
يواجه رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، ضغوطاً متزايدة من أجل إعادة التفكير في زيارته إلى بكين الخميس، فيما يواجه وزارء خارجية دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" انقسامات بشأن استراتيجية التعامل مع الصين قبيل التوقيع عليها خلال اجتماعهم في بوخارست، هذا الأسبوع، بحسب مجلة "بوليتيكو".
ورأت المجلة الأميركية أن زيارة ميشيل تأتي في "توقيت سيء" بسبب استمرار الاحتجاجات المطالبة بإنهاء سياسة "صفر كوفيد" التي ينتهجها الرئيس الصيني شي جين بينج، ونقلت عن مسؤولين وسياسيين ودبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي قولهم إن عليه "توبيخ شي" عندما يجتمع معه الخميس المقبل، في حالة عدم إلغاء الزيارة.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، للصحيفة: "ربما يكون لديه أفكار أخرى، نظراً لكونه أول زعيم غربي يذهب إلى هناك وسط هذه الاحتجاجات"، مضيفاً أن ميشيل "سيضطر إلى قول شيء".
وبحسب المجلة، لا يخطط ميشيل للتحدث عن الاحتجاجات خلال اجتماعه مع شي. ويُرجح أن يشير بشكل عام إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن يعرض المساعدة في مكافحة الوباء، على الرغم من رفض الصين استيراد اللقاحات الغربية، وفقاً لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي مطلعين على الأمر.
"مهمة صعبة"
وأوضحت "بوليتيكو" أن مهمة ميشيل "كانت صعبة بالفعل"، بسبب الحقيقة المتمثلة في عدم قدرة حكومات الاتحاد الأوروبي على الاتفاق بشأن أفضل نهج تجاه الصين.
واتفقت دول الناتو، خلال وقت سابق من هذا العام، في الاستراتيجية الجديدة للحلف على أن الصين تمثل "تحدياً"، ولكنها تركت تفسير ذلك "لتخمين" الجميع، وفق "بوليتيكو".
وتطرقت المجلة في تقرير آخر إلى اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف الناتو في العاصمة الرومانية بوخارست، نهاية الأسبوع الجاري، من أجل التوقيع على استراتيجة بشأن التعامل مع الصين.
وأشارت إلى أن الرؤى داخل التحالف الغربي تتمحور حول 3 اتجاهات، الأول متشدد تقوده الولايات المتحدة بجانب كندا والمملكة المتحدة وليتوانيا والتشيك، يدفع نحو تقويض نفوذ بكين، وتقليص الاعتماد عليها، والثاني معسكر معتدل مثل المجر يريد دمجها، فضلاً عن "وسط واسع" لا يريد معاداة الصين على نحو مبالغ فيه، خاصة مع قلقهم بشأن الاعتماد الاقتصادي عليها.
وترغب بعض الدول المتشددة في موقفها، في إلغاء التجارة مع الصين، بينما يفضل قادة آخرون، من بينهم المستشار الألماني أولاف شولتز، التعاون مع بكين.
ولفتت "بوليتيكو" إلى أن العديد من دول شرق أوروبا تميل باتجاه وجهة النظر الأميركية، لكنها تريد أن يبقى كل تركيز الحلف على التهديد الروسي، فيما يخشى البعض من إثارة غضب الصين، وإمكانية زيادة الدفع ببكين إلى أحضان موسكو.
وتابعت: "في الوقت نفسه، تخشى قوى أوروبا الغربية من الدور الذي تضطلع به الصين في الأجزاء الحساسة من الاقتصاد الغربي، ولكنها لا تزال تريد التمسك بعلاقاتها الاقتصادية مع بكين".
"لدينا تهديدات كافية"
ولفتت المجلة إلى أنه بينما تخطط الدول لـ"مواجهة عسكرية محتملة" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تدور اختلافات حول تداعيات توجيه اهتمام الحلفاء داخل الناتو صوب آسيا.
كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال في مقابلة أجرتها معه "بوليتيكو" مؤخراً إن "الناتو لم يضع تصوراً للعمليات في المحيط الهادئ".
وأضاف: "بالتأكيد يمكن للمرء أن يفكر في تهديدات وتحديات أخرى. ولكن في الوقت الراهن، ألا تعتقد أن لدينا ما يكفي من التهديدات والتحديات في ما يتعلق بالسيناريو التقليدي للناتو"، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا الدائر حول شمال المحيط الأطلسي.
وقالت "بوليتيكو" إن هذه القضية ستطرح على الطاولة هذا الأسبوع، في بوخارست، حيث "سيوقع وزراء خارجية دول الحلف على تقرير جديد بشأن الرد على الصين".
وبينما اتفق مسؤولون على العديد من القضايا الأساسية، ستوفر هذه المحادثات لمحة أولية للنقاشات الشائكة التي تقلق الناتو، لا سيما في ظل تحرك متوقع من قبل بكين، لتضييق الحصار على تايوان.
وبسؤاله الشهر الماضي بشأن ما إذا كان التحالف سيستجيب للتصعيد بشأن تايوان، قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، لـ"بوليتيكو"، إن "الطموح الرئيسي يتمثل بالطبع في الحيلولة دون وقوع ذلك"، مشيراً إلى أن هذا لن يتأتى، من بين أشياء أخرى، إلا من خلال "العمل مع الشركاء بشكل أوثق حول هذا الملف".
وبالمثل اعترضت السفيرة الأميركية لدى الناتو جوليان سميث عند سؤالها بشأن الدور الذي يضطلع به الحلف في حال اندلاع مواجهة كاملة حول تايوان، مشيرة إلى أنه "في نصف العالم البعيد عن الحرب التي تدور رحاها الآن، دعمت دول المحيط الهادئ أوكرانيا"، مؤكدة أن "الحلفاء الأوروبيين لاحظوا ذلك".
وأضافت: "أعتقد أن هذا أثار بعض الأسئلة بشأن احتمالات مستقبلية، وكيف سيتحد هؤلاء الحلفاء في المحيطين الأطلسي والهادئ مرة أخرى للدفاع عن المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة".
أسئلة وجودية
ولعل الأهم من ذلك، وفقاً لـ"بوليتيكو"، هو أن التحول إلى الصين يثير أسئلة وجودية بشأن الأمن الأوروبي، مضيفة أن "أوروبا تعتمد في الوقت الراهن بدرجة كبيرة على "الضمانات الأمنية الأميركية، والقوات الأميركية المتمركزة بداخلها، وموردي السلاح الأميركيين".
ورأى دبلوماسي أوروبي في تصريحات للمجلة أن "الحقيقة غير المعلنة هي أنه من أجل تعزيز تايوان، لن تكون الولايات المتحدة في وضع يمكنها من التعزيز الدائم في أوروبا"، مشيراً إلى أنه "على الأوروبيين مواجهة التداعيات وعمل المزيد".
"قصة معقدة"
من جانبها، رأت السفيرة الأميركية لدى الناتو، جوليان سميث، أن "استراتيجيات الولايات المتحدة والناتو يمكن أن تكون متوافقة"، لافتة إلى أن ترجمة ما يقوله الحلف إلى عمل على الأرض يمثل "قصة طويلة ومعقدة" وفقاً لـ"بوليتيكو".
وبينما يركز التقرير القادم عن الصين على الموضوعات الأكثر أماناً، مثل الدفاع عن البنية التحتية الحيوية، بالرغم من أن بعض الدبلوماسيين كانوا يأملون في تقرير أكثر طموحاً، أصرت سميث على أنها "راضية".
وقالت إنها تدرك أن ثمة وجهات نظر متباينة بشأن الصين لا تزال قائمة داخل الناتو، موضحة أن "أولوية الولايات المتحدة هي بدء العمل رسمياً"، وأضافت: "يمكننا مناقشة التوصيفات والطريقة التي يجري بها وصف بعض هذه التحديات. ولكن الأهم بالنسبة للولايات المتحدة، هو أننا تمكنا من إدراج جميع مسارات العمل في هذا التقرير".
في هذا الإطار، قال سفير المملكة المتحدة لدى الناتو ديفيد كواري، في مقابلة أجرتها معه "بوليتيكو" إن "هناك خطراً من أن نظل نناقش إلى الأبد التوصيفات".
واتفق كواري مع نظيرته الأميركية سميث على أن هذا يعني ضرورة أن يبحث "الناتو" عدة عناصر، مثل بناء المزيد من حماية الفضاء السيبراني، وهي المنطقة التي تسعى الصين للهيمنة عليها، بجانب الإعداد لعرقلة الهجمات على البنية التحتية، وهي نقطة ضعف الغرب التي كشفتها روسيا، وضمان عدم مرور سلاسل التوريد عبر الصين.