
تعتزم الصين ترشيح دبلوماسي مخضرم بالشأن الأميركي، ليكون سفيرها الجديد في الولايات المتحدة، في إطار جهود بكين لتحسين صورتها العالمية والتراجع عن "نهج عدائي" اتسمت به سياستها الخارجية.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر، وصفتها بأنها مطلعة على الأمر من دون أن تذكر أسماءها، قولها إن "من المرجح أن ترشح الصين شيه فنج، نائب وزير الخارجية والخبير في الشؤون الأميركية، سفيراً جديداً لها في واشنطن"، لتواصل "التخفيف التدريجي لأسلوب (المحارب الذئب) الفظ، الذي اتسمت به الدبلوماسية الصينية خلال السنوات الأخيرة".
وذكر أشخاص يعملون في وزارة الخارجية الصينية أن "بكين كانت تعيد تقييم سياستها الخارجية في محاولة لتحقيق الاستقرار في العلاقات المتوترة مع واشنطن، وتخفيف الأضرار التي لحقت بمكانة الصين العالمية من خلال تعاملها مع جائحة كورونا، والسعي القوي لتحقيق المصالح الأمنية والصناعية والإقليمية".
وأضافوا أن "الفلسفة المتشددة التي ترسخت بين الدبلوماسيين الصينيين في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عندما رأت بكين نفسها تتعرض لهجوم من الغرب، تحتاج إلى ضبط لتتناسب مع أجواء دولية متغيرة".
وأشاروا إلى أن "قرار ترشيح شيه مبعوثاً للولايات المتحدة لم يُعتمد رسمياً، لكن لا يوجد مرشحون أقوياء آخرون". وينبغي أن تعرض بكين اسم شيه للحصول على موافقة واشنطن قبل تعيينه رسمياً.
وفي حال تعيينه، سيخلف شيه، تشين جانج، وهو أحد الأتباع المخلصين للرئيس الصيني شي جينج بينج، والذي أصبح وزير الخارجية في أواخر ديسمبر الماضي.
ويخوض تشين أيضاً منافسة على تولي منصب متزامن بصفة مستشار دولة، وهي رتبة حكومية رفيعة ستضعه في أعلى مستويات القيادة الوطنية، وتمنحه مكانة للتعامل على قدم المساواة مع وزير خارجية الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكره أشخاص مطلعون على الأمر.
"تحول تكتيكي"
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التحوّل بدأ في الظهور في تعيينات أخيرة ومقبلة في دوائر السياسة الخارجية، وضعت دبلوماسيين مخضرمين معروفين بقدراتهم على الموازنة بين "الأسلوب العدائي والعلاقات الودية" في مناصب رئيسية لإدارة العلاقات الخارجية لبكين.
واعتبر بعض محللي السياسة الخارجية أن التعيينات "تمثل تحولاً تكتيكياً من جانب بكين، وليس ابتعاداً كاملاً عن أسلوب شي التطلعي".
ورأى ويليام كلاين، وهو شريك استشاري في شركة استشارات الاتصالات "إف جي إس جلوبال" ودبلوماسي أميركي سابق يتمتع بخبرة واسعة في شؤون الصين، أن ترشيح شيه مبعوثاً للولايات المتحدة "ربما يكون مؤشراً على أن بكين تريد إدارة التنافس مع واشنطن بشكل أفضل".
وقال ديلان لو، الأستاذ المساعد في "جامعة نانيانج التكنولوجية" بسنغافورة الذي يدرس السياسة الخارجية للصين: "على الصعيد الاستراتيجي، ما زالوا (الصينيون) يمارسون التملق والتنمر ولي الذراع أينما استطاعوا".
وتوقع أشخاص مطلعون على التفكير الدبلوماسي لبكين أن يواصل المسؤولون الصينيون العمل بحزم لمواجهة ما يعتبرونه "هجمات أجنبية" ضد بلادهم، لا سيما في ما يتعلق بالمصالح الأساسية للصين.
وفي الأيام الأخيرة، على سبيل المثال، علقت السلطات الصينية إصدار التأشيرات قصيرة الأجل لمواطني كوريا الجنوبية واليابان، رداً على قيود السفر التي فرضتها سيول وطوكيو على سفر الصينيين للحد من انتشار فيروس كورونا.
وشيه، البالغ من العمر 58 عاماً، ينظر إليه زملاؤه ونظرائه الأجانب على أنه "وسيط حازم ومنصف" بين الصين والولايات المتحدة، ساعد في ترتيب قمة رفيعة المستوى بين الرئيس الصيني ونظيره الأميركي جو بايدن في نوفمبر الماضي.
وفي الأشهر الأخيرة عاد شيه إلى المسرح العالمي بعد أكثر من عامين من عزلة ذاتية في ظل قيود صارمة لمكافحة كورونا في الصين، توترت خلالها علاقات بكين مع القوى الغربية وبعض جيرانها الآسيويين بسبب قضايا تشمل التجارة والمنافسة التكنولوجية وحقوق الإنسان، ونزاعات إقليمية.
وبعد أول رحلة خارجية له في الخريف الماضي منذ أوائل عام 2020، ظهر شيه بوجه "أكثر وداً" في اجتماعات مع نظرائه الدوليين، بما في ذلك الرئيس بايدن في قمة في إندونيسيا، وقادة غربيين آخرين.
دبلوماسي مخضرم
ووفقا للصحيفة، شيه دبلوماسي مخضرم، تربطه علاقات طيبة بالمسؤولين الغربيين من خلال أدوار سابقة في التعامل مع شؤون الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، بما في ذلك فترتان في السفارة الصينية في واشنطن.
وكان بمثابة "رجل الوساطة" في مفاوضات معقدة بشأن صفقة تبادل سجناء عام 2021، أسفرت عن إطلاق الصين سراح اثنين من الرعايا الكنديين مقابل إنهاء جهود الولايات المتحدة لترحيل المديرة الماليّة لشركة "هواوي" الصينية، منج وانتشو، التي كانت تخضع للإقامة الجبريّة في كندا منذ 3 سنوات.
وشغل منصب مبعوث الصين إلى إندونيسيا، والممثل الأعلى لوزارة الخارجية في هونج كونج قبل ترقيته إلى منصب نائب وزير الخارجية في عام 2021، كما أمضى بعض الوقت في ولاية نورث كارولينا في إطار برنامج تبادل زملاء عام 1999.
وشيه صديق مقرب لعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية يانج جيتشي، الذي تقاعد في أكتوبر، وارتبطا بعلاقة قوية بعد العمل معاً في السفارة الصينية في واشنطن، وفقاً لأشخاص مطلعين على معرفة بتشيه.
ويقول أشخاص التقوا شيه إنه "مسؤول متواضع وحذر".
وذكروا أنه عندما شهدت هونج كونج اضطرابات مناهضة للحكومة بين عامي 2019 و2020، غالباً ما انتقد تشيه، بصفته أرفع دبلوماسي صيني في المدينة، الولايات المتحدة على تدخلها المزعوم في شؤون هونج كونج.
لكن الدبلوماسي الأميركي السابق ويليام كلاين قال إن "أسلوبه وطريقة عرضه لأفكاره سواء كانت جذابة أو قاسية، تعتمد على الأجواء العامة للعلاقات"، والأولويات التي حددتها القيادة العليا للسياسة الخارجية، بالإضافة إلى المكان والجمهور والتوقيت.
اقرأ أيضاً: