الخرطوم وإسرائيل.. تحوّل تاريخي من "اللاءات الثلاث" إلى تطبيع العلاقات

time reading iconدقائق القراءة - 8
فتاة سودانية لاجئة في أحد المعسكرات الإسرائيلية - AFP
فتاة سودانية لاجئة في أحد المعسكرات الإسرائيلية - AFP
دبي -الشرق

تحولٌ تاريخي طرأ على مسيرة العلاقات "السودانية ـ الإسرائيلية"، بعد سنوات من العداء استمرت لأكثر من 60 عاماً، لتفتح الخرطوم عاصمة "اللاءات الثلاث" أبوابها لإسرائيل عبر اتفاق سلام يؤسس لعلاقات طبيعية بين البلدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن، الجمعة، موافقة السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين.

نصر عظيم

وفي تغريدة له على تويتر، وصف الرئيس الأميركي ترمب إعلان الاتفاق بين السودان وإسرائيل بأنه "نصر عظيم" للولايات المتحدة وللسلام في العالم، مشيراً إلى أن هناك دولاً عربية أخرى ستنضم إلى الاتفاق الذي توصلت إليه الإمارات والبحرين وأخيراً السودان.

تعقيباً على هذه الخطوة التاريخية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه "في الخرطوم قال العرب (اللاءات الثلاث)، لا للسلام مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للمفاوضات مع إسرائيل، واليوم الخرطوم تقول نعم للسلام مع إسرائيل، نعم للاعتراف بإسرائيل، ونعم للتطبيع مع إسرائيل".

وفي أول خطوة له بعد إعلان توقيع اتفاق السلام بين السودان وإسرائيل، نشر التلفزيون السوداني صورة أعلن من خلالها إنهاء حالة العداء مع تل أبيب الذي استمر لسنوات طويلة.

تاريخ من الحروب

تاريخياً لم تربط السودان أي علاقات مع إسرائيل منذ استقلاله في عام 1956، وظل يقف إلى جانب القرار العربي بمقاطعة إسرائيل.

كما شاركت قواته في جميع الحروب العربية مع إسرائيل في أعوام 1956 "العدوان الثلاثي"، ويونيو 1967، و"حرب الاستنزاف"، وحرب أكتوبر 1973.

لعب السودان دوراً كبيراً في رأب الصدع العربي بعد هزيمة 1967، حينما جمع القادة العرب فيما عرفت بقمة "اللاءات الثلاث" في الخرطوم.

وحينما قاطع العربُ، مصرَ، بعد معاهدةِ السلام مع إسرائيل، في عام 1978، مضى السودان لفترة قصيرة مع الموقف العربي الرافض للاتفاق والمقاطع للقاهرة، إلا أنه عاد واستأنف علاقته الدبلوماسية وغير الدبلوماسية معها، وإن "ظلّ محتفظاً بموقفه تجاه تل أبيب"، لكن هناك الكثير من اللغط، في تلك الفترة، بشأن علاقة جمعت الرئيس الأسبق جعفر نميري مع شخصيات إسرائيلية، تحديداً وزير الدفاع حينها أرئيل شارون. 

يهود الفلاشا

وقد يبرر هذا الأمر ما جرى لاحقاً في أوائل فترة الثمانينيات، حينما عقد نميري صفقة مع إسرائيل، ولم يُعرف المقابل، الذي حصل عليه منها، لكنها قضت بترحيل آلاف اليهود الإثيوبيين (الفلاشا)، عبر الأراضي السودانية، إلى إسرائيل، وذلك في الفترة ما بين 1983 و1984، عبر جسرين جويين سريين.

عمليتا "موسى" و"سبأ"، نُفذتا تحت إشراف أجهزة الأمن السودانية والأميركية والإسرائيلية، وذلك خلال فترة حكم الرئيس الإثيوبي الأسبق (الاشتراكي)، منقستو هيلا مريام، وكان مخططاً أن تتم عملية الترحيل عبر دولة ثالثة، وهي بلجيكا، تلافياً لأي أزمة قد تنشأ في حال توجُّه الطائرات مباشرة، من الخرطوم إلى تل أبيب. وقد التزم الجانب الأميركي بهذا الشرط مؤقتاً، لكنه سرعان ما قرر المضيّ في رحلات مباشرة إلى تل أبيب، من دون العبور إلى دولة ثالثة.

وتشير معلومات متعددة، غير مؤكدة، إلى أن الاتفاق الأولي على تنفيذ عملية الترحيل تم خلال اجتماع بين الرئيس نميري وشارون في كينيا، إلا أن الجانب الأميركي، وتحديداً نائب الرئيس، حينها جورج بوش الأب، وجهاز الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، عملا بشكل لصيق مع جهاز الأمن السوداني، تحت قيادة وإشراف الفريق عمر محمد الطيب، النائب الأول للرئيس السوداني، من خلال كل مراحل تنفيذ العمليتين.

ولاحقاً، خلال فترة الديمقراطية الثالثة في السودان، في عام 1985، تمت محاكمة كل من تورَّط في عملية ترحيل اليهود الفلاشا، وعلى رأسهم الفريق عمر محمد الطيب، فيما منح النائب العام الفاتح عروة وثلاثة ضباط آخرين، أشرفوا بشكل مباشر على العملية صفة "شاهد ملك"، أي إسقاط الاتهامات الموجهة إليهم، مقابل اعترافهم بكل تفاصيل العملية. لاحقاً أصبح عروة أحد المقربين من الرئيس البشير، وسفيراً للسودان في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وينظر إليه كثيرون على أنه رجل الولايات المتحدة في السودان.

مواجهة مباشرة

دخل السودان، للمرة الأولى في مواجهة مباشرة غير متوقعة مع إسرائيل، خلال فترة الرئيس السابق المعزول عمر البشير، إذ قامت طائرات إسرائيلية بقصف سيارة في مدينة بورتسودان، المطلة على البحر الأحمر، شرقي السودان.

وأفادت تقارير حينذاك بأن السيارة كانت تابعة لمجموعة فلسطينية متشددة، وكثر الحديث حينها عن عمليات نشطة لتهريب السلاح عبر الأراضي السودانية إلى قطاع غزة، وإن كانت المعلومات بشأن هذا الأمر شحيحة وغير واضحة حتى الآن.

لاجئو السودان

على جانب آخر، تحولت إسرائيل إلى نقطة جذب للاجئين السودانيين، خاصة من أبناء دارفور، الذين كانوا يصلون إلى إسرائيل عبر طرق التهريب من سيناء ولاحقاً عبر لبنان.

ويشكل أبناء دارفور، الذين هربوا، بسبب النزاعات المسلحة في مناطقهم، مجموعة كبيرة نسبياً في إسرائيل. ورغم تعرض الكثير منهم لمضايقات وعدم الترحيب بهم في إسرائيل، فإن عدداً منهم تمكّن من البقاء فيما تم ترحيل مجموعات أخرى إلى السودان.