Open toolbar

نادل يحمل مشروبات في مقهى بالإسكندرية - LightRocket via Getty Images

شارك القصة
Resize text
القاهرة-

لم تعد جلسة المقهى في مصر حكراً على الرجال فحسب، فكلما اقتربت من وسط القاهرة، أو أخذتك قدماك إلى منطقة سياحية، ستلحظ أن المقهى أصبح أكثر تسامُحًا مع اختلاط الرجال بالنساء، بينما على الأطراف، لا يزال المقهى الشعبي يحتفظ بكونه منطقة محررة من الغزو النسوي، ليبقى ارتباط الجلسات الرجالية بالمقهى إحدى الحقائق التي تميز الشارع المصري في عام 2020.

المقاهي في قبضة الغلق

"الحرب على الشيشة"، كانت أولى بشائر التضييق على المقهى ورواده على خلفية محاولة الحكومة المصرية السيطرة على انتشار فيروس "كورونا" المستجد، إذ تبنت وزارة التضامن الاجتماعي حملة توعية خاصة تكشف العلاقة بين تدخينها وزيادة احتمالات الإصابة بالفيروس، فيما شوهِد مسؤولون تنفيذيون يجوبون المقاهي ويوقّعون غرامات على المخالفين لقرار حظر الشيشة. في هذه الأثناء، كانت بعض المقاهي تغلق أبوابها لتمكّن بعض روادها من ممارسة أنشطتهم المحببة بغير رقابة، قبل أن تغلق المقاهي أبوابها أخيرًا بشكل جزئي في المساء، ثم بشكل كامل لاحقًا.

"لمّة الصحاب" أكبر الخسائر

يعتبر أحمد جمال نفسه محباً مُخلصاً للمقهى، ورغم ذلك، سارع المهندس العشريني إلى وداع مبكر للمقهى منذ كان الحديث عن كورونا بوصفه وباء متوطّناً في الصين، وليس جائحة عالمية، ولم ينتظر القرارات الحكومية. مبكرًا أيضًا، عرف "جمال" طريقه إلى المقهى، بعمر الثالثة عشرة تقريبًا، وبالتزامن مع كأس العالم للأندية في اليابان عام 2005، حيث كانت المباريات تقام صباحًا في أوقات الحصص، اعتاد الهروب من المدرسة والتسلل للمقهى لمشاهدة مباريات الأهلي ومنافسيه، لكن الشعور بالخطر وحده هو من حال بينه وبين جلسة المقهى. 

"من وقت ما حسيت بالخطر، ما قعدتش عالقهوة خالص"، يقول جما" لكنه بعد مرور قرابة الشهرين دون المقهى يُلخّص ما يفتقده في "لمّة الصُحاب"، التى اعتبرها مرادفًا لرفاق المقهى وأحاديثهم. والتى تتسم بالكثير من العشوائية وفي أغلب الأحيان تكون بلا هدف، أو كما يصفها "ليس لها بداية ولا نهاية، كلام كدة وخلاص"، كبديل، لجأ "جمال" بالفعل لتطبيقات مكالمات الفيديو في محاولة لاستعادة طيف المقهى وصفاء الذهن المصاحب، إلا أن مُحاولاته لم تؤد الغرض منها تمامًا، ففي الوقت الذي يسمح له المقهى بأحاديث ذكورية من دون فلاتر، تبقى محادثة الفيديو محكومة بقواعد ما يُقال وما لا يُقال في المنزل.

مقاهي سرية

في حي المطرية، حيث يعيش حسن (طالب ويعمل في مجال التسويق)، تشكّل المقهى قبلة الأصدقاء، حتى الذين هجروا الحي منهم، يعودون إليها خصوصًا للاجتماع مع الأصدقاء. على النقيض من "جمال"، لايطيق "حسن"، الشاب العشريني فكرة تطبيق العزل الاجتماعي بحذافيرها وما يترتب عليها من امتناع عن مقابلة الأصدقاء تمامًا، لكنه على ذلك يعترف أن وجود المقهى عمومًا في الحياة كان ييّسر هذه التجمعات بشكل أكبر "يعني لو كنت بقابل صحابي عالقهوة مرتين في الأسبوع، فأنا تقريبًا ماقابلتهومش من ساعة تطبيق الحظر غير مرتين".

على رغم تعذر لقاء الأصدقاء في غياب المقهى، يستبعد "حسن" أن يلجأ إلى مقهى من بابه الخلفىّ، إذ تفتح بعض المقاهي أبوابها وتقدم خدماتها لروادها المخلصين سرًا. رفض "حسن" لا يأتي، بحسب ما يقول، من كونه شخص ملتزم بطبعه، وإنما من رفضه الجلوس في قهوة مُغلقة "مش حابب الجو ده، عايز القهوة بأجوائها العادية".

من ناحية أخرى، سمحت فترة الحظر لـ"حسن" بتقييم حجم الوقت الذي يقضيه من حياته بالمقهى: "اكتشفت إن في حاجات كتير في حياتي كنت بعملها على القهوة، وهي ماينفعش تتعمل عالقهوة، زي إني مثلا أشتغل، أو أذاكر ليلة الامتحان، أنا فاكر إنّي في ثانوية عامة كنت بذاكر على القهوة، والقهوجي جه إداني سيجارة علشان يشجعني".

"عملت محشي لأول مرة"

 محمد سيف (محاسب في أحد البنوك الأجنبية)، يرى أن غياب المقهى وفرض حظر التجول غيّرا روتينه الصارم عبر سنوات، وجعلاه يكتشف أمورًا عن نفسه لم يكُن يعرفها. ففي حين اعتاد قبل الحظر أن يعود من يوم عمل شاق في البنك، يتناول طعامه، ثم يقضي المتبقي من اليوم في الشارع وعلى المقهى، إلّا أنه يقضي هذه الأيام المزيد من الوقت من العائلة، مايعتبره إحدى حسنات الحظر، فيما لم يسلم الأمر من دخول المطبخ وإعداد وجبة دافئة للعائلة.

"دخلت المطبخ وعملت محشي، ودي أول مرة تحصل. علاقتي بعيلتي أصبحت قويّة، أنا خايف أقولك اني ابتديت أحب قعدة البيت، خايف من نفسي الموضوع ده يكبر معايا" يقول سيف مازحًا، فيما يؤكد أنه يحافظ على الود موصولاً مع القائمين على مقهاه المفضل: "كان في قهوجي بكرهه لأنه حشري (متطفل)، بس كلمته واطمنت عليه، وحشتني حشريته".

 

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.