هل تتخلى اليابان عن مبادئها الثلاثة بشأن السلاح النووي؟

time reading iconدقائق القراءة - 6
عناصر من جيش الدفاع الذاتي الياباني خلال تدريبات بالذخيرة الحية في شيزوكا- 23 مايو 2020 - REUTERS
عناصر من جيش الدفاع الذاتي الياباني خلال تدريبات بالذخيرة الحية في شيزوكا- 23 مايو 2020 - REUTERS
سنغافورة-وليد مداور

دفع الغزو الروسي لأوكرانيا دولاً عدة إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية، وتبني سياسات أمنية جديدة، خصوصاً وسط حلفاء الولايات المتحدة.

ومن بين الدول التي تسعى إلى تغيير استراتيجيتها الأمنية بشكل جذري، تبرز اليابان التي تربطها علاقات متوترة مع الصين وروسيا، بعد طرح أطراف سياسية يابانية أخيراً، ما كان يُعتبر في الماضي "من المحرمات".

اليابان، وهي الدولة الوحيدة التي تعرضت لهجوم بأسلحة نووية، تبنّت بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، سياسة معادية للسلاح النووي، كما اعتمدت قانون "المبادئ الثلاثة" بشأن هذه الأسلحة الفتاكة، والذي ينص على أن طوكيو "لا تصنع، ولا تمتلك، ولا تسمح بإدخال أي سلاح نووي إلى أراضيها".

خلال كلمة ألقاها في "مؤتمر شانجريلا للدفاع" في سنغافورة، الجمعة، قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إن بلاده "تعارض انتشار الأسلحة النووية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، ولكنه زاد بعض الغموض بإعلانه سعي طوكيو لـ"تعزيز قدراتها في الردع" من أجل "أن تظل اليابان حاملة لواء السلام في المنطقة"، وفق قوله.

"المظلّة النووية"

سعت اليابان في السنوات الأخيرة إلى تعزيز قوتها العسكرية لمواجهة التحديات التي تواجهها في المنطقة، خصوصاً  بمواجهة الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

وبسبب ماضيها العسكري واستعمارها للعديد من المناطق في آسيا، تتجنب اليابان استخدام كلمة "عسكري" في وصف قواتها، وتطلق عليها "قوة الدفاع الذاتي". ولكن في ظل التحديات الحالية، ارتفعت أصوات سياسيين "متشددين" يدعون إلى تعزيز القوات المسلحة في اليابان.

وعلى عكس الجيوش العالمية الكبرى الأخرى، تعتمد اليابان التي تفتقر إلى قوة ردع نووي، على "المظلّة النووية" الأميركية، لكن بدأت تتصاعد داخلياً دعوات بشأن استضافة أسلحة نووية أميركية على الأراضي اليابانية، رغم التوجس الداخلي من هذه الخطوة.

وفي أبريل الماضي، دعا رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، الذي لا يزال يملك تأثيراً داخلياً، حكومة بلاده، إلى النظر في استضافة أسلحة نووية أميركية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا والقلق المتزايد من إمكانية تحرك الصين في تايوان، الجزيرة التي تبعد نحو 110 كيلومترات عن سواحل اليابان الغربية.

وقال آبي، الذي أقر خلال فترة حكمه ميزانيات دفاع قياسية قبل استقالته عام 2020، إنه يتعين على اليابان التخلص من فكرة أن "امتلاك أسلحة نووية يبقى أمراً محرماً"ً، مشيراً إلى تحديات الغزو الروسي لأوكرانيا.

لكن رئيس الوزراء الحالي فوميو كيشيدا، الذي انُتخب عن دائرة هيروشيما، المدينة التي شهدت أول هجوم نووي، عارض طرح آبي، على الرغم من موافقته على تعزيز قوة الردع اليابانية.

ويعتبر مؤيدو تعزيز القدرات العسكرية أن استقبال هذه "القوة" سيكون حاسماً بالنسبة إلى التحالف الياباني الأميركي، لا سيما مع تكثيف الصين وروسيا تعاونهما العسكري في السنوات الأخيرة، في محاولة لمواجهة شراكات إقليمية متنامية بقيادة واشنطن.

وتتوجس اليابان أيضاً من نشر الجيش الروسي أنظمة صواريخ دفاعية ساحلية قرب "جزر كوريل" المتنازع عليها بين موسكو وطوكيو، قبالة الساحل الشمالي لهوكايدو.

من النمو الاقتصادي إلى التسلح

خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية دولة مهزومة، ومنزوعة السلاح، وتحت الهيمنة الأميركية، حيث أعطت آنذاك الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب الأمن القومي، لكن بعد شهر على اندلاع الحرب الكورية (1950-1953)، أنشأت القوات الأميركية في اليابان جيشاً فعلياً قوامه 75 ألف عنصر، جُهّزوا بأسلحة خفيفة، فيما سُمّي "احتياطي الشرطة الوطنية". وأُسّست "قوة الدفاع الذاتي"، وهي الجيش الحالي لليابان، في عام 1954.

وقال كيشيدا خلال كلمته في "مؤتمر شانجريلا" إن اليابان ستعزز بشكل أساسي قدراتها الدفاعية، ولا نستبعد أي شيء في سبيل ذلك"، إلا أنه شدد على أن "موقف اليابان لم يتغير، إذ تبقى دولة مُحبة للسلام".

وتحتل اليابان المرتبة الخامسة عالمياً في القوة العسكرية الإجمالية، بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند، كما أن موازنتها الدفاعية جاءت المرتبة السادسة، في تصنيف عام 2021 الذي يشمل 140 دولة، وفق موقع "جلوبال فايرباور".

وخلال عهد رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، الذي دام أكثر من 8 سنوات، قبل تنحّيه العام الماضي نتيجة مشكلات صحية، وسّعت اليابان بشكل كبير دورها العسكري وموازنتها الدفاعية. كذلك أقدم آبي، في عام 2015، على "تليين" المادة التاسعة من الدستور، التي تنبذ الحرب، بشكل يُمكّن اليابان من توسيع تحالفاتها العسكرية.

"أخطار من  جبهات عدة"

عبر تحالفها مع واشنطن، كثفت طوكيو بسرعة دورها العسكري، واشترت مزيداً من الأسلحة والمعدات الأميركية باهظة الثمن، بما في ذلك مقاتلات وصواريخ اعتراضية من أجل مواجهة الأخطار المحيطة بها.

ومن بين هذه الأخطار، اختبار كوريا الشمالية صواريخ حديثة وأسلحة أخرى.

وفي عام 2017، حلّق صاروخ كوري شمالي فوق هوكايدو، وسقط في المحيط الهادئ. ومنذ بداية العام أطلقت بيونج يانج العديد من الصواريخ، سقط بعضها قبالة شمال غربي اليابان.

وتستضيف اليابان نحو 50 ألف جندي أميركي، معظمهم في جزيرة أوكيناوا الجنوبية، والتي تكتسي، إلى جانب الوحدات اليابانية في هوكايدو، أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الوجود الأميركي في المحيط الهادئ.

وقال كيشيدا خلال المؤتمر الدفاعي بسنغافورة إنه "لا يمكن لأي دولة تعزيز أمنها الدفاعي بمفردها"، مشيراً إلى أن "التحالف بين الولايات المتحدة واليابان يعتبر بمثابة العمود الفقري للسلم والأمن في العالم، وسنعمل على تعزيزه".

إقرأ أيضاً:

تصنيفات