
بعد 700 عام على رحيله، يظهر الشاعر والفيلسوف الإيطالي الراحل دانتي أليغييري، تائهاً وسط شوارع القاهرة، بصحبة الأديب المصري نجيب محفوظ، وهما يستمتعان بمعالم العاصمة المصرية، ويرصدان مدى تقارب ثقافة البلدين، من خلال مشروع فني لطلاب كلية الآداب بجامعة حلوان بالقاهرة.
ويأتي المشروع احتفالاً بصاحب ملحمة "الكوميديا الإلهية" ضمن فعاليات أسبوع اللغة الإيطالية، الذي بدأ في 19 أكتوبر الجاري، بإشراف الفنان التشكيلي كارميني كارتولانو، المقيم في مصر منذ العام 1999.
ثلاثية محفوظ
وعلى مدار 21 عاماً قضاها كارتولانو في ميدان التحرير بالقاهرة، أتقن الفنان الإيطالي اللغة العربية قراءة وكتابة، كما نفذ عدداً من الأعمال الفنية المستوحاة من العربية، وأبرزها حياكة 30 جملة من ثلاثية الأديب المصري نجيب محفوظ، بطرق مبتكرة، إلى جانب الترجمة من وإلى العربية.
إيجاد علاقة دائمة بين مصر وإيطاليا كانت وسيلة كارتولانو لمشاريعه الفنية، ووجد في أسبوع اللغة الإيطالية للعام الجاري 2020، فرصة للتعبير عن العلاقة بين البلدين بطريقة مبتكرة كعادته، جاءت من خلال فكرة مجلة "دانتي تائهاً في القاهرة" بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ700 على رحيل الشاعر والفيلسوف الإيطالي.
دانتي تائهاً
عاش دانتي في النصف الثاني من القرن الـ13، إذ ولد في فلورنسا عام 1265، لأسرة يقال إنها تتحدر من أصل روماني نبيل.
وعكف على دراسة القانون والطب والموسيقى والتصوير والنحت والفلسفة والطبيعة والكيمياء والفلك والتاريخ واللاهوت، كما درس تراث اللاتين واليونان والشرق، ورحل عام 1321.
وفي حديثه لـ"الشرق"، يقول كارتولانو، أستاذ اللغة الإيطالية بكلية الآداب جامعة حلوان، إن فكرة المشروع خطرت له في بداية سبتمبر الماضي، عندما طلب منه المعهد الثقافي الإيطالي تنفيذ مشروع فني في ذكرى رحيل "دانتي"، على أن يتناول "الكلمة والصورة" في أعمال الشاعر الإيطالي. لتظهر فكرة "ماذا لو جاء دانتي للقاهرة في العام 2020؟".
وأوضح كارتولانو أن تنفيذ الفكرة شمل عدة محاور، أبرزها الربط بين الثقافتين المصرية والإيطالية، من خلال بعض الكلمات المتداولة في مصر ذات الأصل الإيطالي، مثل "روبابكيا وفاترينا وأفوكاتو وإستابينا"، وعقد مقاربة بين دانتي أليغييري ونجيب محفوظ، فضلاً عن تجسيد المشروع بطريقة مستوحاة من العمل الأكثر شهرة لدانتي، وهو "الكوميديا الإلهية".
وبرع الأديبان في تجسيد معاناة الإنسان باختلاف الزمن الذي يعيش فيه، كما أن "أعمالهما صالحة للقراءة قبل 300 عام وبعد ذات المدة"، كما يقول كارتولانو.
الكوميديا الإلهية
و"الكوميديا الإلهية"، رحلة خيالية بين 3 عوالم هي الجحيم والمطهر والفردوس. وأطلق عليها دانتي: الكوميديا، لأنها انتهت نهاية سعيدة، ثم أضافت إليها الأجيال اللاحقة اسم "الإلهية"، إذ يعتبر العمل من أهم أعمال الأدب العالمي، إذ جعل من اللغة الإيطالية لغة أدبية، وساعد على تشكيل الفكر وعالم الخيال في العصور الوسطى.
وتابع كارتولانو: "تدور فكرة المشروع، عن دانتي أليغييري وهو يسير في الجنة، ويتمنى لو أن يعود لزحام الحياة مجدداً، ليجد أمامه 3 أبواب، كُتب عليها (مصر – الصين – أستراليا) يختار باب مصر، وبعد أن يفتحه يجد مساعده الحقيقي فيرغليو، في انتظاره ويصطحبه لمقابلة نجيب محفوظ باعتباره مرشداً في الرحلة لاستكشاف مصر، ليلاحظ خلال رحلته تشابه الكلمات والطرز المعمارية بين البلدين، حتى كاد يعتقد أنه في إيطاليا بالخطأ".
ويوضح كارتولانو، أسباب اختيار الأديب المصري نجيب محفوظ مرشداً لدانتي في رحلته إلى مصر، قائلاً: "محفوظ أعتبره رمزاً من رموز الأدب والثقافة المصرية، وعلى الرغم من أنه روائي فإن له قيمة ومكانة كبيرة في الأدب المصري، ولا أستطيع تخيل التراث المصري بدونه، فهو أجاد بشدة في التعبير عن مصر الحقيقية".
تنفيذ عن بُعد
وبعدما أعد كارتولانو الفكرة وطريقة تناولها، تواصل مع مجموعة من الطلاب بكلية الآداب، عبر تطبيق "زووم" بسبب المخاوف المتعلقة بجائحة كورونا، وعرض عليهم الفكرة ونالت إعجابهم، وتحمسوا لتنفيذها وبالفعل تم الانتهاء منها في أقل من شهر.
ويتكون فريق التنفيذ من 5 طلاب بالصف الرابع، هم: نورا جمعة ونادين شحاتة وبيتر منصف، الذين تولوا مهمة كتابة القصة، وهاجر أسامة التي نفذت رسومات الكاريكاتير للمشروع، ومؤمن عبدالسلام اختار صور الخلفيات الحقيقية المستخدمة، أما كارتولانو فتولى الإشراف.
تطورت الفكرة خلال مناقشات الفريق على الرغم من أنها مشروع مستقل غير متعلق بالدراسة أو المنهج الأكاديمي، وهي مجلة كاريكاتير تحمل اسم "مغامرات عمو دانتي"، جاء الإصدار الأول منها في عدد يتكون من 8 صفحات، وعنوانه "دانتي وأم الدنيا"، ويعتزم الفريق استكمال العمل بإنتاج أعداد أخرى خلال الفترة المقبلة، بحسب كارتولانو.
ويرى كارتولانو أن لهذه المجلة تأثيراً آخر على الطلاب، وهي التعليم من خلال الابتكار عبر الرسومات والقصة، من دون الارتباط بمنهج محدد، وهو شيء يعتبره تطبيقاً عملياً للدراسة، إذ ستقدمه جامعة حلوان عبر الإنترنت خلال أيام.
نورا جمعة، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الآداب بجامعة حلوان، قسم اللغة الإيطالية، إحدى المشاركات في المجلة، قالت لـ"الشرق"، إن "المجلة تم تقديمها بطريقة كوميدية، وكانت البداية عبر تفكير عام لتنفيذ فكرة عن دانتي في ذكراه، واعتمدتُ خلال كتابة القصة بمشاركة نادين وبيتر على أن تكون المحادثات قصيرة، وأن تكون الصور جزءاً في استكمال الحديث، كالقصص المصورة".
دانتي ومحفوظ
وتتضمن القصة 4 شخصيات حقيقية: دانتي أليغييري، الملقب بـ"أبو اللغة الإيطالية"، وحبيبته الراحلة "بياتريتشه"، ومساعده "فيرغليو"، والأديب المصري نجيب محفوظ.
هبط أليغييري ومساعده إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة، حيث المباني ذات الطرز الأوروبية، وسأل دانتي مساعده عن معالمها، فاقترح فيرغليو لقاء أحد الأصدقاء (نجيب محفوظ) على أحد مقاهي القاهرة، ليحكي كل شيء عن تاريخ مصر.
يسير دانتي برفقة محفوظ في شوارع منطقة "وسط البلد"، ويرى دانتي لافتات محلات كُتبت بالإيطالية، ويسمع كلمات إيطالية، يزداد اندهاشه، وإعجابه بالقاهرة، ليعرض عليه محفوظ الذهاب إلى الإسكندرية، وهناك يبدي دانتي استغرابه الشديد أن تكون تلك مدينة مصرية، فالمحال التجارية والعمارة على الطراز اليوناني.
وتستمر الرحلة ويظهر الجانب الإيطالي في المجتمع المصري، وفور وصولهما للمسرح الروماني ومشاهدة إعلان "أوبرا عايدة" التي ألّفها الإيطالي فيردي، يقرر دانتي إنهاء الرحلة لأن حبيبته "بياتريتشه" في انتظاره.