
أعلنت الكتلة الديمقراطية بالبرلمان التونسي، أمس الأربعاء، تقديم عريضة لسحب الثقة من رئيس مجلس النواب وزعيم حزب النهضة الإسلامي، راشد الغنوشي.
وهذه المرة الثانية التي يتقدم فيها أحد الأحزاب الممثلة في البرلمان عريضة لسحب الثقة من الغنوشي في أقل من شهرين، في وقت تشهد فيه البلاد تحولات سياسية إثر استقالة رئيس الحكومة، أمس، على خلفية تهم وجهت إليه بـ"تضارب المصالح".
محاولة جديدة
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية "تاس" عن رئيس الكتلة الديمقراطية هشام عجبوني قوله إنه "سيتم إحالة عريضة سحب الثقة إلى مكتب الضبط بمجلس النواب، اليوم الخميس، إثر حصولها على العدد اللازم من التوقيعات".
وأشار إلى أن العريضة جمعت 73 توقيعاً منذ البدء في المشاورات مع باقي الأحزاب بمجلس النواب حول العريضة يوم الاثنين الماضي.
وأضاف عجبوني أن العريضة تتضمن إمضاءات نواب كل من الكتلة الديمقراطية وكتلة الإصلاح الوطني وكتلة تحيا تونس وعدد من نواب الكتلة الوطنية ومستقلين.
ولفت إلى أن "تجميع مزيد من الإمضاءات متواصل"، مشيراً إلى أنها "لا تتضمن إمضاءات نواب الحزب الدستوري الحر"، الذي سبق أن قدم عريضة لسحب الثقة من الغنوشي في الشهر الماضي.
وتتهم الكتلة الديمقراطية الغنوشي بـ"سوء إدارة البرلمان"، إذ قال العجبوني إن الغنوشي "تسبب في مشاكل وتشنج تحت قبة البرلمان بسبب تصرفه كرئيس لحزب النهضة، وليس رئيساً للبرلمان".
عملية "معقدة"
وكان مجلس النواب التونسي أسقط عريضة مماثلة لسحب الثقة من الغنوشي في الرابع من يونيو الماضي عبر الحزب الدستوري الحر، بعد حصولها على موافقة 94 نائباً مقابل اعتراض 68 آخرين، وامتناع 7 نواب عن التصويت.
ويشترط النظام الداخلي للبرلمان التونسي حصول اللوائح المقترحة من الأحزاب على الأغلبية المطلقة من الأصوات، أي 109 أصوات، من أجل اعتمادها.
ويسيطر حزب النهضة، الذي يترأسه الغنوشي، على أكبر حصة من المقاعد في البرلمان بـ54 مقعداً. وبالمقابل، تعيش الأحزاب المعارضة للغنوشي حالة انقسام بين تحالف تقوده الكتلة الديمقراطية وآخر يقوده الحزب الدستوري الحر.
ولم توقع الكتلة الديمقراطية على العريضة التي تقدم بها الحزب الدستوري الحر في الشهر الماضي، بينما لم يوقع نواب الحزب الدستوري الحر على العريضة التي قدمها اليوم زعيم الكتلة الديمقراطية.
وفي ظل انقسام الأحزاب المعارضة للغنوشي وسيطرة حزب النهضة على أكبر عدد من المقاعد بالرلمان، يبقي أمر حصول العريضة على الـ109 أصوات اللازمة لتمريرها مهمة معقّدة.
الغنوشي متهم
ويواجه زعيم حزب النهضة معارضة قوية من عدد من الأحزاب داخل البرلمان، التي تتهمه بسوء الإدارة وتجاوز صلاحياته، خصوصاً فيما يتعلق بأدواره الدبلوماسية وتمرير مواقف حزبه الإسلامي أكثر من مواقف الجمهورية التونسية.
وجاءت هذه الاتهامات بعد مكالمة هاتفية أجراها الغنوشي في 19 مايو الماضي، مع رئيس حكومة المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، هنأه فيها بالسيطرة على "قاعدة الوطية الجوية" القريبة من الحدود التونسية، والتي كانت تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقبل ذلك في ينار الماضي، التقى الغنوشي بالرئيس التركي رجب طيب أردغان في العاصمة التركية أنقرة، بعد موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة المجلس الرئاسي في حربها على الجيش الليبي بقيادة حفتر.
واعتبرت قوى المعارضة أن أنشطة الغنوشي الدبلوماسية تشكّل "تجاوزاً لصلاحيات رئيس البرلمان"، إذ ينص الدستور على أن "الدبلوماسية تخصص حصري لرئيس الجمهورية".
وأزعجت تحركات الغنوشي رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، الذي شدد في خطاب ألقاه في نهاية شهر مايو الماضي، على أن "تونس لديها رئيس واحد فقط داخل البلاد وخارجها"، في انتقاد ضمني للنشاط الدبلوماسي المكثف لرئيس برلمان بلاده.
تهنئة بروتوكولية
وعقدت الأحزاب المعارضة للغنوشي جلسة مساءلة له داخل البرلمان الشهر الماضي حول الاتهامات التي وُجهت إليه بـ"تجاوز صلاحياته الدستورية، وجرّ تونس نحو الاصطفاف خلف المحور التركي - القطري في الصراع الليبي".
ونفى الغنوشي خلال جلسة المساءلة التهم المذكورة، وأصر على أنه أبلغ الرئاسة بجميع نشاطاته التي أجراها بصفته زعيماً لـ"حركة النهضة"، المرتبطة بجماعة "الإخوان المسلمين".
وبررّ الغنوشي تهنئته لرئيس حكومة المجلس الرئاسي فايز السراج بالإشارة إلى أنها "تهنئة بروتوكوليّة فرضها سياق المكالمة، وتمّ خلالها التذكير بالموقف التونسي في حلّ النزاعات عن طريق الحوار والحلول السلميّة".
وأسف الغنوشي لما وصفه بـ"توظيف الحرب الليبية" في الخلاف البرلماني حول نشاطه الدبلوماسي الأخير، معتبراً أن ذلك يتم "لغايات سياسية". وأضاف: "المعلن هو استهداف رئيس البرلمان ولكن المعني هو استهداف البرلمان ومن ورائه التجربة الديمقراطية".
سياق صعب
وتأتي المحاولات المتوالية لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي في وقت تعيش فيه الساحة السياسية في تونس تحولات مستمرة، كان آخرها استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على خلفية اتهامات وجهت إليه بتضارب المصالح حول صفقات حكومية لشركة يمتلك أسهماً فيها.
وقالت رئاسة الحكومة التونسية، أمس الأربعاء، إن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قدم استقالته "لتجنيب البلاد مزيداً من الصعوبات".
وكان حزب النهضة، المشارك في الائتلاف الحكومي، أعلن، أمس الأربعاء، قراره سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ. وقال الحزب إنه سيجري مشاورات مع الأحزاب السياسية لتقديم مرشح بديل.
ورفض الرئيس التونسي قيس سعيد، الاثنين الماضي، دعوة "حركة النهضة" إلى عقد مشاورات سياسية لتشكيل حكومة جديدة.
وشهدت تونس أزمة سياسية مطلع العام الجاري، يرى مراقبون أنها نتيجة الانتخابات النيابية التي جرت في أكتوبر الماضي، وأفرزت برلماناً مشتتاً ومنقسماً. وتتزامن الأزمة السياسية في البلاد مع تصاعد الاحتقان والتوتر الاجتماعي، خصوصاً في مناطق الجنوب التي تشهد احتجاجات متواصلة تطالب بتأمين الوظائف.