
الحرب التي خاضتها أرمينيا وأذربيجان، بين عامَي 1991 و1994، والتي بدأت إرهاصاتها في عام 1988، لم تنتهِ بغلبة الأرمينيين في إقليم ناجورنو قره باغ فحسب، بل سيطروا أيضاً على 7 مناطق متنازع عليها مع أذربيجان، ومحاذية للإقليم المذكور.
السيطرة الأرمينية كانت كاملة في 5 من تلك المناطق، هي: جبرائيل وزنغيلان وغوبادلي ولاشين وكيلباجار، وجزئياً في أغدام وفيزولي، وأدى إلى مقتل سكانها الأذربيجانيين أو فرارهم، علماً بأن بعض سكان تلك المناطق كانوا أكراداً.
الأرمينيون سيطروا أولاً على لاشين، في مايو 1992، ثم كيلباجار في مارس 1993، وأغدام في يوليو 1993، وفيزولي وجبرائيل وغوبادلي في أغسطس 1993، وزنغيلان في نوفمبر 1993. وتبلغ مساحة تلك الأراضي 8810 كيلومترات مربعة، يسيطر الأرمن على 7634 كيلومتراً منها، علماً بأن محيطها الخارجي يشكّل خط تماس مباشر بين أذربيجان والقوات الأرمينية في قره باغ.
وأفاد موقع "يوريجانت" بأن الهجوم على كيلباجار دفع مجلس الأمن إلى إصدار أول قرار بشأن النزاع في الإقليم، مطالباً بـ"انسحاب فوري لكل القوات" من المنطقة. وأضاف أن "الهجوم دفع تركيا أيضاً إلى قطع علاقاتها الناشئة مع أرمينيا".
كيلباجار ولاشين "الأهم استراتيجياً"
"مجموعة الأزمات الدولية"، وهي مركز أبحاث يتخذ من بروكسل مقراً، لفتت إلى أن منطقتَي كيلباجار ولاشين هما "الأهم استراتيجياً"، علماً بأن ممرّ لاشين يربط قره باغ بأرمينيا.
وعلى الرغم من أن كيلباجار هي منطقة أذربيجانية، يشير الأرمينيون إلى وجود دير "داديفانك" في المنطقة منذ العصور الوسطى. في المقابل، يؤكد الأذربيجانيون "احتلال" المناطق السبع، مشيرين إلى أنها غنية بثروات طبيعية، مثل المعادن، بما في ذلك الذهب والزئبق. وأفاد موقع "أذربيجان" بأن تلك المناطق تُستخدم في عمليات تهريب.
وتعتبر المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن تلك المناطق "محتلة من قوات أرمينية". وأفادت "مجموعة الأزمات الدولية" بأن باكو اعتبرت، منذ عام 2014، أن يريفان "ضمّت" تلك المناطق، وطالبت المجتمع الدولي بفرض عقوبات عليها، مشابهة لتلك المفروضة على روسيا، بعد ضمّها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
"منطقة عازلة"
وأفاد موقع "يوريجانت" بأن "الأرمينيين افترضوا في البداية أن السيطرة على تلك الأراضي السبع هي تدبير مؤقت، بوصفها منطقة عازلة لمنع هجمات أذربيجانية على ناجورنو قره باغ"، وأنها "ستُعاد إلى أذربيجان في نهاية المطاف، في إطار اتفاق سلام شامل لتسوية النزاع". وأشار إلى أنه "مع مرور الوقت، تلاشت هذه الفكرة، وحلّ مكانها اقتناع بأن (تلك المناطق هي) جزء لا يتجزأ من الوطن الأرميني، يجب الامتناع عن التفريط بها".
ونقل الموقع عن أوليسيا فارتانيان، وهي باحثة في "مجموعة الأزمات الدولية"، مقيمة في تبليسي، قولها: "طيلة عقد (بعد الهدنة التي أُعلنت عام 1994)، ذهب الناس إلى تلك القرى من دون دعم حكومي منظّم، ولكن بشكل أساسي بدعوة من منظمات أرمينية وطنية. كانوا فقراء جداً، ولكنهم تمكّنوا بأموالهم الخاصة، من إعادة بناء منازل وطرق وخطوط كهرباء ومدارس".
معظم المستوطنين جاؤوا من أجزاء من أذربيجان بقيت تحت سيطرة باكو بعد الحرب، لكن كثيرين منهم أتوا من أرمينيا، إذ "كانوا مهتمين أيضاً بأراضٍ خصبة، وهذا شيء لا يملكه كثيرون في المناطق الجبلية المجاورة في أرمينيا"، وفق فارتانيان.
وأشار "يوريجانت" إلى أن سلطات قره باغ بدأت، منذ مطلع الألفية الجديدة، بإنشاء مراكز للشرطة ومكاتب حكومية في تلك المناطق، كما كثفت منظمات الشتات الأرميني نشاطها، بما في ذلك تأسيس قرى جديدة.
ضمّ المناطق إلى قره باغ
في عام 2006 تبنّى قره باغ دستوراً جديداً، ضم رسمياً المناطق السبع إلى الإقليم. وذكرت فارتانيان أنه منذ العام التالي "شُقَّت طرق، وحُلَّت مشكلات كثيرة في الكهرباء، وشُيّدت مدارس جديدة، وأُصلِحت المنازل"، من أجل "دعم السكان الموجودين في المناطق".
وأفاد "يوريجانت" بأن تقريراً أعدّته وزارة الخارجية الأذربيجانية في عام 2016، وثّق ما وُصِف بـ"تدابير متسقة اتخذتها أرمينيا في الأراضي المتنازع عليها في أذربيجان، بهدف تعزيز الوضع الراهن".
واعتبر التقرير أن مشاريع تطوير البنية التحتية في تلك الأراضي "تسهّل إعادة توطينها، بهدف نهائي هو منع عودة السكان الأذربيجانيين إلى منازلهم، وإيجاد وضع ديموغرافي جديد على الأرض وفرض (سياسة) الأمر الواقع".
في السياق ذاته، أشارت "مجموعة الأزمات الدولية" إلى أن رئيس الوزراء الأرميني السابق سيرج سركيسيان أقرّ في عام 2012 بوجوب إعادة بعضٍ من تلك المناطق لأذربيجان، في إطار اتفاق سلام بين الجانبين. واستدركت المجموعة أن الأرمينيين "باتوا لا يميّزون بين ناجورنو قره باغ والأراضي المجاورة" للإقليم.
ولفتت إلى أن إعادة تلك المناطق إلى أذربيجان "تستلزم عملياً تغييرات أساسية في نظام الهياكل الدفاعية والمنشآت العسكرية، على الجانب الأرميني من خط التماس. كما أن خسارة مرتفعات استراتيجية ستضاعف الواجبات الدفاعية لأرمينيا، مع ما يترتّب على ذلك من تأثيرات ضخمة، مالياً وفي الموارد البشرية".
خطة لافروف
"مجموعة الأزمات الدولية" ذكّرت بأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قدّم إلى أرمينيا وأذربيجان في عام 2015، ورقة غير رسمية بشأن صفقة محتملة، أثارت استياء يريفيان، إذ اعتبر مسؤول أرميني أنها "يجب أن تكون صيغت في باكو".
خطة لافروف تضمّنت إعادة 5 من المناطق الـ7 الأذربيجانية إلى السيطرة المباشرة لباكو، من دون أن ينال قره باغ أي ضمانات واضحة، في ما يتعلّق بوضعه السياسي المستقبلي خارج أذربيجان، إذ تحدثت الخطة عن "وضع مؤقت". في المقابل، أشارت الخطة إلى أن أذربيجان وتركيا ستفتحان حدوديهما مع أرمينيا.