Open toolbar

حاويات شحن في ميناء غوانزو الصيني - Bloomberg

شارك القصة
Resize text
هونغ كونغ-

يُعيد طريق الحرير إلى الأذهان صورًا للقوافل والمناطق الصحراوية والمغامرين القدماء، مثل ماركو بولو (Marco Polo) وهو يجوب طرق التجارة القديمة التي تربط الصين بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا.

وتأتي مبادرة الصين الجديدة المعروفة باسم مبادرة الحزام والطريق لتُشكِّل النسخة المعاصرة لهذا الطريق، وتهدف إلى إحياء وتوسيع مساراته عبر شبكات من خطوط السكك الحديدية الجديدة والموانئ وخطوط الأنابيب ومحطات الطاقة والطرق السريعة.

من جهته، يدعم الرئيس الصيني شي جين بينغ (Xi Jinping) هذا المشروع باعتباره وسيلة لتحفيز التنمية والتقدم والتكامل الاقتصادي والسمعة الجيّدة لبلاده. وفي المقابل، يُحذّر النقاد من محاولات هذه القوة العظمى المتزايدة لنشر نفوذها.

الصين تخطط بعيدًا

يصف جين بينغ هذا المشروع بأنّه "مشروع القرن"، ومحرّك يدفع حركة التجارة لعقود طويلة من خلال إنفاق مبالغ طائلة على البنية التحتية، إذ تتوقع مؤسّسة "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) أن يصل إجماليّ الإنفاق على هذا المشروع إلى 1.3 تريليون دولار في عام 2027.

وتُعَدّ مبادرة الحزام والطريق من صميم استراتيجية السياسة الخارجية للصين، كما أُضيفت إلى دستور الحزب الشيوعي في عام 2017، إذ تمتدّ شبكة الطرق التجارية الجديدة لتصل إلى 76 دولة على الأقل، مع وجود خطط استثنائية تشمل إنشاء ميناء بأعماق البحار في ميانمار، وخطوط الطاقة في المالديف، وإنشاء سدّ في باكستان.

وتقوم الدول الشريكة بالمقارنة بين إيجابيات هذه المبادرة ومخاوفها من أنّ هذه المشروعات ستتركها مُثقَلة بالديون، لا سيّما أنّ ملكيتها تعود إلى حكومة أجنبية، إذ تمكّنت سيريلانكا من تخفيف جزء من ديونها الكبيرة للصين عن طريق تسليم الحصة الكبرى من ملكية الميناء الجديد إلى شركة صينية حكومية.

وأصبحت طموحات الصين ضمن القضايا الانتخابية في العديد من البلدان من باكستان إلى إندونيسيا، وقامت الحكومة الماليزية المنتخَبة حديثًا بتعليق المشروعات الصينية التي تبلغ قيمتها 22 مليار دولار في عام 2018 نظرًا لقلقها من شروط القروض واستخدام العمالة الصينية التي تحدّ من الفوائد العائدة على الاقتصاد المحلي.

حزام واحد.. طريق واحد

رغم إنشاء هذه المسارات التجارية منذ أكثر من 2000 عام، فإنّ اسم طريق الحرير المُستمَدّ من القماش الناعم الذي كانت تستخدمه النخبة الرومانية كان قد أطلقه عالِم جغرافيّ ألمانيّ الجنسية في القرن التاسع عشر. وفي أوج ازدهارها، كان يُنقَل على هذا الطريق الورق والبارود والخزف والتوابل من الشرق إلى الغرب، وفي طريق العودة كانت تُنقَل الخيول والسجّاد المصنوع من الصوف والبطانيات والذهب والفضة والزجاج.

وفي عام 2013، اقترح جين بينغ لأول مرة إحياء طريق الحرير، وأشار إليه باسم "حزام واحد، طريق واحد"، ثم قرر إطلاق اسم "مبادرة الحزام والطريق" على هذا المشروع، أي مزيج من "الحزام" البرّي و"الطريق" البحري. وبلغت تكلفة هذه المبادرة إلى الآن أكثر من تكلفة خطة مارشال الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.

وبحسب "غافيكال إيكونوميكس" (Gavekal Economics) تُقدِّم هيئات التمويل في الحكومة الصينية قروضًا بقيمة 345 مليار دولار لغايات التمويل، وتقوم بنوك الدولة التجارية بتقديم ضمانات بقيمة 233 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، يُقدّم مبلغ 40 مليار دولار من صندوق تمويل طريق الحرير الصيني، و100 مليار دولار من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين، و59 مليار دولار من البنك الدولي.

وبعد تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن مشاركة الولايات المتَّحدة في اتفاقيات التجارة الدولية، يبدو أنّ الرئيس الصيني يريد استخدام مبادرة الحزام والطريق ليبدو كبطل التجارة الحرّة العالمية.
وامتدّت المبادرة في عام 2018 لتشمل أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي والقطب الشمالي. وأصبحت إيطاليا في عام 2019 أول مجموعة من الدول السبع التي توقِّع على المبادرة، متجاهلة بذلك تحذيرات حلفائها الأمريكيين والأوروبيين.

طريق للسلام وسط مخاوف "عقد اللؤلؤ"

أكَّدت الصين أنّها لا تعتزم نشر مبادرة الحزام والطريق لفرض تأثير سياسيّ أو عسكريّ لا مبرر له، وأنّ الهدف الوحيد منها هو تعزيز التفاهم الاقتصادي والثقافي بين الأمم. ووصف الرئيس الصيني هذا المشروع بأنّه "طريق للسلام"، في المقابل أعربت القوى العالمية الأخرى مثل اليابان والولايات المتَّحدة الأمريكية عن مخاوفها من أهدافها المُعلَنة وعن قلقها الكبير من أهدافها غير المعلنة.

وتشير بعض الأهداف الصينية غير المعلنة من المشروع إلى رغبتها في التوسع العسكري مع زيادة قوة الجيش الصيني والتكهنات بما إذا كان تطوير العشرات من الموانئ ينذر بتأسيس قواعد بحرية، أو ما يُطلَق عليه اسم نظرية "عقد اللؤلؤ" (وهي استراتيجية بكين الرامية إلى تأمين ممرات ونقاط عبور على شكل عقد من اللؤلؤ لتربط بها مناطق نفوذها ومصادر الطاقة من منطقة الخليج العربي وحتى بحر الصين).

ويزعم جين بينغ أنّ المشروع لن يشمل "مناورة جيوسياسية قديمة". ويتفق الاقتصاديون على أنّ مشروع إحياء طريق الحرير لديه القدرة على تحفيز النموّ العالمي، في حين تشتمل المخاطر على حدوث قضايا فساد (استقالة رئيس وزراء قيرغيزستان بسبب المزاعم بأنّ المزايدة على مشروع بناء كانت مزوّرة) وإنشاء مشروعات قليلة الجدوى (مثل المطار الدولي في سيريلانكا الذي يستقبل رحلتين فقط في اليوم).

قد تكون بعض المشروعات، خصوصًا الطرق البرية المكلفة، غير قابلة للتطبيق أو لم يُخطَّط لها بشكل صحيح، مِمَّا يحدّ من استثمار القطاع الخاص اللازم لتنفيذ كثير من تلك المشروعات، وبسبب تباطؤ النموّ الاقتصادي الداخلي في الصين ومحاولتها حلّ مشكلة ديونها الخاصة، من الممكن أن يؤدي تمويل المشروعات غير الناجحة إلى الحدّ من طموحات الرئيس الصيني بعض الشيء.

* هذا المحتوى من بلومبيرغ

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.