
حذرت صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن سلالة فيروس كورونا التي اكتشفت لأول مرة في منطقة الأمازون، وانتشرت في أكثر من 20 دولة، تُهدد بإحداث موجات جديدة من العدوى في جميع أنحاء العالم.
وأشارت الصحيفة الأميركية، إلى أن البرازيل التي تضم أقل من 3% من سكان العالم، تخوض معركة شرسة ضد فيروس كورونا، في وقت تُسجل ما يقرب من ثُلث الوفيات اليومية الناجمة عن السلالة الجديدة، ما يُهدد بتحويل هذا البلد، إلى مصدر خطر على الصحة العالمية.
وتوفي أكثر من 300 ألف شخص من الفيروس في البرازيل التي يبلغ عدد سكانها 213 مليون نسمة، بينما تجاوزت الوفيات اليومية 3 آلاف حالة، وهي الحصيلة التي عانت منها فقط الولايات المتحدة، التي يتجاوز عدد سكانها تعداد سكان البرازيل.
إصابات بأعداد كبيرة
وسلالة كورونا المعروفة باسم "بي 1"، المتواجدة في أكثر من 20 دولة الآن، وتم اكتشافها في نيويورك الأسبوع الماضي، أكثر قدرة على نقل العدوى بنسبة 2.2 مرة، وأكثر قدرة على إعادة إصابة الأشخاص بالعدوى بنسبة 61%، مقارنة بالسلالات السابقة، وفقاً لدراسة حديثة.
وبوجود 10 طفرات على البروتين الشوكي الذي يساعد الفيروس على الاتصال بالخلايا البشرية، وُجد أن السلالة "بي 1" أكثر عدوى من السلالات السابقة.
وقال خوسيه إدواردو ليفي، عالم الفيروسات في مجموعة مستشفيات "داسا"، إن السلالة "بي 1" تسبب عدوى أكثر خطورة.
وأشارت الصحيفة إلى أن سلالة "بي 1" مسؤولة الآن عن غالبية الإصابات الجديدة في البرازيل، حيث يقول العديد من الأطباء هناك إنهم يلاحظون المزيد من الشباب، وغيرهم من المرضى ذوي الصحة الجيدة، يُصابون بالفيروس.
ونحو 30% من الأشخاص الذين يموتون من فيروس كورونا أعمارهم أقل من 60 عاماً، مقارنة بمتوسط قدره 26% أثناء الذروة السابقة في الفترة بين يونيو وأغسطس 2020، وفقاً للأرقام الرسمية التي حللتها الصحيفة.
وفي الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، شهدت ولاية ريو غراندي دو سول وفاة 5 آلاف شخص جراء إصابتهم بكورونا، ويتجاوز هذا الرقم حالات الوفاة المُسجلة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من العام الماضي.
وأصبحت البرازيل منبوذة عالمياً بعدما فرضت عشرات الدول قيوداً على المسافرين القادمين منها، بما في ذلك جارتها كولومبيا ودول أخرى مثل بريطانيا.
"تراخٍ عالمي"
وحذر باحثون في مجال الصحة العامة، من أن السلالة الجديدة ليست أزمة للبرازيل فقط، وأشاروا إلى ما وصفوه بـ"تراخٍ واسع النطاق" في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بشأن المخاطر المتدفقة من أميركا اللاتينية والمناطق الكبيرة التي لم تحصل على اللقاحات في جميع أنحاء العالم، حيث لقحت البرازيل 1.8% فقط من سكانها.
من جانبه، قال عالم الأوبئة في جامعة "هارفارد"، ويليام هانج، للصحيفة: "يوجد تسرع للإعلان عن انتهاء هذا الوباء، وهو لم ينته"، معرباً عن خشيته من "التفكير في ما سيحدث عندما تتمكن السلالة (بي 1) من الوصول إلى الأماكن التي لا يُتوقع حصولها على التطعيم خلال فترة ليست بالقصيرة".
سلالات "أشد شراسة"
وقالت حكومة بيرو، إن 40% من الإصابات في عاصمتها، الأكثر تضرراً، سببها سلالة "بي 1"، بينما شهدت أوروغواي، التي تقع على الحدود مع ولاية ريو غراندي دو سول، ارتفاعاً غير مسبوق في عدد الإصابات.
وقال باحثون، إن دراسات أولية تُشير إلى أن اللقاحات الحالية التي يُجرى تداولها في جميع أنحاء العالم فعالة مع سلالة "بي 1"، ولكن يلزم إجراء المزيد من الدراسات للتحقق مما إذا كانت فعاليتها قد انخفضت مع النوع الجديد.
ولفتوا إلى أنه كلما طالت فترة بقاء الفيروس ليتفاقم ويتحور، زادت فرص ظهور سلالات أشد شراسة، ما يُهدد تقدم عمليات التطعيم في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
من جهته، قال فيليبي نافيكا، الذي قاد بعض الأبحاث الأولى على سلالة "بي 1" ويعمل لدى مؤسسة "أوزوالدو كروز" للصحة العامة، إن سلالة "بي 1" نفسها بدأت في التحور وأظهرت تغيرات قد تجعلها أكثر عدوى.
وأضاف نافيكا: "إذا لم نوقف انتشار الفيروس، فلن يتوقف عن التطور".
وقال باحثون، إن النهج المتمثل في عدم الالتزام بارتداء الأقنعة الواقية، والتباعد الاجتماعي، والطرح البطيء للقاح، ساعد في تحويل البرازيل إلى "أرض خصبة مثالية للسلالات".
وظهرت سلالة "بي 1" في مدينة ماناوس، المركز الصناعي الرئيسي المحتمل أن يكون الفيروس قد انتشر بسرعة منه إلى جميع أنحاء البلاد عبر سائقي الشاحنات.
ورغم ظهورها بعد ظهور سلالة "بي.1.1.7" في بريطانيا، لا تزال السلالة "بي 1" غامضة نوعاً ما، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن البرازيل تجري اختبارات أقل من بريطانيا، ما يعني أن البيانات حول هذه السلالة أقل.
ورغم أن الباحثين يدركون أن السلالة "بي 1" أكثر عدوى وقدرة على الإصابة مرة أخرى، لا توجد إجابة محددة بشأن ما إذا كانت هذه السلالة أكثر فتكاً.
ولكن الأطباء ومديري المستشفيات في المناطق الواقعة بين الغابات البرازيلية والمدن الساحلية الشمالية الشرقية إلى الحزام الزراعي في جنوب البلاد، قالوا إن مخاطر السلالة "بي 1" هائلة وواضحة.
مخاطرة الشباب بعدم الالتزام
وفي مدينة بورتو أليغري، حيث تسببت السلالة "بي 1" في إصابة 60% من المرضى بفيروس "كوفيد-19"، ارتفع عدد المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاماً ويموتون من الفيروس بنسبة 125.5% منذ ديسمبر الماضي، بينما ارتفع إجمالي الوفيات بنسبة 102.7%، وفقاً لبيانات حللها عالم الرياضيات في الجامعة الفيدرالية في ريو غراندي دو سول، ألفارو كروغر راموس.
وقال باحثون، إن ذلك ربما يكون انعكاساً لمخاطرة الشباب بعدم التزامهم بقواعد التباعد الاجتماعي بعدما سئموا منها، أو بسبب أن العديد من البرازيليين كبار السن أو الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس إما ماتوا أو جرى تطعيمهم. ويرى الباحثون أن هناك حاجة للمزيد من الدراسات؛ لأن السلالة الجديدة ربما تكون أكثر فتكاً.
انهيار النظام الصحي
وازداد حجم المأساة الإنسانية في البرازيل بسبب انهيار النظام الصحي، الذي كان مرهقاً لدرجة أن المرضى الذين يدخلون المستشفى بسبب إصابات ناجمة عن حوادث سيارات ونوبات قلبية من المحتمل أيضاً أن يموتوا.
بعد أن تسبب نقص الأكسجين في اختناق المرضى حتى الموت في وقت سابق من العام الجاري في مدينة ماناوس في منطقة الأمازون، استعدت مئات المدن في جميع أنحاء البلاد لنفس المصير. وفي الأسابيع الأخيرة، نفدت أسرة العناية المركزة في أكبر المستشفيات الخاصة في ساو باولو، التي تعالج المليارديرات والرؤساء من جميع أنحاء أميركا اللاتينية.
وحثت جمعية الجنازات في البلاد، دور الجنائز على تخزين كميات كبيرة من جرار رفات الموتى.
وتعزو البرازيل كارثتها الحالية، إلى مزيج قاتل مما وصفه خبراء الصحة العامة بسوء إدارة للأزمة من قبل الحكومة.
وكان الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، وهو نقيب سابق في الجيش، قلل من شأن مخاطر الفيروس، ورفض استخدام القناع الواقي، كما طالب مواطنيه مؤخراً بالعودة إلى العمل و"التوقف عن النحيب".
وأنفقت وزارة الصحة البرازيلية عشرات الملايين من الدولارات على علاجات غير مثبتة للمرض بينما كانت تتباطأ في إبرام صفقات توريد اللقاحات.
وقال بولسونارو للمتظاهرين في ديسمبر الماضي: "لم العجلة في التطعيم؟"، زاعماً أن الوباء "على وشك الانتهاء".