بعد عقود من العزلة.. سياح أجانب يبدأون باستكشاف العراق

time reading iconدقائق القراءة - 10
سياح أجانب يزورون بوابة عشتار في مدينة بابل الأثرية في العراق، في 28 أكتوبر 2021. - AFP
سياح أجانب يزورون بوابة عشتار في مدينة بابل الأثرية في العراق، في 28 أكتوبر 2021. - AFP
بغداد -أ ف ب

في يوم ربيعي من مارس، وقفت الأميركية إليانا أوفاييه لالتقاط صورة أمام بوابة عشتار في موقع بابل الأثري العريق وسط العراق، مع 14 سائحاً أجنبياً من بين كثيرين بدأوا بالتوافد إلى بلد فتح للتوّ أبوابه أمام العالم.

قبل عام، باتت تأشيرة الدخول تُمنح عند الوصول إلى بغداد للعديد من الجنسيات الأجنبية، بعد عزلة عقود فرضتها الحروب، أنست العالم مواقعه الأثرية الهامة المدرج بعضها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والتي تنافس دولاً مثل مصر وسوريا والأردن.

يأتي بعض السياح بشكل فردي بينهم صانعو محتوى يستكشفون البلاد وينشرون على وسائل التواصل فيديوهات عن الطعام والسكان والآثار، لعشرات الآلاف من متابعيهم.

فيما يأتي آخرون ضمن مجموعات سياحية مع شركات محلية خاصة تنظم جولات من بغداد إلى البصرة جنوباً ثم الموصل شمالاً، عدا السياحة الدينية، التي تعاني من المشاكل نفسها، فالقطاع جديد نسبياً على البلاد ولا يزال يفتقر للتنظيم والتمويل والبنى التحتية اللازمة واهتمام الحكومة، كما يقول أصحاب شركات خاصة يجتهدون بشكل ذاتي لجذب السياح.

 مهد الحضارات

تروي إليانا، المقيمة في كاليفورنيا والتي تجول العراق مع شركة "بالعطلة" لتنظيم جولات سياحية، أنها تحلم بزيارة العراق منذ أن تلقّت عنه دروساً في تاريخ الفنون قبل 20 عاماً.

وتقول لوكالة "فرانس برس": "حين علمت أن بإمكاننا الحصول على تأشيرة الدخول عند الوصول، جئت حالما استطعت، أنا متحمسة لأرى كل ما يرتبط بمهد الحضارات".

وتضيف أن "أول ما لاحظته هو دفء وكرم وطيبة الشعب العراقي، يرحّبون بك بابتسامة، وهم مهذبون جداً وفخورون جداً ببلدهم".

ورغم حماسها وشغفها بتاريخ العراق، لاحظت إليانا، البالغة 50 عاماً وتعمل بشركة "جوجل"، تهالك البنى التحتية.

ولا تزال بابل، التي تحولت إلى قاعدة عسكرية للتحالف الدولي إبان الغزو الأميركي، تحمل ندوب الماضي، كأنها لم تعتد على الزوار.

يبدو الموقع مهجوراً، الأعشاب تتصاعد من بعض التفسخات في الأرض والمقاعد المتهالكة المخصصة لجلوس الزوار.

في الجهة الأخرى من الموقع، أعمال بناء وصيانة، عمال بخوذ صفراء وسترات فوسفورية، يحضّرون قطعاً حديدية وإسمنتية. النفايات تتراكم في الأرجاء، الأعشاب البرية والأشواك عرّشت على بعض جدران المدينة الأثرية.

يتحدث الأميركي جاستن جونزاليس (35 عاماً) بابتسامة عن تجربته في العراق، ويقول: "على موقع حكومتي يوجد تحذير من الذهاب إلى العراق بسبب خطر الخطف والعنف لكنني لم أر أياً من ذلك".

الاكتشاف بعد العزلة

في تسعينيات القرن الماضي في زمن الحصار والعقوبات الدولية، أصبح العراقيون في عزلة تامة عن العالم، ولم تنكسر هذه العزلة بعد عام 2003 عقب الغزو الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين، فقد تلتها سلسلة من الحروب، جعلت صورة العراق في العالم تقتصر على مشاهد الدمار.

ولا تزال العديد من الحكومات الغربية رسمياً تحذّر رعاياها من السفر إلى العراق، مثل الولايات المتحدة وفرنسا التي يشير موقع وزارة خارجيتها إلى "الخطر الإرهابي" و"خطر الخطف".

مع ذلك، تسعى بغداد إلى الإقلاع بقطاعها السياحي رغم تحدي النقص في البنى التحتية. يقول علي المخزومي، صاحب "بالعطلة" التي تنظم منذ 8 أشهر جولات للأجانب: "لكي تتطور البنى التحتية لا بد من استثمارات خاصة في الفنادق ووسائل الراحة والحافلات"، حيث تستقبل شركته من 30 إلى 40 سائحاً شهرياً يجولون البلاد لمدة تناهز 10 أيام.

في عام 2021، دخل أكثر من 107 آلاف سائح العراق، بينهم أكثر من 300 من فرنسا والنرويج وبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة وتركيا غيرها، مقابل نحو 30 ألفاً في 2020، بحسب أرقام زوّدت بها هيئة السياحة الحكومية "فرانس برس".

ويعمل العراق تدريجياً على ترميم مواقعه الأثرية، إذ أعيد تجديد شارع المتنبي في بغداد بمبادرة مصارف خاصة.

أما الشارع الموازي له، شارع الرشيد، الذي يحمل الأهمية التاريخية نفسها في قلب المدينة القديمة، فهو عبارة عن ركام ونفايات.

كذلك بيوت بغداد القديمة، المشيّدة بالطوب العراقي الأصفر، متهالكة في معظمها ومعرّضة للانهيار.

وقد فتح المتحف الوطني في بغداد أبوابه أيضاً في مارس بعدما كان مغلقاً لثلاث سنوات، فيما ينوي العراق افتتاح أكثر من متحف جديد.

أما مدينة أور الأثرية، الواقعة في جنوب العراق حيث صلى البابا فرنسيس العام الماضي، فقد طالتها حملة الترميم لمناسبة الزيارة فقط في نينوى ومركزها الموصل، حيث دمر تنظيم "داعش" العديد من المواقع الأثرية الهامة.

مع ذلك، تسعى هيئة السياحة إلى "تأهيل المواقع الأثرية سياحياً"، كإنشاء محطات استراحة، من ضمن أهداف أخرى.

الوضع معقد

رغم ذلك، يبقى غياب البنى التحتية والخدمات والتنظيم عائقاً بالنسبة لآية صالح وزوجها أحمد، اللذين أطلقا شركتهما "سفراتي" قبل نحو عام.

تقول آية: "قاموا بفتح تأشيرات الدخول عند الوصول لكنهم أبقوا كل شيء آخر معقداً".

وتضيف: "نصف رحلة السائح تنقضي في الطريق وعلى نقاط التفتيش، رغم أننا نحمل الموافقات اللازمة، لكن لا فرق، التعب نفسه والانتظار نفسه، ولا توجد جهة نشتكي إليها".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات