متلقون للقاح كورونا يروون تجربتهم مع آثاره الجانبية

time reading iconدقائق القراءة - 14
عاملات في قطاع الصحة بولاية إنديانا الأميركية خلال الاستعدادات لحملات التطعيم بلقاح كورونا - REUTERS
عاملات في قطاع الصحة بولاية إنديانا الأميركية خلال الاستعدادات لحملات التطعيم بلقاح كورونا - REUTERS
دبي- بالشراكة مع "نيويورك تايمز"

إليكم ما يقوله بعض أوائل الأميركيين الذين تلقوا التطعيم ضد كورونا بشأن ما شعروا به بعد تلقي اللقاح، إذ توجد بعض الآثار الجانبية، لكنهم لا يعيدون التفكير في هذا الشأن. 
 
بعد ساعتين ونصف من حقنها بلقاح كورونا، أصيبت د. تانيشا ويلسون بأسوأ نوبة صداع في حياتها. وفي مكتبها المنزلي في كرانستون، أر. آي. المصمم على نحو تصفه د. ويلسون بأنه "على شكل حصان"، أسندت طبيبة الطوارئ، البالغة من العمر 36 عاماً، رأسها على المكتب.

وفي غمرة مقاومتها لموجة غثيان، أطلقت أنيناً عفوياً بصوت مرتفع، سمعه زوجها الذي كان في غرفة أسفل الردهة.

- "هل أنت على ما يرام، حبيبتي"، صاح زوجها. 

- "شعرت كأنني تلقيت صفعة قوية"، كما وصفت د. ويلسون شعورها آنذاك في إحدى المقابلات الصحافية. 

ليس هذا في العادة ما يشعر به معظم الأشخاص بعد تلقيهم اللقاح. رغم ذلك، فقد ظهرت أيضاً آثار جانبية شبيهة بتلك التي شعرت بها د. ويلسون في نتائج التجارب السريرية على لقاحي فيروس كورونا اللذين يجري توزيعهما الآن في جميع أنحاء البلاد.

وأفادت شركة "فايزر"، المنتجة للقاح الذي حصلت عليه د. ويلسون، أن نحو 13% من المتلقين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاماً، شعروا بصداع حاد بعد الجرعة الأولى.

كما ظهرت لدى نحو 16% من الذين تلقوا اللقاح الآخر الذي صنعته شركة "موديرنا" في مرحلة متأخرة من التجارب، آثار جنبية قوية، بما يكفي لمنعهم من ممارسة روتينهم اليومي.    

وبينما ينتظر عشرات الملايين من الأميركيين دورهم باللقاح، يتوق كثيرون لمعرفة أدق التفاصيل حول ما يمكن توقعه.

لذا، وبناء على طلب أصدقاء وزملاء وصحافيين، شرع بعض الأشخاص، مثل د.ويلسون، التي كانت في طليعة أكبر برنامج تطعيم في تاريخ الولايات المتحدة، برواية تجاربهم الشخصية.  

في هذا السياق، أجرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقابلات مع عشرات ممن تلقوا التطعيم مؤخراً في الأيام التالية للتطعيم.

وروى هؤلاء استجابات بالغة التباين، بدءاً من عدم وجود رد فعل على الإطلاق – "لا أستطيع حتى أن أخبركم بأنه تم حقني"، كما قال أحد العاملين في مستشفى بمدينة أيوا – إلى الشعور بأعراض من قبيل الرعشة و"ضباب الدماغ".

وتساءل مساعد تمريض في مدينة جليندورا بولاية كاليفورنيا حول ما إذا كانت الحمى التي أصيب بها من بين الآثار الجانبية للقاح، أم علامة على انتقال العدوى إليه عبر أحد المصابين بفيروس كورونا الذين يتولى معالجتهم.  

كما اختلفت الروايات بشكل مذهل عن آلام الذراعين، حيث شبه بعضهم الألم الذي شعر به بوخز حقنة الإنفلونزا، بينما وصفه آخرون بأنه كان أسوأ بكثير.  

وعلى غرار جميع متلقي اللقاح الذين تحدثوا إلى الصحيفة من أجل المقال، شددت د. ويلسون على أنها لا تشعر بالندم على الإطلاق لتعاطيها هذه اللقاح، برغم حالة الصداع التي زالت في غضون 36 ساعة.

من جانبها أكدت "إدارة الغذاء والدواء"، أن اللقاحات آمنة وفعالة بشكل لافت. كما قال كبار المسؤولون في الصحة العامة، إن التطعيم الجماعي يمثل الأمل الوحيد للسيطرة على الفيروس الذي يحصد حالياً أرواح ما يقرب من 3000 أميركي يومياً، لكن في هذه الأسابيع الأولى من التطعيم، يوجد عنصر إثارة لا مفر منه. 

إلى جانب بطاقة للتذكير بموعد الجرعة الثانية، يحصل متلقو اللقاح على معلومات بشأن كيفية الإبلاغ عن الآثار الجانبية لـ"مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" عبر تطبيق "V-Safe".  

ويعتمد لقاحا "فايزر - بيونتيك" و"موديرنا" على تكنولوجيا جينية لم يسبق لها من قبل إنتاج لقاح حصل على موافقة الجهات المسؤولة.

وقد تم ترخيص هذين اللقاحين لاستعمال الطوارئ فقط، إذ لا تزال دراسات السلامة الخاصة بهما، بما في ذلك حالة كل من عامل الرعاية الصحية في آلاسكا، وطبيب بوسطن، اللذين عانيا حساسية قاسية بعد حصولهم على اللقاح، جارية.   

وبينما كانت د. ويلسون تتقوقع في فراشها في الساعة العاشرة والنصف من صبيحة أحد أيام نهاية الأسبوع، لم يكن بوسعها سوى أن تبقى "على وعي كامل بأنني تلقيت للتو هذا اللقاح الجديد" كما قالت.  

ضباب الدماغ  

يتفق الخبراء على أن اللقاحين اللذين يجري توزيعهما الآن يسببان آثاراً جانبية أكثر من معظم اللقاحات الأخرى.  

ففي "دار صنديل للمسنين" بمدينة موجانتاون، ويست فرجينيا، قالت بيتي شانون، البالغة من العمر 81 عاماً، إن بعض رفاقها في الدار عانوا اضطرابات في المعدة بعد أن أصبحوا من أوائل كبار السن في البلاد الذين تلقوا اللقاح.

وشعر لورينزو ألفونسو، 34 عاماً، الذي يعمل مساعد تمريض في كاليفورنيا، بالإعياء والألم على نحو غير معتاد.  

وقالت ديلاينا فرينت، الممرضة في هايلاندز رانش، بولاية كولورادو، إنها شعرت بألم شديد في ذراعها إلى درجة أنها اضطرت إلى خفض الحوامل حتى تتمكن من تعليق أكياس العلاج الوريدي. 

لكن بالنسبة لخبراء الأمراض المعدية، يمثل انخفاض أعداد الأشخاص الذين يعانون توعكاً ما بعد اللقاح، الخبر الأفضل على الإطلاق منذ فترة طويلة. فالآثار الجانبية، التي يصفونها بأنها علامة على فاعلية اللقاح، تتبدد في غضون أيام.  

"إننا نطلق عليها آثاراً جانبية، لكنها في واقع الأمر مجرد نتيجة"، كما قال د. بول أوفيت، اختصاصي اللقاحات بجامعة بنسلفانيا، وعضو اللجنة الاستشارية للقاحات في "إدارة الغذاء والدواء". وأضاف: "هذا هو ما تفعله استجابتك المناعية عندما تقاوم عدوى".   

يعمل كل لقاح عن طريق تحفيز الجسم على إفراز بروتين معين يستخدمه فيروس كورونا للدخول إلى الخلايا البشرية، من دون تعريض المتلقي للفيروس ذاته.

ويطلق وجود هذا البروتين في الجسم إنتاج أجسام مضادة جديدة قادرة على تدمير البروتين، فيما يمثل أساساً لتوفير الحماية ضد أي غزو مستقبلي من قبل الفيروس الحقيقي.

لكن هذه العملية تطلق أيضاً مواد يمكن أن تؤدي إلى حدوث التهابات قد تسفر بدورها عن الشعور بالحمى والإرهاق والصداع، وغير ذلك من الأعراض.  

كما سجل عدد أكبر من المشاركين في تجارب اللقاحات، شعورهم باضطرابات بعد الجرعة الثانية بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، مقارنة بالجرعة الأولى. وقال الخبراء إن ذلك يرجع على الأرجح إلى أنه بحلول ذلك الوقت يكون الجسم مستعداً بالفعل لمهاجمة البروتين. 

كانت معظم ردود الأفعال التي أبداها 1.9 مليون أميركي تلقوا اللقاحات في غضون هذا الشهر، قد ظهرت بالفعل بين نحو 35 ألف شخص تم تطعيمهم في التجارب السريرية التي أجرتها "فايزر" و"موديرنا".

لكن الخبراء يتوقعون ظهور ردود أفعال جديدة. "إذا كان هذا الشيء يحدث بنسبة واحد في المليون، فأنت بحاجة إلى أن يرى مليون شخص حتى ولو حالة واحدة"، كما قال د. بيتر دوشي، الأستاذ المشارك بكلية الصيدلة، "جامعة ميريلاند".

بعض هذه الاستجابات قد تكون عبارة عن حساسية خفيفة، مثل "حكة في الجسم"، و"شرى خفيف وصغير على طول الساعد" وصفه د. ميغان حجار من فرمنغتون، كونيتيكت، من خلال مقطع فيديو منشور على "فيسبوك". أو قد تكون أكثر حدة، كعدد قليل من حالات الحساسية المفرطة التي أشار إليها بالفعل "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها".  

والبعض الآخر قد يكون أشكالاً أكثر حدة مما تسميه التجارب "الإعياء". في هذا السياق تقول أليسون ماكغريغور، أستاذ مشارك طب الطوارئ بجامعة براون، وطاهية منزلية، إنها أمضت اليوم التالي لتطعيمها في حالة ضباب عقلي حولت محاولتها لطهي أبسط الوجبات إلى كتلة غير صالحة للأكل.    
"لا أستطيع أن أصدق أنني أفسدت الرامين"، كما قالت لزوجها في تلك الليلة. كما قالت إنها شعرت وكأن "هناك سحابة تحلق فوقي تلاحقني". 

جدل حول الكشف عن الآثار 

تم تخصيص أول عدة ملايين من الجرعات من كلا اللقاحين للعاملين في مجال الرعاية الصحية والمقيمين في دور رعاية المسنين المعرضين بدرجة عالية لخطر الوفاة بالفيروس في حال إصابتهم بالعدوى.  

وتشير تقديرات كبار المسؤولين في قطاع الصحة العامة، إلى أن أكثر من 200 مليون أميركي سيحتاجون إلى التطعيم لمنع انتشار الفيروس.

وفي استطلاعات رأي، أعربت شريحة غير قليلة عن ترددها بشأن تلقي تطعيمات كوفيد – 19. واحتدم الجدل بين بعض العاملين في مجال الصحة في الخطوط الأمامية، بشأن ما إذا كان من الممكن أن تمنع مناقشة الآثار الجانبية التي انتابتهم، الآخرين عن التطعيم.  

-"أشعر بالقلق.. هل سيشجع هذا شخصاً ما على إعادة التفكير؟"، كما تساءل د. ماثيو هاريس، طبيب الطوارئ في جريت نيك، نيويورك، البالغ من العمر 38 عاماً.

فبعد حصوله على الجرعة الأولى، قضى الدكتور هاريس ليلته مستيقظاً بسبب الحمى، وكان يرتعد تحت بطانيته. كما عانى آلام المفاصل في معصميه وأكتافه، واستمر ذلك حتى اليوم التالي.

لكنه كان قد كتب بالفعل منشوراً على "فيسبوك" حول تلقيه لهذه الجرعة. لقد كانت بالنسبة إليه لحظة مفعمة بالعواطف؛ بعد تسعة أشهر من اليوم الذي تم نقله فيه إلى المستشفى على إثر إصابته بحالة كورونا حادة، وهو لا يعرف ما إذا كان سيعيش حتى يرى زوجته وطفليه الصغيرين مرة أخرى أم لا.  

وعلق أحد أصدقائه الذين لا يمتهنون الطب على منشوره: "فضلاً، دعنا نعرف كيف تبدو هذه التجربة!".

 وإزاء ذلك، نشر د. هاريس تجربته في اليوم التالي باستخدام وسم #stillworthit.  

"لقد قرأ الجميع: هذا هو الضوء في نهاية النفق"، كما قال د. هاريس في مقابلة صحافية. وأضاف: "لكن.. هل سينعم الناس بشعور رائع بنسبة 100%  بعد هذا اللقاح؟ لا. وإذا لم نكن صادقين معهم، كيف نتوقع أن يولونا ثقتهم؟".

واختارت د. سيلفيا أوسو أنسا، طبيب الطوارئ في بيتسبرغ، أيضاً تسجيل الآثار الجانبية التي انتابتها بعد حصولها على اللقاح على "فيسبوك".

الدكتور أنسا أميركية من أصول إفريقية، وأثناء تطعيمها على الهواء هذا الشهر، أخبرت الصحافيين بأنها أرادت أن تطمئن مجتمعها بأن "الأمر على ما يرام".

وباسم الشفافية، سجلت د. أوسو أنسا، "آلاماً خفيفة في العضلات وألماً في الذراع اليسرى" في اليوم الأول، و"احتقاناً في الأنف، وصداعاً خفيفاً" في الأيام من 3 إلى 5. وبدأت منشورها بحروف كبيرة "I AM STILL HERE!" (ما زلت هنا!).   

جرعة أخرى 

وبعد مرور 48 ساعة على استسلامها للفراش بسبب صداع ما بعد اللقاح، عادت د. ويلسون إلى عملها في غرفة الطوارئ بالمستشفى.

وعلى غرار مستشفيات كثيرة في جميع أنحاء البلاد، كانت وحدة العناية المركزة تضج بمرضى كورونا.

في هذا السياق تقول د. ويلسون، إنه في إحدى الورديات الأخيرة، كان عنبر الرعاية الحرجة يضج بـ12 مريضاً، وكان هناك سرير واحد فقط متاحاً في وحدة العناية المركزة.  

"هؤلاء أشخاص يعانون  جلطات دماغية، واحتشاء عضلة القلب، ويحتاجون إلى قسطرة"، كما تستدعي د. ويلسون من ذاكرتها، وتتابع: "عليك أن تعي الواقع". 

في ذاك الوقت، كما قالت د. ويلسون، لم يكن أحد الآثار الجانبية للقاح هو ما جعلها تشعر وكأنها تريد أن تتقيأ.

ومن المقرر أن تتلقى د. ويلسون جرعتها الثانية من اللقاح الشهر المقبل.   
 
 * هذا المحتوى بالتعاون مع نيويورك تايمز