كيف يمكن أن يغير دوري السوبر الأوروبي الجديد كرة القدم؟

time reading iconدقائق القراءة - 14
قرعة دور الـ16 بدوري أبطال أوروبا في نسخته الأخيرة (2019 - 2020) - UEFA via Getty Images
قرعة دور الـ16 بدوري أبطال أوروبا في نسخته الأخيرة (2019 - 2020) - UEFA via Getty Images
لندن -محمد قطب

زلزال فجرته مجموعة من أكبر الأندية الأوروبية عندما أعلنت، الأحد، إطلاق دوري السوبر الأوروبي الجديد (السوبر ليغ). مشروع إذا تم تنفيذه حسب ما يأمل أصحابه، لن يسهم فقط في صنع أقوى بطولة للأندية في كرة القدم، بل أيضاً في تغيير واقع كرة القدم التي نعرفها إلى غير رجعة، إذا ما نجح في مواجهة الاعتراضات.

فكرة إنشاء رابطة مستقلة للأندية الأوروبية الكبرى ليست وليدة اليوم، ففي عام 2000 أنشأت مجموعة من أكبر الأندية الأوروبية، معظمها حاضر في مجموعة "السوبر ليغ" الحالية (G-14) للدفاع عن مصالح هذه الأندية. 

كان من أبرز ما قدمته تلك الرابطة مطالبة الاتحادات المحلية والدولية بمقابل مادي نظير مشاركة اللاعبين في بطولات مثل كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية، وسرعان ما توسعت هذه الرابطة لتشمل أكثر من 200 نادٍ في الوقت الحالي تحت مسمى "رابطة الأندية الأوروبية".

كيف بدأت فكرة "السوبر ليغ"؟

محاولات التنظيم الذاتي هذه ألهمت فكرة إنشاء دوري مستقل تتنافس فيه كبرى الأندية مع بعضها بشكل مستمر، بدلاً من انتظار أن تضعهم القرعة وجهاً لوجه في بطولات الأندية الأوروبية.

أكبر المتحمسين لإطلاق السوبر الأوروبي الجديد، كان رئيس نادي ريال مدريد الإسباني فلورنتينو بيريز الذي أراد من خلال طرحه أن يضمن أن تواجه أكبر الفرق بعضها بشكل مستمر، ما يوفر عوائد مالية وترويجية كبيرة لأندية تنفق مئات الملايين من أجل استقدام أفضل اللاعبين في العالم.

هذه المحاولات تعد استهدافاً مباشراً لدوري أبطال أوروبا، البطولة التي توصف بأهم بطولات الأندية حول العالم، والتي تطورت من بطولة تقام بنظام الذهاب والإياب بين أبطال الدوري في القارة العجوز، إلى دوري بنظام المجموعات اعتباراً من عام 1992.

منذ ذلك الحين تطورت أرباح هذه البطولة لتصبح من أهم مصادر دخل الأندية الكبرى، فبطل نسخة 2020 بايرن ميونيخ الألماني وصلت أرباحه من المشاركة في تلك النسخة من البطولة إلى ما يزيد على 120 مليون يورو، في إطار لائحة مالية تضع مكافآت مادية تتجاوز مليوني يورو لمجرد الفوز بمباراة واحدة في دور المجموعات.

تأتي هذه الأرباح بالطبع من بيع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، الجهة المنظمة للبطولة، لحقوق الرعاية والبث التلفزيوني والشراكات التجارية، في الوقت الذي وصلت فيه أرباح الاتحاد الأوروبي من بطولات الأندية إلى 3.25 مليار يورو في موسم (2019- 2020)، بحسب ما أعلنه الاتحاد الأوروبي للعبة نفسه. 

الخروج من عباءة "يويفا"

منذ أن تم استحداث نظام دوري أبطال أوروبا الجديد "تشامبيونز ليغ" في عام 1992، لم تخرج البطولة من بين أندية إيطاليا وإنجلترا وإسبانيا وألمانيا سوى في ثلاث نسخ فقط من أصل 28 نسخة أقيمت فيها البطولة.

ازدادت هذه الأندية ثراءً وازدادت قدراتها على جلب أفضل اللاعبين عالمياً، وضخت الاستثمارات الأجنبية في مجال كرة القدم المزيد من الأموال، لتظهر أسماء جديدة تمتلك قدرات مالية مرتفعة مثل تشيلسي اللندني الذي عرف نهضة كبرى تحت قيادة مالكه الروسي رومان أبراموفيتش حتى فاز بدوري الأبطال عام 2012، ومانشستر سيتي الذي يهيمن على جميع بطولات الكرة الإنجليزية في السنوات الأخيرة بفضل استثمارات مجموعة أبوظبي.

حاول الاتحاد الأوروبي مقاومة أو ضبط التغيير الذي أحدثته تلك الطفرة المالية في عالم الكرة فابتدع في عام 2011 قانوناً سُمي بـ"اللعب المالي النظيف"، والذي يفرض قيوداً على الأندية التي تنفق ما يزيد على دخلها ويهددها بعقوبات تصل إلى حد الاستبعاد من البطولات الأوروبية.

أدت هذه السياسة إلى توقف بعض الفرق عن استقدام اللاعبين من أجل توفيق أوضاعها المالية حتى لا يتم استبعادها من بطولات الاتحاد الأوروبي، وتأثر مستوى بعض هذه الفرق بشدة، حتى إن ميلان الإيطالي بطل أوروبا 7 مرات، غاب عن المشاركة في المواسم الستة الماضية من دوري الأبطال. 

كعكة دوري أبطال أوروبا 

ترى هذه الأندية الغنية صاحبة الجماهير والألقاب في صراعها مع الاتحاد الأوروبي، أنها هي من يصنع القيمة الفنية والتسويقية لكعكة دوري أبطال أوروبا وليس بقية الفرق المشاركة في البطولة.

وبالتالي سعت لسنوات للحصول على وضع مميز في البطولة، حيث تشارك في كل نسخة حالياً من دوري الأبطال الفرق الأربعة الأوائل في دوريات إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، في مقابل فريق واحد من بعض البطولات المحلية الأقل شعبية. 

لكن هذا الامتياز لم يكن كافياً لهذه الفرق، فمع تراجع مستوى بعض الأسماء صاحبة الجماهير مثل أرسنال في إنجلترا وميلان في إيطاليا، دخلت هذه الأندية في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي للحصول على بعض المقاعد الدائمة لها في البطولة دون النظر إلى أدائها في الدوري المحلي، في إطار خطط الاتحاد لتوسيع البطولة لتشمل مشاركة 36 فريقاً بدلاً من 32 فريقاً بنظام الدوري وليس بنظام المجموعات، ونوقشت هذه الفكرة في مفاوضات مطولة مع ممثلي هذه الأندية الكبرى.

أرباح ضخمة

البديل لكل هذا الشد والجذب مع كيان كرة القدم الأوروبية، كان الانفصال التام بالنسبة لهذه الأندية. 

الممول في هذا التحرك هو عملاق المصارف الأمريكية بنك "جي بي مورغان تشيس" الذي أبدى استعداده لتمويل "السوبر ليغ" بستة مليارات دولار أميركي، حسب ما ذكرته صحيفة "غارديان" البريطانية، ما يعني أن هذه البطولة ستبدأ من نقطة مادية تصل إلى ضعف أرباح دوري الأبطال، موزعة فقط على الفرق التي تشارك في البطولة الجديدة، بحيث يصل أقل ما يمكن أن يحصل عليه النادي المشارك في هذه البطولة إلى أكثر من 300 مليون يورو.

تغير الجماهير

توفر هذه البطولة بجمعها بين عمالقة الكرة في القارة الأوروبية، فرصة الحصول على مواجهات كبرى مضمونة بين أقوى الفرق الأوروبية بشكل متواصل، ما يقدم للمشاهد سلسلة متواصلة من أفضل ما يمكن مشاهدته في عالم كرة القدم. 

أمر من شأنه أن يزيد عوائد البث التلفزيوني وشعبية الرياضة لدى المشاهدين في رأي رئيس نادي يوفنتوس الإيطالي أندريا أنييلي الذي لفت في كلمة له النظر إلى تغير مزاج متابع كرة القدم في الأجيال الجديدة إلى نوع أكثر تعلقاً بالأحداث الكبيرة، ما يفرض على الأندية ضرورة توفير المزيد منها، وهو ما يخضع للعديد من العوامل في دوري الأبطال، بينما يبدو أمراً مضموناً في مقترح "السوبر ليغ". 

أنييلي الذي تملك عائلته مجموعة شركات سيارات "فيات" الإيطالية، أشار أيضاً إلى فئة أخرى من الجمهور متعلقة بالنجوم، وليست بالفرق، وبالتالي من المهم، بحسب وجهة نظره، توفير بطولة تجمع أغلب النجوم العالميين بعد أن فقد بعض الفئة الحافز لمتابعة المباريات لغياب التنافسية في بعضها.

الأندية ومواجهة خسائر كورونا

مقترح كهذا جاء في توقيت مثالي للأندية الأوروبية الكبرى. فمانشستر يونايتد الذي يعد أحد أغنى اندية العالم، بلغ صافي ديونه 474 مليون جنيه إسترليني  بحسب بيانات الربع الأخير من عام 2020

هذه الخسائر تزايدت بوضوح مع تفشي فيروس كورونا الذي حرمه من عوائد بيع التذاكر ومبيعات يوم المباراة. أما توتنهام هوتسبر الذي أنفق ما يزيد على مليار جنيه إسترليني لبناء ملعب جديد في شمال لندن بحسب تقديرات مجلة "فوربس" فوجد نفسه أمام فرصة ذهبية لتعويض خسائره والوجود بين مجموعة من أقوى الأندية بشكل دائم في بطولة تمنحه قيمة تسويقية وتنقله شعبياً إلى خارج حدود الكرة الإنجليزية.

لماذا يقاوم البعض؟

بينما تبدو المعطيات إيجابية للفرق المشاركة في بطولة كهذه لا تبدو الأمور كذلك على الطرف الآخر من المعادلة، فالدخل الإضافي لهذه الفرق سيضيف إليها قوة إضافية في بطولاتها المحلية، فالدوري الإسباني الذي لم يخرج من بين برشلونة وريال مدريد سوى مرة واحدة في السنوات الـ15 الأخيرة سيكون من الصعب مشاهدة التنافسية فيه مرة أخرى بوجود نسخة أغنى من البارسا والريال.

والدوري الإنجليزي الممتاز الذي عُرفت عنه مبارياته التنافسية حتى بين المتصدر ومتذيل الترتيب ربما يعرف فجوة مادية كبيرة بين الأندية الستة التي أعلنت مشاركتها في "السوبر ليغ" وبقية الفرق الأخرى. 

مستقبل صناعة كرة القدم

فجوة ستنعكس بالتأكيد على تنافسية البطولة وبالتالي على قيمتها السوقية وحقوق البث التي وصلت إلى 12 مليار دولار أميركي إجمالاً، بحسب ما ذكره ريتشارد ماسترز الرئيس التنفيذي المؤقت للدوري الإنجليزي الممتاز في عام 2019.

التراجع في هذه الصناعة التي تتداخل فيها معطيات جذب الاستثمار الخارجي مع الأهمية السياحية للدوري الممتاز واقتصاد المراهنات القائم على قوة البطولة، عوامل ربما ساهمت في توجيه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لانتقادات لهذا المشروع، خاصة في ظل انكماش هو الأكبر منذ عشرات السنين للاقتصاد البريطاني بفعل تفشي فيروس كورونا. 

هذا التأثير سيتجاوز البطولة المحلية إلى البطولات القارية، ففي غياب أبطال إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا عن دوري أبطال أوروبا، من الصعب تخيل بطولة بالقوة نفسها والتنافسية وحتى القيمة المالية، هذا يعني بالتبعية تراجعاً لإيرادات الفرق المتنافسة في بطولات أخرى، والتي كانت تعتمد على الدخل القادم من دوري الأبطال لدعم ميزانياتها.

الأمر الذي قد يتسبب في زيادة في الفجوة بين طبقة محدودة شديدة الغنى وأغلبية لم يعد لديها حافز مادي للتطور. ما من شأنه أن يقلل من فرص الاستثمار في بطولات بدأت أخيراً في استقبال بعض رؤوس الأموال مثل الدوري الفرنسي، ما قد يفسر الانتقادات التي وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون لمشروع "السوبر ليغ".

بطولات يهددها "السوبر ليغ"

تأثير آخر لهذه المبادرة، ربما يتعلق بمدى جاذبية فكرة تكرار المواجهات الكبرى لدى المشاهدين. هل ستبقى قيمة أن يلتقي عملاقان أوروبيان على ماهي عليه إذا تكررت المواجهة ثلاث أو أربع مرات كل عام؟ وكيف يمكن أن تصل هذه المباريات إلى قاعدة كبيرة من الجمهور دون أن يصيب الجمهور التشبع من كثرتها دون تغيير في الأسماء؟ أسئلة يمكن للتطبيق فقط أن يجيب عنها. 

البطولة في شكلها المنتظر، ربما تهدد مستقبل البطولات الكبرى ككأس العالم وبطولة الأمم الأوروبية في ظل تهديدات الاتحادين الدولي والأوروبي بمنع لاعبي فرق السوبر الأوروبي الجديد من المشاركة في هذه البطولات. ما قد يثير التساؤلات لدى لاعبي هذه الفرق أنفسهم حول جدوى تمثيل منتخباتهم الوطنية في مقابل المزيد من ملايين الدولارات في حساباتهم البنكية.

أنماط جديدة للاستهلاك

أيضاً سيكون من المثير التعرف إلى كيفية مشاهدة هذه البطولة وهل ستتجه إلى منصات البث عوضاً عن القنوات التلفزيونية أولاً لجذب المزيد من قواعد المشاهدين في دول كالصين والهند والولايات المتحدة، وثانياً للحصول على المزيد من الأموال من أصحاب تلك المنصات، خاصة أن ناديين من الأندية المشاركة بالفعل في "السوبر ليغ" المقترح، هما مانشستر سيتي وتوتنهام هوتسبر، اللذان أنتجا بالفعل مسلسلات وثائقية عن كواليس المباريات مع شركة "أمازون" التي تذيع بالفعل حالياً عدداً محدوداً من مباريات الدوري الإنجليزي عبر منصتها " برايم".

هذه التطورات ربما تكون مقدمة لشكل مختلف من استهلاك المشاهدين لكرة القدم كمنتج ترفيهي لم يعد يستهدف فقط أن ينال رضا من يذهبون للمباريات في عطلة نهاية كل أسبوع، بل يمتد للبحث عن قواعد أوسع تجذبها المواجهات الكبيرة دون النظر إلى مسمى البطولة.