واشنطن تعيد توجيه "مساعداتها الخارجية" لمواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس الأميركي جو بايدن - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن - REUTERS
دبي-الشرق

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إنه لمواجهة النفوذ الاقتصادي العالمي المتصاعد للصين أعادت الولايات المتحدة توجيه مساعداتها الخارجية، فبدلاً من الاعتماد فقط على إقراض الأموال أو دعم التجارة، تتجه واشنطن الآن إلى استثمار أموالها في الخارج من أجل تعزيز أمنها القومي، وضمان إبقاء الموانئ وشبكات الاتصالات في أيدٍ صديقة. 

في مقدمة هذه الجهود تأتي وكالة تَمكَّن الكونغرس من تطويرها عام 2019، وهي "مؤسسة تمويل التنمية الدولية" (دي إف سي)، التي وصفها النائب مايكل ماكول، زعيم الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بأنها "أداة استثمارية بالغة الأهمية نمتلكها الآن في منافستنا مع الصين".

وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب سارعت إلى الاستفادة من هذه المؤسسة عبر مناقشة شراء حوض بناء سفن مع مسؤولين يونانيين، وتقديم قروض لصرف إثيوبيا عن الاعتماد على معدات شبكات اتصالات الجيل الخامس (5G) التي تنتجها شركة "هواوي" الصينية. 

والآن تريد إدارة الرئيس بايدن، بحسب "وول ستريت جورنال"، الذهاب إلى أبعد من ذلك، إذ تضع لنفسها مآرب أخرى مثل مجابهة دبلوماسية اللقاح التي تنتهجها بكين، وغيرها.

منافسة "الحزام والطريق"

في هذا السياق، أعلنت مجموعة السبع الشهر الماضي عن مبادرة جديدة تسمى "إعادة بناء عالم أفضل"، ووعدت بأن تطلق مئات المليارات من الدولارات من أجل إقامة مشروعات في الدول الأكثر احتياجاً، وقد أُرِيدَ لهذه المبادرة أن تكون بديلاً صريحاً لعروض البنية التحتية التي تقدمها الصين. 

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين أن مؤسسة "دي إف سي" هي "الأداة الأقوى في هذه المبادرة"، إذ يتجاوز سقفها الاستثماري البالغ 60 مليار دولار موارد نظيراتها في الدول الأخرى الست مجتمعة. 

وقال رئيس العمليات في المؤسسة، ديفيد مارتشيك: "سوف نستثمر المزيد هذا العام مقارنة بأي وقت مضى في تاريخ المؤسسة، ما يعكس بجلاء رؤية الرئيس". 

وأشار القادة الأميركيون بأن "دي إف سي" تقدم التمويل بشروط أقل مقارنة بالشروط التي تفرضها بكين، والتي يمكن أن ترتبط قروضها بمعدلات فائدة عالية وضمانات شاقة، مثل الموانئ، وشروط استخدام موردين صينيين.

وقال نائب مستشار الأمن القومي ومسؤول البيت الأبيض الذي يعمل عن كثب مع "دي إف سي"، داليب سينغ، إن هدف المؤسسة ونظرائها في مجموعة السبع هو "تقديم منتج أفضل من  تلك الشروط الغامضة والابتزازية والتعسفية" التي تفرضها المشروعات المدعومة من قبل الصين، على حد تعبيره.

عودة المساعدات الخارجية

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنه بعد سنوات من التذبذب واتهامات من مشرّعين بفقدان التركيز، عادت قضية المساعدات الخارجية لتجد اهتماماً كبيراً مجدداً وذلك مع إطلاق الصين مبادرة "الحزام والطريق".

وأقر الكونغرس، بقيادة عضوي مجلس الشيوخ كونز وبوب كوركر، قانون "الاستخدام الأفضل للاستثمارات المؤدية إلى التنمية" في 2018، وحوّل القانون وكالة "مؤسسة الاستثمارت الخاصة الخارجية" المختصة بالمساعدات، والتي كانت قائمة بالفعل، إلى مؤسسة "دي إف سي". 

فتحت الوكالة الجديدة أبوابها في ديسمبر 2019 برئاسة وزير الخارجية، وارتفع الحد الأقصى للاستثمارات في المؤسسة الجديدة إلى 60 مليار دولار، وهو ضعف ما كان موجوداً في الوكالة القديمة.

ونظراً لأن الوكالة غير مطالبة بدعم المشروعات التي تشارك فيها الشركات الأميركية فقط، فقد سهَّل ذلك، كما تقول "وول ستريت جورنال"، استهداف مشروعات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تعتبر حيوية، إذ تفتقر الولايات المتحدة إلى لاعب دولي رئيسي في هذه الصناعة. 

محاولات مبكرة

وافقت إحدى مبادرات "دي إف سي"، التي تم الإعلان عنها أواخر 2019، على إقراض حتى 190 مليون دولار إلى شركة تتخذ من نيفادا مقراً، لإنشاء أطول كابل ألياف ضوئية تحت البحر في العالم، بين الولايات المتحدة وسنغافورة وإندونيسيا وبالاو، ما يوفر بديلاً لشبكات هواوي المبنية تحت البحر.

وقال آدم بويهلر، المعيّن من قبل إدارة ترمب كأول رئيس تنفيذي لمؤسسة "دي إف سي"، إنه كان من السهل عليه الوصول إلى قادة أي دولة نامية.

وقال بويهلر، الذي ترك منصبه في يناير الماضي مع قدوم إدارة بايدن، إن "الدول أكثر حماساً لمقابلة رئيس (دي إف س) من مقابلة وزير خارجية الولايات المتحدة"، مضيفاً: "إنه مال صعب". 

اليونان وصراع الموانئ

وسريعاً ما بزغت إمكانات "دي إف سي" في اليونان التي كانت أثرى من أن تتأهل مبدئياً للحصول على مساعدة "دي إف سي".

وكانت شركة "كوسكو"، عملاق الشحن الصيني، اشترت في 2016 حصة بنسبة 51% في ميناء بيرايوس، خارج أثينا، مقابل ما يعادل أكثر من 310 ملايين دولار، وهو الاستثمار الذي أطلق عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ "رأس التنين" لمبادرة "الحزام والطريق" في أوروبا. 

لكن سريعاً ما خبا وهج الرضا اليوناني عن هذه الصفقة بعدما بدأت الصين ممارسة ضغوط سياسية لدعمها في النزاعات الدولية، بحسب ما ذكرته الصحيفة الأميركية.

ورأى السفير الأميركي لدى اليونان، جيفري بيات، أن "دي إف سي" يجب أن تضطلع بدور في اليونان، وخاصة في حوض بناء السفن في إلفسينا، الذي يقع على مسافة غير بعيدة بالسيارة من بيرايوس.

وقال مسؤولون يونانيون إن المشترين الصينيين قد يحاولون اقتناص فرصة شراء حوض بناء السفن سريعاً، لكنهم يفضلون مستثمراً أميركياً.

وأكد أدونيس جورجياديس، وزير التنمية والاستثمار اليوناني، في مقابلة إعلامية أن "الوجود الأميركي في هذه المنطقة سيكون ضرورياً"، مضيفاً أن الحكومة الأميركية يجب أن تساعد أحواض السفن اليونانية، و"نحن لا يمكن أن نمنح كل شيء للصينيين". 

وقال نائب وزير الخارجية الصيني، لي يوتشنغ، في وقت سابق من هذا الشهر، إن الخطوة الأميركية الجديدة لتمويل البنية التحتية تثبت أن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية "هي المسار الصحيح"، و"الطريق نحو المستقبل". 

إثيوبيا وحرب الاتصالات

صفقة أخرى أبرمها بويهلر مع إثيوبيا، فخلال زيارته هذه البلاد في 2019، كانت إثيوبيا بصدد افتتاح سوق الاتصالات الخاص بها الذي خضع لفترة طويلة للاحتكار الحكومي، وقدم خدمات لا يعتمد عليها لشركات الاتصالات اللاسلكية الخاصة. 

كانت إثيوبيا تستخدم معدات الاتصالات من شركتي "هواوي" و"زي تي إي" الصينيتين، وفي الفترة من 2006 إلى 2013، أقرضت الشركتان إثيوبيا 3.1 مليار دولار لإقامة مشروعات اتصالات. وتعتبر الولايات المتحدة أن شركتي "هواوي" و"زي تي إي" تشكلان تهديداً استخباراتياً، وهو ادعاء تنفيه الشركتان.

وعلم بويهلر أن وكالة مساعدات خارجية بريطانية دخلت في محادثات لتمويل عطاء إثيوبي بقيادة عملاق الاتصالات "فودافون غروب"، التي تتخذ من لندن مقراً. وسأل بويهلر نظيره البريطاني و"فودافون" ما إذا كان بإمكان "دي إف سي" المساهمة.

وقال بويهلر إن "فودافون" كانت تفكر في استخدام معدات صينية لأنها تكلف أقل من البدائل المعتمدة أميركياً من شركة "إريكسون" السويدية، و"نوكيا" الفنلندية، و"سامسونغ" الكورية الجنوبية. 

وسأل بويهلر: "يسعدنا القيام بذلك، ولكن هل يمكنكم التخلص من معدات هواوي؟". وقال إن المعدات غير الصينية ستتكلف 400 مليون دولار إضافية. ووافقت "دي إف سي" على دعم هذا العمل عبر قرض يصل إلى 500 مليون دولار بمعدل فائدة دون الشروط التجارية. 

وفي مايو، أعلنت إثيوبيا عن فائز واحد فقط بالعطاء، وهو مجموعة الشركات المدعومة من قبل الولايات المتحدة. 

قد لا تغلق هذه الصفقة أبوابها دون المعدات الصينية، إذ قالت "فودافون"، غير الملزمة بمتابعة  القرض، إنها لا تزال بصدد الانتهاء من تحديد موردي المعدات التي ستستخدمها. 

ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد المضي قدماً في القرض، حيث انتقد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الحكومة الإثيوبية لعدم السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي، وأكد أن "هناك تقارير موثوقة حول وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان وسط أحداث الصراع الدامي الذي شهدته المنطقة".

وقالت المتحدثة باسم "دي إف سي" إن مؤسستها ووكالات أميركية أخرى كانت تراقب الوضع في تيغراي، وإنها "سوف تفكر ملياً في تأثير هذا الوضع على أي تمويل محتمل لمجموعة فودافون". 

دبلوماسية اللقاحات

وقال داليب سينغ، نائب مستشار الأمن القومي، إن إدارة الرئيس بايدن تعتبر مؤسسة "دي إف سي" "إحدى أقوى أدواتها في مجال المساعدات الخارجية".

وأضاف أن "البيت الأبيض يركز على مؤسسة (دي إف سي) في أربعة مجالات، هي الصحة، والتكنولوجيا، وتغير المناخ، والمساواة بين الجنسين". 

وفي مارس الماضي، بعد لقاء بايدن رؤساء أستراليا والهند واليابان كجزء من تحالف يعرف باسم "المجموعة الرباعية"، طلب البيت الأبيض من "دي إف سي" التعاون مع الحلفاء في مبادرة خاصة بمجال الصحة.

وقال مسؤولو "دي إف سي" إنه في حين أن تطوير الرعاية الصحية في بلدان العالم النامي يمثل "الدافع الرئيسي وراء هذا الاستثمار المحتمل، إلا أن توفير بديل لدبلوماسية اللقاحات التي تنتهجها بكين يشكل أيضاً عاملاً أساسياً".