
يواجه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، أحد أكبر التحديات عند توليه الرئاسة في 20 يناير المقبل. يتعلق الأمر بكيفية تعامل وزارة العدل مع القضايا التي يتابعها الرئيس الحالي دونالد ترمب، ونداءات بعض الديمقراطيين للتحقيق معه.
لم يُتهم أي رئيس سابق للولايات المتحدة بارتكاب جريمة بعد ترك منصبه، ولكن وفقاً لصحيفة "ذي هيل" الأميركية، فإن ترمب يخضع بالفعل لعدد من التحقيقات القضائية، على غرار التحقيقين في ولاية نيويورك، اللذين يتعلقان بـ"عمليات احتيالية"، قد تكون "مؤسسة ترمب" ضالعة فيها.
علماً أنه سيتعين على وزارة العدل الأميركية في العام المقبل، النظر في ما إذا كانت التحقيقات المحلية والولائية، وكذلك المزاعم بأن ترمب أساء استخدام سلطته، تستحق محاكمة فيدرالية.
على مدى السنوات الأربع الماضية، تمت حماية ترمب من خلال قانون لوزارة العدل، ينص على أنه لا يمكن مقاضاة الرئيس أثناء وجوده في منصبه، لكن هذه "الدرع القانونية" ستختفي بمجرد مغادرته البيت الأبيض، إذ سيفقد ترمب الحماية القانونية بعد 20 يناير المقبل.
حينها، سيتعين على الإدارة الجديدة أن تقرر ما إذا كانت ستتابع هذه التحقيقات، أو تحاول طي صفحة حقبة ترمب، وبالتالي تجنب المخاطر السياسية التي قد تتسبب بها هذه الخطوة.
بايدن قال إنه "لن يتدخل في قرارات وزارة العدل"، لكن الرئيس المنتخب قد يكون متردداً في جعل إدارته تتابع مثل هذه القضية المثيرة للانقسام السياسي، وفقاً لما ذكرته شبكة "إن بي سي نيوز" الأسبوع الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن بايدن أعرب عن شكوكه بشأن احتمال محاكمة ترمب، وكشف في مقابلة مع موقع "إن بي أر" أن ذلك سيكون "شيئاً غير عادي للغاية، وربما ليس جيداً للديمقراطية"، لكنه أكد أنه سيترك القرار في النهاية إلى وزارة العدل.
وأكد بايدن أن "وزارة العدل ليست شركة المحاماة الخاصة للرئيس"، مضيفاً أن"المدعي العام ليس المحامي الخاص للرئيس". وزاد: "لن أتدخل في حكم وزارة العدل بشأن ما إذا كانوا يعتقدون بمحاكمة أي شخص، يعتقد أنه انتهك القانون".
عندما كان بايدن نائباً للرئيس، استخدمت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما التعذيب أثناء استجواب الموقوفين على خلفيات أعمال إرهابية، ولكن لم يتم متابعة أي مسؤول في الإدارة قضائياً. وانتقد أوباما حينها تلك "الأساليب"، لكنه أصر على أنه ينوي "التطلع إلى الأمام بدلاً من النظر إلى الوراء".
جرائم دستورية
النائب في مجلس النواب الأميركي، الديمقراطي بيل باسكريل، قال في بيان: "يجب محاكمة دونالد ترمب جنباً إلى جنب مع أسوأ معاونيه، على جرائمهم ضد أمتنا وضد الدستور". وأضاف: "يجب معرفة أن أي انتهاك إضافي لسلطة العفو المقدس لحماية المجرمين، سيكون بحد ذاته إعاقة للعدالة".
واستشهد بريان كالت، أستاذ القانون الدستوري في "جامعة ميشيغان"، بالرئيسين السابقين ريتشارد نيكسون (فضيحة ووترغيت 1972)، وبيل كلينتون (فضيحة مونيكا لوينسكي 1998)، في الإشارة إلى أن "الإدارات السابقة كان عليها أن تصارع أفعال أسلافها"، لكنه أكد أن بايدن "سيرث وضعاً جديداً للغاية، عندما يتعلق الأمر بادعاءات سوء السلوك ضد ترمب".
وقال كالت إن "عدم مقاضاة نيكسون، لم تدفع بالرؤساء اللاحقين إلى القيام بأشياء سيئة، خصوصاً وأنه استقال في النهاية (أغسطس 1974، وقرر الرئيس الذي خلفه جيرارد فورد إصدار عفو عنه)"، مضيفاً أن "جرائم كلينتون لم تكن خطرة، لكن كان عليه أن يدفع غرامة كبيرة بعدها، بالإضافة إلى العار الذي لحق به".
وأكد كالت أنه "في حالة ترمب، أعتقد أنه من دون محاكمة، لا يمكننا حقاً القول إنه سيعاني أي عواقب".
في 19 نوفمبر الجاري، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن دونالد ترمب يواجه تحقيقين منفصلين في ولاية نيويورك، بشأن مزاعم بضلوعه في عمليات احتيال ضريبي بملايين الدولارات. وأضافت أن التحقيقين المنفصلين، أحدهما جنائي والآخر مدني، يشملان عمليات شطب ضريبية بملايين الدولارات من رسوم الاستشارات، والتي يبدو أن بعضها ذهب إلى ابنة الرئيس ومستشارته إيفانكا ترمب.
وأشارت الصحيفة إلى أن التحقيق الجنائي، يجريه المدعي سايروس فانس عن مقاطعة مانهاتن، أما التحقيق المدني فتجريه المدعية العامة للولاية ليتيتيا جيمس، وكلاهما ديمقراطي.
وأفادت بأن إجراء التحقيق يتم بشكل مستقل، وأنه تم إصدار استدعاء إلى "منظمة ترمب" في الأسابيع الأخيرة، لبحث السجلات المتعلقة بعمليات الشطب.
ويأتي هذان التحقيقان بعد التقرير الذي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" في سبتمبر الماضي، استناداً إلى أكثر من عقدين من سجلات ترمب الضريبية، وأشار إلى أن ترمب اقتطع نحو 26 مليون دولار كرسوم لمستشارين مجهولين في مشاريع عدة، في الفترة الممتدة بين العامين 2010 و2018.
نقاط ضعف ترمب
صحيفة "ذي هيل"، أشارت إلى أن الخبراء القانونيين يعتقدون أن إحدى نقاط الضعف بالنسبة إلى ترمب، تتعلق بمحاميه الشخصي السابق مايكل كوهين، الذي يقضي عقوبة في السجن الفيدرالي لمدة ثلاث سنوات، لدوره في تحويل أموال إلى امرأتين من أجل صمتهما، بعدما زعمتا أنهن كن في علاقة مع ترمب. وأكد كوهين أنه قام بذلك بتوجيهات من ترمب. وعلى الرغم من أنه لم يتم اتهام الرئيس بأي مخالفات من قبل مكتب المدعي العام في مانهاتن، إلا أنه أشير إليه في لائحة اتهامات كوهين باسم "الفرد رقم 1".
ونفى ترمب ارتكاب أي مخالفات، ورفض التحقيقات في أعماله وسلوكه الرسمي، باعتبارها ذات دوافع سياسية.
ويمكن للمدعين الفيدراليين أيضاً متابعة التحقيق الذي أجراه المستشار الخاص السابق روبرت مولر، والتي اتهم فيها ترمب بعرقلة العدالة في التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية في عام 2016.
وقالت كريستي باركر، التي عملت في وزارة العدل لما يقرب من 20 عاماً قبل مغادرتها في عام 2017: "سيكون قراراً معقداً بشكل لا يصدق، عندما يفكر المدعون الفيدراليون بتوجيه اتهام إلى ترمب بخصوص ارتكاب جريمة".
في عام 2018، وقعت باركر على خطاب مفتوح برفقة أكثر من ألف مسؤول سابق في وزارة العدل، يقول إن "تقرير مولر (المتعلق بتدخل روسيا في انتخابات 2016)، وصف سلوك ترمب المعرقل للعدالة، بأن من شأنه أن يؤدي إلى تهم جنائية".