أدت توصيات مراجعة برنامج مكافحة التطرف المعروف باسم "prevent" في بريطانيا، إلى إثارة مزيد من الشكوك بشأن جدوى وفعالية البرنامج، إضافة إلى التشكيك في حياده، خصوصاً بين المسلمين في المملكة المتحدة.
والأسبوع الماضي خلصت نتائج مراجعة برنامج "prevent" التي استمرت على مدار 4 سنوات، إلى ضرورة التركيز على "التهديد الذي يشكله التشدد الإسلامي"، وذلك في ختام مهمة وليام شوكروس الذي تم تعيينه مراجعاً مستقلاً في يناير 2021.
ويعد برنامج "prevent" عنصراً رئيسياً في جهاز الأمن البريطاني أضيف بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة بهدف وقف التطرف ومنع ارتكاب أعمال عنف. لكن هذا البرنامج منذ تأسيسه، لاحقته مزاعم بأنه برنامج "تجسس على المسلمين".
وخلصت المراجعة إلى 34 توصية تعهدت الحكومة بتبنيها، من أهمها دعوة حكومة لندن إلى أولوية معالجة الأسباب الأيديولوجية للتطرف بكل أنواعه، لكنها شددت على أن "التعصب الإسلامي" يمثل الخطر الأكبر الذي يواجه البلاد، ومواجهته تحتاج لتوسيع نطاق المساءلة ورصد مصادره وتتبع قنواته وخلفياته.
وفي رأي مختصين لن تدفع المراجعة الرسمية الجالية المسلمة في المملكة المتحدة، إلى مزيد من التعاون مع "prevent"، خاصة أن للمسؤول عن المراجعة وليام شوكروس تصريحات سابقة مسيئة للمسلمين.
وتعرضت حكومة حزب المحافظين عند تعيين شوكروس عام 2021، لانتقادات من منظمات حقوقية حذرت من تحيز النتائج وعدم صدقيتها.
وتنص توصيات شوكروس بشكل ضمني، على أن "prevent"، فشل في غايته الأساسية وهي مكافحة الإرهاب والتطرف في المملكة المتحدة، حتى أنه دعم منظمات يمينية وأخرى "راديكالية متأسلمة"، كانت تظنها الحكومات البريطانية حتى الأمس القريب، تعمل جنباً إلى جنب معها في حماية أمن البلاد.
مواقف أكثر حدة
"مراجعة شوكروس" كما باتت تعرف في الإعلام البريطاني، تحض الحكومة على تبني "مواقف أكثر حدة" مع التطرف من ناحيتين أساسيتين، الأولى هي تسمية الأشياء بمسمياتها عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين قد يتحولوا إلى إرهابيين، أو البيئات التي تنتج مثل هؤلاء.
وبالتالي لابد من التدقيق في خلفية من يدعم التعصب أو ينشره بأي شكل كان، وكذلك في محددات كل مؤسسة أو فعالية أو منظمة أو أي جهة كانت، قد يؤدي نشاطها إلى خلق الفكر المتطرف وتمدده بين أفراد المجتمع.
أما الناحية الثانية فتحتاج إلى "صرامة" وفق المراجعة الحديثة، وهي التركيز على القضايا التي تخلق الفكر الراديكالي، بدلاً من الاهتمام بأسباب الأمراض العقلية التي قد تدفع نحو فعل إرهابي.
وفي مجمل الإجراءات التي تحتاج الحكومة إلى تبنيها ليتحول "prevent" إلى برنامج أكثر حسماً في مواجهة الإرهاب، لابد من وضع التعريفات والتصنيفات الواضحة لكل ما يمكن أن يصادف المعنيين عند التعامل مع مواقف وأشخاص يشتبه بتطرفهم.
ويرى رئيس شرطة مكافحة الإرهاب السابق نيل باسو، أن مراجعة شوكروس لا تنطوي على تقييم دقيق لعمل الجهات المختصة. فلا يمكن القول إن "الأجهزة الأمنية كانت تركز على الإرهاب اليميني أكثر من الإسلامي، رغم تفوق الأخير في درجة الخطورة".
ونوّه باسو إلى أن تقييم التهديدات الأمنية يعتمد على درجة خطورتها وفق المعايير المعروفة للعاملين في هذا المجال، وهي لا تميز في خلفية الإرهاب وعقيدته.
ونفى باسو في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية، ما ذكره شوكروس بشأن اهتمام برنامج "prevent" بالأمراض العقلية والنفسية للمتطرفين، على حساب معالجة أسباب نزوح الأفراد نحو التطرف والإيديولوجيا التي دفعتهم إليه.
وقال المسؤول الأمني السابق، إن توصيات المراجعة تبدو وكأنها تستند على توجهات يمينية واضحة. وصرحت منظمة العفو الدولية أن تقرير شوكروس كان "متحيزاً بشدة وغير موضوعي في تقييمه".
العلاقة مع المسلمين
بحسب المراجعة يتوجب التركيز على بعض المصطلحات مثل "التكفير"، الذي تحول إلى أيديولوجيا تحدد سلوك الأفراد إزاء المختلفين عنهم في الديانة.
ومتابعة مثل هذه المصطلحات يعرض للمساءلة القانونية، بحق أي مؤسسة أو فرد ينشر ثقافة قد تمهد للإرهاب أو تنتجه مستقبلاً، حتى لو لم تحث على العنف صراحة بشكل مباشر. الأمر الذي يعتقد البعض أنه يمس بحرية التعبير، ويضيق على الجالية المسلمة.
ونشر المجلس الإسلامي في بريطانيا تعليقاً رسمياً على "مراجعة شوكروس"، قال فيه إنها "تجعل بريطانيا أقل أمناً والمسلمين يشعرون بالضعف".
وأشار المجلس إلى أن المراجعة تعزز من "الإسلاموفوبيا" التي عرضت المسلمين للعنف مراراً وتكراراً. كما أنها "أعادت إحياء نقاط الحوار الخلافية التي توصم المسلمين بالإرهاب وتربط دينهم بالتطرف".
من جهته، قال مدير منتدى الأديان في لندن مصطفى فيلد، إن خلفية شوكروس المعادية للمسلمين، ظهرت بشكل واضح في توصيات المراجعة التي كان يمكن أن تكون أفضل من ذلك بكثير بعد 4 سنوات من العمل.
ولفت فيلد لـ"الشرق"، إلى أن شوكروس لا يمتلك معرفة كافية بالدين الإسلامي. ولم يزر من 79 مؤسسة يدعمها "prevent" إلا 6 فقط، وهذا لا يكفي لتوضيح فاعلية البرنامج ودور المسلمين في تحقيق أهدافه.
وأشار مدير منتدى الأديان، إلى أن "مراجعة شوكروس" ستضعف ثقة المسلمين ببرنامج مواجهة التطرف، في وقت تحتاج فيه الحكومة لتفاعل، وتعاون الشخصيات، والفعاليات المؤثرة في الجالية لتحقيق أهداف هذا البرنامج.
وأضاف فيلد أن مراجعة "prevent" غير الدقيقة تخلق حاجة ماسة لدى التجمعات الإسلامية للاعتماد على نفسها في مواجهة ثقافة التطرف، وهذا يشمل كل المنظمات المعنية والمؤسسات التعليمية والإنسانية.
وتشير مراجعة "prevent" إلى أن 80% من التحقيقات المباشرة لشرطة مكافحة الإرهاب تتعلق بالتطرف الإسلامي. ورغم ذلك، كانت 22% فقط من إحالات البرنامج بين عامي 2020-2021 تتعلق بالإسلاميين.
كذلك، أظهرت في مطلع أبريل 2022، أنه تمت إحالة 6 آلاف و406 أشخاص، 20% منهم لمخاوف تتعلق باليمين المتطرف، و16% لمخاوف مرتبطة بالتطرف الإسلامي.
المشاركة في "prevent"
وتطالب توصيات شوكروس بقطع علاقة "prevent" مع المؤسسات والجهات التي استفادت من البرنامج وغذت التطرف خلال السنوات الماضية.
كما شددت على عدم الاستعانة بالمنظمات والفعاليات والأفراد الذين يشتبه بترويجهم للتعصب والكراهية في بريطانيا، حتى على مستوى المشورة أو جمع البيانات لا أكثر.
في المقابل، تطالب المراجعة الحكومة بإطلاق مبادرات وخطط لتشجيع العائلات والأصدقاء والفعاليات المجتمعية على المساهمة في إحالة الأفراد لبرنامج "prevent"، وتطوير آليات الإبلاغ عن الحالات التي يتوجب إحالتها للبرنامج. كما شددت التوصيات على توفير موظفين مستقلين للبرنامج في المدارس والمؤسسات التعليمية عموماً.
وقال مدير منظمة "مستقبل بريطانيا" ساندر كواتالا، إن أهداف "prevent" من حيث المبدأ تحظى بتأييد واسع بين المسلمين في المملكة المتحدة، ولكن كثيرين منهم لم يسمعوا عن البرنامج.
وأوضح أن المراجعة ستخلق نوعاً من النفور لدى المتعاونين مع البرنامج أو الذين يؤيدونه في الوقت الراهن، لأنها قد تخلق إحساساً بالتمييز ضد المسلمين.
وأشار كواتلا في مقال نشرته صحيفة "ذا جارديان"، إلى أن الحكومة تحتاج حقيقة إلى تعاون الأفراد، المسلمين وغير المسلمين، في تحقيق أهداف "prevent". فالبرنامج يقف على حافة حادة جداً في التعامل مع المجتمع. ويسعى إلى إنفاذ القانون في مساحات معقدة جداً، تحتاج إلى تعاون الجهات المختصة مع الأفراد والفعاليات في التجمعات المحلية.
توسيع "prevent" وحمايته
يطالب شوكروس بوقف تمويل المشاريع التي لا تخدم أغراض "prevent". وتلك التي استفادت منه لتغذية التطرف في البلاد.
كما تنصح المراجعة بتوسيع مدى برنامج مكافحة التطرف ليشمل المهاجرين واللاجئين. فتستهدف بذلك التطرف القادم من الخارج، وتضع الوافدين الجدد تحت مجهر الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى لوصولهم.
وأعلنت وزارة الداخلية أنها وافقت على إشراك حرس الحدود والجهات المختصة بالهجرة في برنامج "prevent".
وقالت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان إنها أوعزت لكل المعنيين ببدء العمل على تنفيذ هذه التوصية، وغيرها من توصيات شوكروس في أسرع وقت ممكن. وبالتالي يستعد "prevent" لمرحلة جديدة مختلفة في الآليات والمضامين.
كما ستقوم وزارة الداخلية بمواجهة كل الحملات الإعلامية والمجتمعية المضادة للبرنامج. وستعمل على زيادة عدد العاملين فيه، ولكن بعد أن تختارهم بعناية فائقة. حتى أن المراجعة توصي بتتبع صفحات المرشحين والمتقدمين للعمل في البرنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، فتزيد من يقينها إزاء بيئاتهم وخلفياتهم.
وقالت المحامية جانيت فود، إن "مراجعة شوكروس" تعترف بشكل ضمني بفشل برنامج "prevent" الذي نشط وتكثف العمل به منذ عام 2017.
وأضافت فود لـ"الشرق"، أن التوصيات التي توصلت إليها المراجعة تقول إن برنامج مكافحة التطرف يعاني من نقاط ضعف عديدة قلصت من فعاليته وأوقعته في أخطاء كثيرة.
ولفتت المحامية البريطانية إلى أن الحكومة قد توظف المراجعة لأغراض سياسية، والمراجعة قد تحمل نوعاً من التحيز المبطن ضد المسلمين، ولكن الحقيقي هو أن البرنامج موّل مؤسسات روجت للتطرف ودعمته في البلاد.
كما أن الجهات المختصة لم تلتفت إلى حاجة "prevent" لمعايير صارمة وتصنيفات واضحة بشأن الأفراد الذين يتوجب إحالتهم للبرنامج. ويحتاج أيضاً إلى آليات أكثر فاعلية لإبعادهم عن التطرف.
وأشارت المحامية إلى أن الآليات التي ستضعها الحكومة لتطبيق "توصيات شوكروس" هي التي ستحدد مدى تحيز البرنامج ضد المسلمين أو غيرهم.
كما ستوضح مدى جدية حزب المحافظين الحاكم في رفع أداء البرنامج الذي أطلق عبر حكومة عمالية. وإلى حين معرفة تلك الآليات، سيأخذ الكلام عن البرنامج طابعاً إعلامياً ودعائياً أكثر من السياق الواقعي أو العملي، بحسب تعبيرها.
ويقترح شوكروس تغيير قوانين مكافحة الإرهاب لتصبح أكثر فاعلية في منع تحول الأشخاص إلى التطرف. كما ينصح بمراجعة أوضاع من يحالون إلى البرنامج كل 3 سنوات بدلاً من 6 أعوام.
وهذا يستدعي تطوير آليات لتصنيف الإحالات وفقاً لشدة خطورتها وتوحيد هذه الآليات لكافة أنواع التطرف. كما يقتضي زيادة التنسيق بين موظفي "prevent" ونظرائهم في وحدات مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية.
اقرأ أيضاً: