خطة طموحة لتصميم "حواسيب حيوية" من خلايا الدماغ البشرية

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة مكبرة لما يسمى بـ"عضية دماغية" باللون الأزرق تم إنتاجها في مختبر وخلايا داعمة أخرى باللونين الأحمر والأخضر - الشرق
صورة مكبرة لما يسمى بـ"عضية دماغية" باللون الأزرق تم إنتاجها في مختبر وخلايا داعمة أخرى باللونين الأحمر والأخضر - الشرق
القاهرة -محمد منصور

منذ بداية عصر الكمبيوتر، حاول المهندسون محاكاة الوظائف الشبيهة بالدماغ البشري، وزاد الإصرار على ذلك مع تطور الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك لا يزال العالم بعيداً عن تحقيق هذا الهدف. 

ومع ظهور الخلايا الجذعية البشرية والهندسة الحيوية للأنظمة الفيزيولوجية الدقيقة للدماغ، أصبح من الممكن الآن محاكاة مجموعة من "آليات التعلم والذاكرة في الكائنات العضوية" على رقاقات السيليكون". 

وفي مجموعة من الدراسات الجديدة، نُشرت نتائجها في دورية "فرونتير"، يقترح الباحثون الجمع بين الاثنين لتطوير الذكاء العضوي (OI) وابتكار كمبيوترات حيوية مدعومة بخلايا الدماغ البشرية.

"كمبيوتر حيوي"

وبحسب الدراسات المنشورة، الاثنين، يمكن تطوير "كمبيوتر حيوي" مدعوم بخلايا دماغ بشرية خلال حياتنا، إذ يتوقع باحثو جامعة "جونز هوبكنز" أن توسع هذه التكنولوجيا بشكل كبير من قدرات الحوسبة الحديثة، كما يُمكنها أن تخلق مجالات دراسة جديدة.

ومنذ ما يقرب من عقدين من الزمن، استخدم العلماء هياكل حيوية دقيقة داخل الخلايا تُسمى عضيات (هي الأجزاء أو الأجسام الحية الموجودة في سيتوبلازم الخلية)، وأنسجة نمت في المختبر تشبه الأعضاء كاملة النمو، لإجراء تجارب على الكلى والرئتين والأعضاء الأخرى، دون اللجوء إلى إجراء الاختبارات على البشر أو الحيوانات.

وعمل باحثو جامعة "جونز هوبكنز" في الآونة الأخيرة على عضيات في الدماغ، ودوائر كهربائية بحجم نقطة الحبر مكونة من الخلايا العصبية، وغيرها من الميزات التي تعد بالحفاظ على الوظائف الأساسية مثل "التعلم والتذكر".

وأفاد رئيس قسم علوم السموم وأستاذ العلوم في كلية وايتنج للهندسة بجامعة "جونز هوبكنز" توماس هارتونج بأن أبحاثه، التي استمرت أكثر من 20 عاماً، "تهدف لدراسة الوظائف المعرفية في الدماغ، وتوسيع نطاقها لتحقيق قدرات حسابية تُستخدم في إنشاء نماذج للذكاء في طبق معملي، لدراسة أساس الوظائف الإدراكية للإنسان".

وذكر "هارتونج" في تصريحات لـ"الشرق" أن الأبحاث لا تهدف فقط لابتكار "كمبيوتر حيوي" من الخلايا الدماغية، وهي السبب الرئيسي وراء تلك الأبحاث، إلا أنها تعد أيضاً بتوفير نماذج للمضي قدماً في البحث عن المواد السامة التي تساهم في الأمراض العصبية وتحديد العلاجات للأمراض العصبية، وتحقيق القدرات الحسابية البيولوجية ذات الصلة. 

عضيات الدماغ

وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي مستوحى من الدماغ البشري، إلا أنه أثبت نجاحاً كبيراً؛ وتمكن من تحقيق إنجازات ضخمة، من تشخيص الحالات الطبية إلى تأليف الشعر. 

ويعمل العلماء عبر تخصصات متعددة على إنشاء حواسيب حيوية ثورية، إذ تعمل عضيات الدماغ كأجهزة بيولوجية، فما هي عضيات الدماغ؟ وهل يُمكن أن تُستخدم لابتكار أجهزة كمبيوتر جيدة؟!

يجري الحديث عن نوع من زراعة الخلايا في المختبر، على الرغم من أن عضيات الدماغ ليست "أدمغة صغيرة"، إلا أنها تشترك في الجوانب الرئيسية لوظيفة الدماغ وبنيته مثل الخلايا العصبية، وخلايا الدماغ الأخرى الضرورية للوظائف المعرفية مثل "التعلم والذاكرة". 

وفي حين أن معظم مزارع الخلايا المعملية مسطحة، فإن العضيات لها بنية ثلاثية الأبعاد، ما يؤدي إلى زيادة كثافة خلايا المزرعة بمقدار 1000 ضعف، ما يعني أن الخلايا العصبية يمكن أن تشكل عدداً أكبر من الروابط.

وحتى لو كانت عضيات الدماغ تقليداً جيداً للأدمغة، فكيف يُمكن استخدامها لصناعة أجهزة كمبيوتر جيدة؟ أليست أجهزة الكمبيوتر أكثر ذكاءً وأسرع من العقول؟

يقول "هارتونج" إن أجهزة الكمبيوتر القائمة على رقائق السيليكون أفضل بالتأكيد مع العمليات الحسابية الرقمية، لكن العقول البشرية أفضل في التعلم. 

الحدود القصوى

في يونيو 2022، ولأول مرة، تجاوز الكمبيوتر العملاق OLCF-5، الذي تم تصميمه في مرفق حوسبة القيادة في "أوك ريدج" في ولاية تينيسي، القدرة الحسابية المقدرة لدماغ بشري واحد، والمقدرة بـ"أكسافلوب 1".

و"الأكسافلوب" هو مقياس أداء الكمبيوترات العملاقة، ويُمكنها حساب ما لا يقل عن مليار مليار، واحد يليه 18 صفراً، نقطة في الثانية الواحدة.

ومع ذلك، تطلب تصميم هذا الكمبيوتر تركيب أجهزة احتلت مساحة تزيد عن 630 متراً مربعاً بتكلفة 600 مليون دولار، وتستهلك أكثر من 10 ملايين وات من الطاقة.

وأضاف "هارتونج" أن احتمالية الحوسبة البيولوجية لا تعد فقط ببعض جوانب الكفاءة في التصميم، لكنها أيضاً تبشر بزراعة أعداد مهولة من الخلايا العصبية "في الوقت الذي يصل فيه وضع المزيد والمزيد من الترانزستورات على الرقائق إلى الحدود القصوى".

كما أنها أيضاً تتمتع بمجموعة من الميزات التي لا يتمتع بها السيليكون كالتعلم التدريجي، واتخاذ القرار على أساس مجموعات البيانات غير المكتملة والمتناقضة في بعض الأحيان، بحسب ما قال "هارتونج" لـ"الشرق".

كما أنها أيضاً أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، فعلى سبيل المثال، كمية الطاقة التي يتم إنفاقها في تدريب ALPHAGO -الذكاء الاصطناعي الذي تغلب على لاعب GO الأول في العالم في عام 2017، هي أكثر مما هو مطلوب للحفاظ على شخص بالغ نشط لمدة عقد من الزمن.

كما تتمتع الأدمغة بقدرة مذهلة على تخزين المعلومات، تقدر بنحو 2500 تيرابايت، إذ أن لديها حوالي 100 مليار خلية عصبية مرتبطة عبر أكثر من 1015 نقطة اتصال، وهو فرق هائل في القوة مقارنة بتقنيتنا الحالية.

كيف سيبدو الكمبيوتر الحيوي ذا الذكاء العضوي؟

وتحتاج عضيات الدماغ الحالية إلى زيادة حجمها من أجل تطوير الذكاء العضوي، وتحتوي كل منها على حوالي 50 ألف خلية. ويقول الباحثون: "سنحتاج لزيادة هذا العدد إلى 10 ملايين خلية، إلا أن الأمر ليس صعباً على الإطلاق".

فبفضل التقنية الرائدة، التي طورها الحائزان على جائزة نوبل الطب في عام 2012، جون جوردون، وشينيا ياماناكا، يمكن إنتاج عضيات الدماغ من أنسجة البالغين. 

وهذا يعني أنه بالإضافة لتطوير الكمبيوترات الحيوية، يمكن للعلماء إنتاج عضيات دماغية مخصصة من عينات جلد المرضى الذين يعانون من اضطرابات عصبية، مثل مرض ألزهايمر.

ويمكنهم بعد ذلك إجراء اختبارات متعددة للتحقيق في كيفية تأثير العوامل الوراثية والأدوية والسموم على هذه الحالات، ما يؤهلهم لدراسة الجوانب المعرفية للحالات العصبية.

على سبيل المثال، يُمكن مقارنة تكوين الذاكرة في العضيات المستمدة من الأشخاص الأصحاء، ومن مرضى ألزهايمر، ومحاولة إصلاح العجز النسبي.

ويمكننا استخدام الذكاء العضوي لاختبار ما إذا كانت بعض المواد، مثل المبيدات الحشرية، تسبب مشكلات في الذاكرة أو التعلم.

تقنيات التواصل

ويعمل باحثو "جونز هوبكنز" في الوقت الحالي على تطوير تقنيات للتواصل مع العضيات، بمعنى آخر، إرسال المعلومات إليها وقراءة ما "تُفكر" فيه.

ويخطط الباحثون لتكييف أدوات من مختلف التخصصات العلمية، مثل الهندسة الحيوية والتعلم الآلي.

كما تمكنوا بالفعل من تطوير جهاز واجهة بين الدماغ والكمبيوتر، وهو نوع من غطاء مخطط كهربية الدماغ للعضويات عبارة عن غلاف مرن مغطى بكثافة بأقطاب كهربائية صغيرة يمكنها التقاط الإشارات من الخلايا العضوية ونقل الإشارات إليه.

وقد أظهر الفريق أن مزرعة خلايا الدماغ الطبيعية يمكن أن تتعلم لعب ألعاب الفيديو، لكن كيف نضمن سلامة وأمن هذه الأنواع من أجهزة الكمبيوتر؟

يقول "هارتونج" مجيباً على تساؤل "الشرق" إن إنشاء النماذج التجريبية للوظائف المعرفية البشرية في طبق معملي سيسمح بدراستها لأول مرة مع تدخلات تجريبية سهلة وقياسات فورية، مشيراً إلى أن التجارب الممتدة "ستجعلنا أكثر دراية فيما يتعلق بالسلامة والأمان".

ومع ذلك، من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي البيولوجي الفعلي المنافس للذكاء الاصطناعي الحالي القائم على السيليكون بعيد المنال، هذا إن أمكن تحقيقه على الإطلاق"، بحسب "هارتونج".

أسئلة أخلاقية

في الوقت نفسه، تثير تلك الأبحاث العديد من الأسئلة الأخلاقية، والتي ستجبر على معالجة أسئلة مثل أين يبدأ الوعي. وما العلاقة بين مانح الخلايا ونظام الذكاء العضوي المعني؟ هل يمكن للخلايا المزروعة تطوير الوعي، حتى في شكل بدائي؟ هل يمكن أن تشعر بالألم أو المعاناة؟

يقول "هارتونج" إن تضمين مثل هذه المناقشات الأخلاقية "سيكون أمراً بالغ الأهمية للتقدم المقبول اجتماعياً للحوسبة البيولوجية".

وذكر هارتونج أن من الأهمية بمكان، تبني إمكانات الحوسبة البيولوجية كجيل مستقبلي محتمل من الذكاء الاصطناعي.

ويتطلب التحدي المتمثل في التعاون متعدد التخصصات لهندسة فيزيولوجيا الدماغ والفيزيولوجيا الكهربية وتقنيات الاستشعار الأخرى والبيانات الضخمة والتعلم الآلي من جانب كتمكين التقنيات وعلم الأعصاب وعلم العقاقير وعلم السموم وعلوم الكمبيوتر من ناحية أخرى باعتبارها أكثر مجالات الاستخدام وضوحاً "كما يتطلب أيضاً استثمار جريء في هذا المجال الناشئ ذي الأهمية الاستراتيجية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات