العقيد تاراس دزوبا يكتب: تحرير كامل الأراضي سيناريو أوكرانيا الوحيد

time reading iconدقائق القراءة - 11

هذا المقال جزء من سلسلة "2023.. عام الأسئلة الصعبة".  

بقلم العقيد تاراس دزوبا

  • عقيد بالقوات المسلحة الأوكرانية، بخبرة تزيد عن 30 عاماً في الخدمة العسكرية، وشارك بين 2015 و2016 في عمليات مكافحة الإرهاب.
  • تقاعد من الجيش في 2019، لكنه استمر في تدريب المتخصصين العسكريين والمدنيين. وعاد للخدمة العسكرية في فبراير 2022، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
  • حائز على درجة الدكتوراه، وعمل كذلك أستاذاً في الجامعة الوطنية للدفاع في أوكرانيا وجامعة الدولة للاتصالات السلكية واللاسلكية. 

إنها لحقيقة معروفة أنَّ الظروف المناخية توثر على وتيرة القتال. وهي تؤثر على الجانبين، وسيكون الطرف المُنتصر هو الأكثر استعداداً للتحرك في ظل تلك الظروف.

يمكننا على الفور القول إنَّ أشهر الشتاء ستكون صعبة من وجهة نظر عسكرية، وتفرض تحديات عدة. 
الانخفاض في درجات الحرارة، وتقلص ساعات ضوء النهار، والحاجة إلى تهيئة الظروف المناسبة لتمركز الجنود، والعبء الإضافي على الخدمات العلاجية وعلى سائر الوحدات في هذا الوقت من العام؛ تضاف إلى الضغوط العالية للضربات النارية.

كل هذه العوامل مجتمعة تحد من وتيرة الهجمات، غير أنَّ لأوكرانيا ميزتين مهمتين: الأولى، أننا نحمي وطننا من الغزاة، بمعنى أننا نحارب على أرضنا بدعم كامل من شعبنا، والثانية أننا نحصل على دعم فعال وحقيقي من المجتمع الدولي.

أمَّا عن نشاط العدو العسكري فنحن نتوقع استمرار القصف الصاروخي على أراضي أوكرانيا، ولا سيما على مواقع البنية التحتية المدنية.  

نجاح القوات الروسية المحتلة في الميدان غير مرجح، ولكن لا يزال بإمكانهم مواصلة أفعالهم العدائية تنفيذاً لأوامر القيادة السياسية والعسكرية التي لا تعباً بالخسائر، وغالباً ما لا تعترف بالحقائق في الميدان.

نحن نتهيأ لأي سيناريو محتمل، وسنفعل كل شيء لتحرير الأرض الأوكرانية من المحتلين، بغض النظر عن فصول السنة، وعن الظروف المناخية، وعن كل شيء.

فهم دوافع الطرفين

من الضروري فهم دوافع الطرفين المتحاربين لتقدير فرص كل طرف.  

إذ تركنا جانباً كليشيهات البروباجندا الرسمية الروسية، والتي يشكك فيها حتى أكثر المتحمسين لبوتين، فإنَّ الدوافع الرئيسية لجنود جيش الاحتلال الروسي هي: الخوف من عصيان الأوامر، والرغبة في تحسين أوضاعهم المادية على حساب الانخراط في الحرب. ولا يزال بعضهم يحلم بأكاليل النصر.

نحن لدينا دوافع مختلفة تماماً. لقد دخل الغزاة أرضنا بهدف واحد، هو سلبنا كل ما نملك: حياتنا، وأرضنا، ومنازلنا. لم يكتفوا بقتل المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، بل لجأوا إلى التعذيب والاغتصاب علناً لكسر معنوياتنا.

لا خيار لدينا: إما النصر وإما الموت. هذا هو ما يحدد فرصنا. بالنسبة لأوكرانيا، إنها حرب وطنية، إنها حرب الشعب.

بكلمات أخرى: إذا كان العدو يعتقد أن ثمة "عملية عسكرية خاصة" تجري هنا، فإنها بالنسبة لشعبنا حرب حقيقية، والنصر فيها ضروري للتحرير الكامل لأراضينا المحتلة مؤقتاً، والحصول على ضمانات لحياة سلمية في المستقبل.    

ضمانات السلام هذه ضرورية ليس لأوكرانيا وحدها. فشن روسيا عدوانها على أوكرانيا زعزع الاستقرار في أوروبا، الأمر الذي خلخل الصيغة الأمنية التي تطورت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعقب وضع السلاح في مناطق شتى في آسيا والشرق الأوسط.

وبناءً على هذا، يمكن القول إن لدينا الظروف المواتية للنصر على العدو، مهما بلغت المصاعب.

المساعدات الدولية لأوكرانيا

تتلقى أوكرانيا اليوم معونة اقتصادية وعسكرية من دول كثيرة في أوروبا والعالم. ودولتنا تشعر بالامتنان لشركائنا لهذه المعونة الإنسانية والعسكرية والاقتصادية. ويعتمد حجم المساعدات بشكل أساسي على هوية شركائنا وعلى قدراتهم.

وبالأرقام فإنَّ الدعم العسكري الذي تم تقديمه، أو المنتظر، في عام 2022 من حلفائنا هو 41.3 مليار يورو.

وقرَّرت الولايات المتحدة تقديم حزمة أخرى من العون العسكري إلى أوكرانيا بقيمة 275 مليون دولار، تشمل الدعم في مجال البنية التحتية للطاقة، والدعم العسكري الذي يتضمن تدريب المختصين في أوكرانيا، والدعم الإنساني. إضافة إلى ذلك، خصصت واشنطن 800 مليون دولار في ميزانيتها العسكرية لدعم أوكرانيا في 2023.  

وقد أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيقدم في عام 2023 مبلغ 18 مليار يورو دعماً لأوكرانيا.  

ورغم ذلك، فإن الأمر ليس مجرد سرد أرقام، فمستوى الدعم المقدم لأوكرانيا يتناسب طردياً مع مستوى الأخطار التي تمثلها آلة الحرب الروسية على أمن أوروبا والعالم. فكلما ازداد الشعور بهذه الأخطار نتوقع زيادة في الدعم.  

مخاوف من انخفاض الدعم الدولي

ونقر بأنه يساورنا بعض القلق بشأن مستوى الدعم الدولي لأوكرانيا لصد العدوان الروسي المسلح، وإعادة تأهيل المواقع الحساسة للبنية التحتية بسرعة، واستعادة التنمية بعد انتهاء القتال، وبداية ملاحقة كل مجرمي الحرب أمام الهيئات الدولية.    

أمَّا عن الهبوط المحتمل في الاقتصاد العالمي في العام المقبل، فهذا أمر خاضع للنقاش. جدير بنا انتظار عقد المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس في مطلع 2023.

ويمكننا من الآن القول إنَّ هذه السنة كانت صعبة على الدول الأوروبية، ولكن كل الدول تقريباً تمكنت من العثور على موارد بديلة عن النفط والغاز الروسيين، ووضعت برامج فعالة لتقليل استهلاك الطاقة. ونالت "الطاقة الخضراء" دفعة جديدة. ونذكر أيضاً الأهمية التي نالها قطاع الصناعات الدفاعية في معظم دول العالم.    

لقد عانى الناس عبر جميع أنحاء العالم من نتائج الحرب، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي. ونحن على يقين من أنه كلما طال أمد العدوان اقتضى ذلك المزيد من الموارد. وباستقراء التاريخ فإنَّ الدول المتحضرة لو تركت أوكرانيا ضحية على مذبح "الترضية والحفاظ على السلم" لما كانت النتيجة سوى تأجيل صراع عالمي، مثلما حدث في أوروبا قبل نحو 70 سنة.  

مبادرات السلام

رداً على كل المبادرات الدولية لإنهاء النزاع والعودة إلى المفاوضات، أعلنت أوكرانيا موقفها بوضوح. نحن مستعدون للمفاوضات. وكنا دوماً مستعدين.

ولكننا مستعدون فقط لتلك المفاوضات التي ستنهي الحرب فعلياً، وتوفر ضمانات أمنية. هذا هو الشرط الأساسي الذي قدمناه للمجتمع الدولي، والدولة المعتدية، فقد قدم الرئيس فولوديمير زيلينسكي برنامج من 10 بنود لإنهاء النزاع.

نحن مستعدون للتفاوض. لكن ليس لإحلال هدنة غرضها إعادة تجميع الموارد، وتعبئة الاحتياط من أجل استئناف العدوان، نحن لا نعتبر هذا عرضاً لإنهاء الحرب، وهو غير مقبول لدينا.

سيناريوهات تحرير أوكرانيا

السيناريو الوحيد الممكن تحرير كل أرض أوكرانيا. فكيف يتم ذلك؟  

قد يبدي بوتين أمام العالم "بادرة حسن نية" فيسحب قواته من كل أراضي أوكرانيا، ويمتنع عن أي عمل عدائي جديد. وقد يجد المجتمع الدولي آليات فعالة لنقل الحرب إلى المستوى السياسي.  

وربما يفهم المجتمع الروسي أخيراً أن عدوه الوحيد هو حكومته، فيغيّرها. وهذا سيؤثر بشكل كبير على العمليات العسكرية.  

ومن الممكن جداً أن يتم التنفيذ الكامل لقانون "الإعارة والتأجير" الذي وقعه الرئيس الأميركي في مايو 2022، وهو ما سيمنحنا الإمكانات العسكرية اللازمة لإنهاء الحرب بالنصر.

ومهما يكن من أمر فإن قيادتنا العسكرية لديها الخطط للقيام بعمليات لتحرير المناطق. وهذه الخطط ستنفذ.

لم تكن أوروبا يداً واحدة كما هي اليوم. فما يجري في منطقتنا يظهر بوضوح أن ثمة حاجة ملحة لضمان أمن البلدان الأوروبية المتاخمة للاتحاد الروسي، ونرى مؤشرات على ذلك من الدول الأعضاء في الناتو.  

تملك أوروبا نموذجاً أمنياً مشتركاً يمثل فرصة للرد على التهديد في وقت مناسب، ويوفر الرد الملائم على العدوان الروسي ويوقف تقدم القوات الروسية. ولا خيار اليوم لأوكرانيا، ولا لأوروبا، إلا الثبات والفوز في هذ الحرب. بوتين لن يتوقف ما لم تضع أوكرانيا حداً لاعتداءاته، وإلا فإن الخطر العسكري على دول أوروبا سيصبح مباشراً.    

بعد الرابع والعشرين من فبراير 2022، أدرك العالم المتحضر أن النموذج الأمني الذي ساد منذ نحو 70 سنة لم يعد موجوداً. أوكرانيا والأوكرانيون لديهم رؤية واضحة بأن الاتحاد الروسي عدو يدمر البنية التحتية الأوكرانية ويقتل المدنيين المسالمين كل يوم.

هناك نوع من التململ في الرأي العام العالمي بشأن هذه الحرب، ولكن أي تغير ملموس على الرأي العام العالمي ليس ممكناً إلا بتغير إيجابي في الوضع الميداني، وهذا التغير سيمكن أوكرانيا والمجتمع الدولي من الشعور بالأمان. 

لقراءة المزيد من المقالات ضمن هذه السلسلة:

تصنيفات