بين زيارتي جينجريتش وبيلوسي.. الصين أقوى عسكرياً وأقل رغبة في تقديم تنازلات

time reading iconدقائق القراءة - 9
علما الولايات المتحدة والصين أعلى إحدى الشركات في مدينة شنغهاي - 16 نوفمبر 2021 - REUTERS
علما الولايات المتحدة والصين أعلى إحدى الشركات في مدينة شنغهاي - 16 نوفمبر 2021 - REUTERS
دبي -الشرق

اختلفت سياسة الصين على مدى 25 عاماً، فمنذ زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي نيوت جينجريتش عام 1997 إلى تايوان، تمكنت بكين من التعامل مع الموقف بطريقة مختلفة وبحدة "أقل نوعاً ما" عما هي عليه الآن، بالمقارنة مع تحذيراتها الحالية لواشنطن وسط أنباء عن زيارة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة، التي تقول بكين إنها "جزء لا يتجزأ من البلاد". 

وسلطت وكالة "أسوشيتد برس" الضوء على أولويات الصين المختلفة بين الزيارتين، إذ كانت حكومة الرئيس جيانج زيمين تستعد آنذاك للاحتفال بعودة هونج كونج، كما كانت ترغب في الانغلاق على نفسها، بعد خروجها من عزلتها الدبلوماسية التي أعقبت قمع الاحتجاجات الموالية للديمقراطية التي اجتاحت ميدان تيانانمن عام 1989.

كما أن جينجريتش كان "داعماً" لتقارب العلاقات الأميركية الصينية، إذ التقى بالرئيس جيانج في بكين، فيما تجنبت الصين الدخول في صدام مع واشنطن، لكن بعد ربع قرن من الزمان، "تبدلت الأحوال بشكل جذري". 

فحكومة الرئيس الصيني الحالي شي جين بينج باتت "أكثر ثراءً وتسليحاً" وأقل رغبة في تقديم تنازلات بشأن تايوان، خصوصاً في ظل علاقات متوترة أساساً.

وفي حال إتمام الزيارة المرتقبة لرئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، قد تصبح أكبر مسؤول أميركي يزور الجزيرة بعد جينجريتش. 

وبحسب الموقف الصيني الرسمي، فإن بكين تعتبر أن أي اتصال رسمي مع تايوان بمثابة "اعتراف بحكومتها المنتخبة ديمقراطياً والتي لا تملك الحق في إقامة علاقات خارجية". 

"تحذيرات صينية" 

وعلى الرغم من أن بيلوسي لم تؤكد بعد ما إذا كانت ستقوم بهذه الزيارة، إلا أن بكين استبقتها بالتحذير من اتخاذ "تدابير حاسمة"، بما في ذلك "عمل عسكري"، حال أقدمت على ذلك.   

في هذا السياق، قال الناطق باسم وزارة الدفاع الصينية، تان كيفي، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة "يجب ألا ترتب لزيارة بيلوسي لتايوان".

وحذر من أن مضي الولايات المتحدة قدماً في هذا الأمر "لن يجعل الصين تكتفي بالمشاهدة دون أن ترد"، مؤكداً أن الجيش الصيني "سيتخذ إجراءات قوية لإحباط أي تدخل خارجي وخطط انفصالية تسعى إلى استقلال تايوان، وسيدافع بصلابة عن السيادة الوطنية الصينية ووحدة أراضيها".

وأشار تان إلى بيلوسي باعتبارها ثالث أكبر مسؤولة في واشنطن، بموجب وضعها في خط تولي رئاسة البلاد، في إشارة إلى أن بكين تنظر إلى بيلوسي باعتبارها "تابعة" للرئيس جو بايدن، وليست "مكافئاً" له كرئيسة لأحد الأفرع الثلاثة المستقلة للحكومة. 

وعلى الجانب المقابل، يفاقم التوقيت حدة الضغط السياسي، إذ يُتوقع على نطاق واسع أن يحاول شي جين بينج منح نفسه فترة رئاسية ثالثة، لمدة 5 سنوات بوصفه زعيماً للحزب، خلال الاجتماع المزمع عقده في الخريف، لكن هذه الخطوة "يمكن عرقلتها"، حال تمكن المنافسون من اتهام شي بـ"الفشل" في إبداء ما يكفي من صرامة في وجه ما يعتبرونه "استفزازاً أميركياً".

"حماية بيلوسي"

من جانبه، قال بايدن للصحافيين إن الجيش الأميركي يعتقد أن الزيارة "ليست فكرة جيدة الآن"، ولكنه "لم يقل إنها لا يجب أن تتم"، ما عللته "أسوشيتد برس" بأنه ربما جاء من قبيل "الاحترام لمنصبها (بيلوسي)".  

وأفاد مسؤولون أميركيون في تصريحات للوكالة بأنه، حال قامت بيلوسي بهذه الزيارة، فمن المرجح أن يستخدم الجيش الأميركي "طائرات مقاتلة، وسفناً، وقوات أخرى لتوفير الحماية للرحلة".   

وفي هذا الصدد، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي لهيئة الإذاعة الأسترالية، إن "الخطاب الصيني بهذا الشأن مزعج للغاية"، مؤكداً أنه "إذا طُلب منا، فإننا سنفعل ما يلزم لضمان تأمين الزيارة".  

وأوضح المسؤولون الأميركيون أن الإدارة "تتشكك" في أن تتخذ الصين "إجراءً مباشراً ضد شخص بيلوسي"، أو تحاول إفساد زيارتها، لكنهم لم يستبعدوا احتمال أن "تصعد الصين" من طلعاتها العسكرية الاستفزازية داخل أو بالقرب من المجال الجوي التايواني، فضلاً عن تكثيف الدوريات البحرية في مضيق تايوان.  

زيارة جينجريتش

وانقسمت تايوان والصين عام 1949، بعد الحرب الأهلية التي انتهت بانتصار الشيوعيين في البر الرئيسي، إذ تؤكد الحكومتان أنهما دولة واحدة، ولكن يكمن الخلاف على مَن تؤول إليه القيادة الوطنية لهذه الدولة.

وعلى الرغم من عدم وجود علاقات رسمية بين الجانبين، إلا أنهما تربطهما معاملات تجارية واستثمارات بمليارات الدولارات.    

وكانت الولايات المتحدة حولت اعترافها الدبلوماسي من تايبيه إلى بكين عام 1979، إلا أنها تحتفظ بعلاقات تجارية وغير رسمية ممتدة مع الجزيرة، كما يلزم القانون الأميركي واشنطن بالتأكد من أن تايوان "تمتلك الوسائل التي تمكنها من الدفاع عن نفسها".

ولم تتردد بكين في أن ترهب تايوان باستعراض قوتها، ففي مطلع عام 1996، أطلق جيش التحرير الشعبي التابع للحزب الحاكم، صواريخ في البحر على مقربة من تايوان لصرف الناخبين عن الرئيس لي تنج هوي في أول انتخابات رئاسية مباشرة في الجزيرة.  

لكن ذلك أدى إلى نتائج عكسية، إذ تحدث لي بقوة عن "التصدي لبكين" أمام مؤيديه، وانتهت الانتخابات بفوز لي بأغلبية 54% من الأصوات في سباق رباعي.   

 من جانبها، ردت الولايات المتحدة بإرسال مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة، في خطوة أجبرت الصين على الاعتراف بأنها "غير قادرة" على منع واشنطن من تقديم المساعدة إلى تايوان، ما ساعد على دفع عجلة التحديث العسكري الهائل لبكين في السنوات التي تلت ذلك. 

وفي العام التالي، جاء جينجريتش على رأس وفد من المشرعين الأميركيين إلى تايوان بعد زيارة للبر الرئيسي استغرقت 3 أيام. كان ذلك في أعقاب زيارة قام بها آل جور، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، إلى بكين في الأسبوع السابق. 

وخلال الزيارة، أشاد جينجريتش، الذي كان في السابق أحد أشد المنتقدين الأميركيين لبكين بشأن ملفي حقوق الإنسان وتايوان، بالتنمية الاقتصادية الصينية، وتحدث بتعاطف لافت عن التحديات التي ستواجهها بكين في إدارة هونج كونج بعد 150 عاماً من الحكم البريطاني.

وقال إن الكونجرس "يدعم مزاعم الصين في تايوان طالما أن الوحدة سلمية"، معرباً عن أمله في أن يصبح الطرفان "دولة واحدة"، لافتاً إلى أنه أخبر القادة الصينيين بأن واشنطن "ستدافع عن تايوان"، لكنه قال إنهم أجابوه بأن بكين "ليس لديها أي نية للهجوم على تايوان".

وبعد تلك التصريحات، قالت وزارة الخارجية الصينية آنذاك إنها "تشعر بالحيرة إزاء السياسة الأميركية"، وقال المتحدث باسم الوزارة، شين جوفانج، إن هناك "ازدواجية فجة بين ما تقوله الحكومة الأميركية وقادة بعض أفرعها، وما يعدون به"، وفقاً لتقرير "أسوشيتد برس".  

وعلى مدى ربع قرن، صار موقف بكين تجاه تايوان "أكثر تشدداً"، وعكفت على تنمية مواردها العسكرية، فيما حذر البر الرئيسي من أنه سيغزو الجزيرة، حال فشلت محادثات الوحدة بين الجانبين في تحقيق تقدم. 

"الصين القوية"

لكن المشهد السياسي والاقتصادي تغير بعد تسلم شي سدة الحكم، إذ تجاوزت الصين ألمانيا واليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، كما يحتل إنفاقها العسكري المرتبة الثانية بعد واشنطن بـ 293 مليار دولار في عام 2021، بعد سلسلة من الزيادات استمرت على مدى 27 عاماً، وفقاً لمعهد "استوكهولم الدولي لأبحاث السلام".

ويطمح شي في أن يُنظر إليه باعتباره "الزعيم الذي أعاد إلى البلاد مجدها التاريخي"، ويتضمن ذلك أن يكون أكثر حزماً على الصعيد الخارجي، وأن يفاقم الضغوط على تايوان.  

وأنفق الحزب الحاكم مئات المليارات من الدولارات لتطوير المقاتلات، والغواصات، وحاملات الطائرات، وغيرها من الأسلحة عالية التقنية، كما يعمل حالياً على تطوير صواريخ مدمرة لحاملات الطائرات، التي يُعتقد أن الهدف منها منع البحرية الأميركية من الدفاع عن تايوان، حال الهجوم عليها.

وبحسب "أسوشيتد برس"، فإن الاقتصاد الصيني الأكثر ثراءً يمنحها الآن مزيداً من الأدوات الدبلوماسية، لإظهار امتعاضها لواشنطن، إذ تحتاج إدارة بايدن إلى تعاون الصين في ملفات عدة أبرزها مواجهة تغير المناخ، وجائحة كورونا، وغيرهما من التحديات العالمية.

وترزح كل من واشنطن وبكين تحت نير صراعات تتعلق بالتجارة، وهونج كونج، ومعاملة بكين للأقليات المسلمة، ومطالبات الصين بأجزاء كبيرة في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات