تسارع الدول، الواحدة تلو الأخرى، إلى تخفيف إجراءات الإغلاق المفروضة بسبب فيروس "كورونا"، من أجل تدارك الانهيار الاقتصادي الذي لحق بها. لكن "العودة" لن تكون عشوائية، بل تدريجية ومدروسة.
وتعزز السياساتِ البراغماتية مخاوفُ من زحمة سير غير مسبوقة في "اليوم المنتظر"، نظراً إلى احتمال عزوف الناس عن ركوب وسائل النقل المشترك خشية انتقال العدوى بين غرباء متلاصقين، أو على العكس، عدم استيعاب المواصلات العامة سوى ربع أعدادها التقليدية لامتلائها بسرعة بسبب مراعاة مسافة التباعد الاجتماعي.
ووسط هذا التخبط، سلكت حكومات عدة سكة جديدة تستبدل الشوارع الواسعة وتختزل همّ الزحمة. لكنّ أفضل جوانبها يكمن في إشباع "الطمع" في الحفاظ على انخفاض مستوى تلوث الهواء، الذي تزامن وفترة "استراحة الأرض".
مبادراتٌ أوروبية كثيرة صدرت، وجوهرها واحد: تعزيز ركوب الدراجات الهوائية، الذي يجمع بين التنقل "النظيف" من "كورونا" والغازات السامة، وضمان التباعد الاجتماعي.
خريطة المبادرات
تستعد فرنسا لاستقبال يوم بدء تخفيف قيود الإغلاق في 11 مايو، عبر تشجيع سكانها على ركوب الدراجات الهوائية بعد هذا التاريخ، لتفادي "كابوس الزحمة" والحفاظ على مستويات التلوث المنخفضة. وخصصت الدولة- التي التصق اسم عاصمتها باتفاق المناخ العالمي "اتفاق باريس"- موازنة 20 مليون يورو (21.7 مليون دولار) لتطبيق مخططها التحفيزي.الخطة أعلنتها وزيرة النقل البيئي إليزابيث بورن الأربعاء، وستشمل تسجيل أكثر من ثلاثة آلاف ميكانيكي على الموقع الرقمي لاتحاد مستخدمي الدراجات الهوائية (FUB)، يتعهدون إصلاح أي دراجة بكلفة تصل إلى 50 يورو، مثل تغيير الإطارات أو السلاسل القديمة، وتعوّضهم الدولة عند حدود هذا المبلغ. أما التكاليف الإضافية، فيدفعها صاحب الدراجة من ماله الخاص. وسيخصص المبلغ المتبقي من التمويل لاستحداث ممرات ومواقف خاصة بالدراجات، والتدريب على ركوبها، وإطلاق دورات تجديد المعلومات.
وفي بروكسيل، سيصبح قلب المدينة منطقة ذات أولوية لركاب الدراجات والمشاة، ابتداءً من أوائل مايو؛ إذ أعلنت العاصمة البلجيكية الأربعاء، إنشاء 40 كيلومتراً إضافياً من مسارات الدراجات لتوفير بديل عن وسائل النقل العام إثر تخفيف قيود الحجر.
وفي ميلانو التي أنهكها الوباء، أعلنت السلطات المحلية عزمها على تحويل 35 كيلومتراً من شوارع المدينة الإيطالية إلى ممرات لركوب الدراجات الهوائية تشجيعاً على استخدامها بعد انتهاء الإغلاق. والهدف المعلن "منع الاستخدام المفرط للسيارات الخاصة وما يترتب عنه من تلوث الهواء"، مع تحذير صريح بفرض حدود للسرعة.
في بودابست، استحدثت البلدية ممرات مؤقتة للدراجات الهوائية ستبقى حتى سبتمبر ، أو ربما أكثر؛ إذ ترى سلطات العاصمة الهنغارية أن الوباء غيّر وسائل النقل عالمياً، وهو فرصة لتنفيذ إجراءات دائمة تقلّص عدد وفيات حوادث السير.
وفي المملكة المتحدة، جزم عمدة لندن صادق خان بأن هواء العاصمة النظيف ينبغي ألا يكون مؤقتاً، وأن التحدي المستمر هو "القضاء على تلوث الهواء بشكل دائم".
التحدي الحقيقي
قد تكون الدراجات الهوائية أفضل بديل لوسائل النقل الأخرى في ظل استمرار الوباء ومساعي المحافظة على هواء نظيف. لكن التحدي الحقيقي يكمن في تأمين بيئة تساعد على ركوبها، والأمر لا يقتصر على توفير ممرات خاصة.
اعتماد الأشخاص على الدراجات الهوائية لقصد وجهاتهم، يعني ركوبَها لمسافة قصيرة، ما يتطلب وظائف ومتاجر قريبة من دوائر سكنهم الصغرى. هنا، تبرز إشكالية اللامركزية الإدارية وتوزيع الثروات بشكل عادل بين المناطق. وإذا كان إقناع الناس بركوب الدراجة سهلاً، فإن إيجاد البيئة المناسبة هو أصعب ما في الأمر.
غير أن الهدف المبتغى يسهّل الطريق الصعب، فهو يحتّم "علينا العمل بشكل حاسم لحماية كوكبنا من فيروس كورونا، وأيضاً من التهديد الوجودي المتمثل في اضطراب المناخ"، يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. "نحن بحاجة إلى تحويل التعافي إلى فرصة حقيقية للقيام بالأمور بشكل صحيح في المستقبل. فغازات الاحتباس الحراري، تماماً مثل الفيروسات، لا تحترم الحدود الوطنية".