي للسرطانات بهدف علاجها، وهذا يعني ضرورة تركيز الأبحاث المستقبلية على تلك المواد إذا ما أردنا الانتصار على السرطان.

ولأول مرة، نجح باحثون من جامعة "ماونت سيناى"، في إجراء تجربة سريرية عشوائية على أكثر من 1200 مريض لاستقصاء مدى فائدة الجمع بين استراتيجيات مختلفة لعلاج الأورام السرطانية.

وقالت الدراسة إن الجمع بين تقنيات العلاج المناعي الموجّه والعلاجات الكيميائية يُمكن أن يبطئ من انتشار الأورام السرطانية، ولا سيّما ورم المثانة.

وتُعد تلك التجربة الأولى من نوعها على مر التاريخ التي يدرس فيها الباحثون إمكانية نجاح الجمع بين استراتيجيات مختلفة للإبطاء من نمو وانتشار الخلايا السرطانية.

كما نشر باحثون آخرون دراسة تؤكد وجود حلول بديلة أكثر فاعلية وأقل سُميّة للمرضى المصابين بورم "بيركيت" الليمفاوي.

ويصيب ذلك الورم الخلايا الليمفاوية في المعدة، ويتسبب علاجه في ارتفاع مستويات السُميّة في دماء المرضى.

واعتمدت الدراسة على ابتكار طريقة جديدة لحقن الدواء تعتمد توقيتاً شديد الدقة لدخول العلاج الكيميائي للجسم، وهو علاج يُسمم الخلايا السرطانية إلا أنه يتسبب أيضاً في تسميم الخلايا السليمة.

وقال الباحثون في تلك الدراسة إن إعطاء الدواء وفقاً لتحمل المريض وطبقاً للأعراض الجانبية التي تظهر عليه، أفضل بكثير من الاعتماد على جدول موحد للجرعات. 

وباختبار تلك الطريقة على أكثر من 100 مريض، لاحظ الباحثون تحسناً كبيراً في حالتهم الصحية مع انخفاض حاد في الآثار الجانبية للدواء.

خريطة الأجسام المناعية

وفي دراسة مؤسسة جديدة، نجح العلماء في إعداد خريطة للأجسام المناعية بالاعتماد على خلايا أكثر من 10 آلاف مريض مُصاب بالسرطان.

وتهدف تلك الخريطة لمعرفة الدور الدقيق لجهاز المناعة في مكافحة خلايا السرطان، وأسباب عدم نجاحه في بعض الأحيان في مهاجمة الخلايا السرطانية، ويأمل العلماء استخدامها مستقبلاً لتعزيز الاستجابة المناعية بشكل أكبر.

وفي دراسة أخرى نُشرت نتائجها في دورية "ساينس ترانسيشنال ميديسن"، أثبت الباحثون جدوى علاج الأورام النقوية الحادة المقاومة للعلاج الكيميائي باستخدام تقنية العلاج المناعي المعتمدة على الخلايا التائية.

ويستخدم العلاج المناعي في الأساس لعلاج أورام الدم، والسرطان النقوي المتعدد هو نوع من تلك السرطانات التي تصيب خلايا البلازما.

ونجح الباحثون في تلك الدراسة في حماية 23 مريضاً بذلك النوع من السرطان، وعانوا طوال سنوات من انتكاسات ومقاومة للعلاج الكيميائي.

وسحب العلماء عينات من دماء المرضى؛ ثم عدلوا خلاياهم التائية جينياً للتعرف إلى الخلايا الورمية، وبعدها حقنوا تلك الخلايا في دمائهم مرة أخرى.

ونجحت الخلايا في مهاجمة السرطان والتغلب عليه، ولا يزال الباحثون يُتابعون هؤلاء المرضى حتى الآن لمعرفة ردود فعل أجسادهم على استخدام طريقة العلاج الجديدة.

كما اكتشف العلماء في دراسة منشورة في دورية "الطب التجريبي"، بروتيناً جديداً يُمكّن الخلايا السرطانية من التهرب من العلاج المناعي.

وعمد الباحثون إلى تثبيط ذلك البروتين في فئران التجارب، فنجحت خلاياهم المناعية في القضاء على السرطان بمساعدة العلاج الكيميائي.

احتفاء بطريقة جديدة

ولأن الكشف المبكر عن السرطان إحدى أهم الخطوات في علاجه، إذ إن اكتشافه مبكراً يُحسن من العلاج، نجح علماء في نشر دراسة بدورية "بلوس" عن طريقة جديدة كُلياً للكشف عن السرطان الحليمي البشري.

ولا تعتمد تلك الطريقة على الكشف عن الخلايا السرطانية؛ لكنها تكشف نوعاً من البكتيريا يرتبط وجوده باحتمالية الإصابة بالورم الحليمي البشري.

وقوبلت تلك الطريقة بكثير من الاحتفاء، إذ إنها تُعد الأولى من نوعها للكشف عن مؤشرات حيوية يُمكن استخدامها لتحديد المُصابات بذلك الورم مبكراً، وحتى قبل ظهوره أو تطوره.

كما نشرت إحدى دوريات "ساينس" دراسة عن ابتكار جهاز جديد له القدرة على اكتشاف علامات سرطان الرئة عبر قياس مجموعة من الإنزيمات في البول.

وتعتمد تلك الطريقة على جهاز استشعار نانوي قادر على الكشف عن ذلك النوع من السرطان بدقة شديدة وسهولة وسرعة، ما سيجنب المرضى الخضوع لفحوص الأشعة السينية والرنين المغناطيسي ويقيهم تأثيراتها الجانبية.

كما نجح باحثون آخرون في تطوير خوارزمية تتنبأ بالسرطان.

وبحسب البحث، تستطيع تلك الخوارزمية التي تعتمد على برنامج ذكاء اصطناعي، دراسة التغيرات الطفيفة التي تحدث في الخلايا التائية قبل الإصابة بالسرطان مباشرة.

وهذا يعني إمكانية عكس تلك التغيرات لمنع حدوث السرطانات من الأساس، أو على أقل تقدير تنبيه المرضى لنسب خطورة الإصابة بالأورام، وهو ما يساعد على التدخل المبكر، الأمر الذي يعني زيادة احتمالات الشفاء.