
توقعت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن يشهد العالم تحولاً ثورياً في ميزان الشؤون العالمية خلال العقود المقبلة، قائلة إن القرن الحالي "سيكون إفريقياً".
وأضافت المجلة في تقريرها، أن "الفكرة السائدة لدى الغرب منذ تسعينيات القرن الماضي والتي كانت تربكه، هي أن العالم في طريقه لدخول قرن آسيوي، لكن بالنظر للتاريخ فإن عودة الصين والهند إلى صدارة الشؤون العالمية لا تعد ثورة بقدر ما هي مجرد استعادة لمكانة سابقة، إذ كانت تلك الإمبراطوريات مركزاً للتجارة العالمية، وموطناً لأكثر الحضارات تطوراً خلال الألفي عام الماضية".
ووفقاً للمجلة الأميركية "إذا كان الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده بكين ونيودلهي هو الصدمة الكبرى التي شهدها العالم خلال الربع الأول من القرن الـ21، فإن هناك ثورة أخرى في انتظارنا، إذ ستشهد العقود المقبلة ثورة جديدة تتمثل في التحول الديموغرافي المذهل لقارة إفريقيا".
وتابعت: "على عكس آسيا، تميزت إفريقيا تاريخياً بانخفاض كثافتها السكانية، إذ بلغ عدد سكانها 124 مليون شخص في عام 1914، وهو ما كان يزيد قليلاً على 7% من سكان العالم، وعلى الرغم من تسبب تجارة الرقيق في إحداث الكثير من الفوضى على مدى الأعوام الـ 200 الماضية، فإن الاتصال بالأوروبيين لم ينتج في إفريقيا الكارثة الديموغرافية التي لحقت بالأميركيتين".
"ثورة ديموغرافية"
ولفت التقرير إلى أن إفريقيا قد شهدت بالفعل "ثورة ديموغرافية" خلال القرن الـ 20، إذ يبلغ إجمالي عدد سكان القارة اليوم نحو 1.4 مليار نسمة بزيادة تفوق عشرة أضعاف خلال قرن واحد فقط، ومن المرجح أن يرتفع أكثر في العقود المقبلة.
وأشار التقرير إلى احتمالية أن يصل عدد سكان إفريقيا إلى ما يتراوح بين 2.2 و 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يعني أن من المرجح أن تمثل القارة 25% من سكان العالم في منتصف القرن، أي أكثر من 3 أضعاف نسبتها في العام 1914".
وأضاف أنه "قد يولد 566 مليون طفل في إفريقيا خلال فترة الأربعينات من القرن الحالي وحدها، وبحلول منتصف القرن، سيفوق عدد المواليد الأفارقة عدد المواليد في آسيا، كما أنهم سيشكلون أكبر عدد من السكان في سن العمل في أي مكان في العالم".
وأكد التقرير على أن المدى الذي ستشكل فيه إفريقيا الشابة القرن الـ 21 يظهر بوضوح عند النظر لترتيب المجتمعات حسب متوسط العمر، إذ يبلغ متوسط العمر الحالي في اليابان 48 عاماً، مقابل 38 عاماً في الصين، بينما في الهند 28 عاماً، أما في نيجيريا فيبلغ 18 عاماً، ما يعني أنه باستثناء وقوع كارثة، فإن جزءاً كبيراً من السكان النيجيريين الذين هم على قيد الحياة اليوم سيعيشون حتى العام 2080".
وقال التقرير إنه بالرغم من أن التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً هو مجرد رهان، لكن بالنظر لتوقعات الأمم المتحدة، "يجب توقع أن يتجاوز عدد سكان إفريقيا 4.2 مليار نسمة بحلول العام 2100، وعند هذه النقطة سيشكل الأفارقة ما يصل إلى 40% من سكان العالم، إذ تبدو النسبة أقل بكثير من حصة آسيا البالغة 60% اليوم، لكنها ستشكل ثورة في ذلك الوقت".
ورأى التقرير أن التعميم فيما يتعلق بقارة واسعة ومتنوعة مثل إفريقيا هو "أمر أحمق"، إذ شهدت تونس وليبيا والمغرب تحولات ديموغرافية سريعة مثل أي مكان في العالم، بينما شهدت جنوب إفريقيا انخفاضاً مذهلاً في معدلات الخصوبة، مثلها مثل ملاوي ورواندا، لكن في الوقت ذاته، فإن التحول يسير بخطى ثابتة في نيجيريا والكونغو الديمقراطية وتنزانيا وأوغندا والسودان.
ورغم أن معدلات الوفيات في هذه الدول انخفضت، إلا أن معدلات الخصوبة انخفضت ببطء، كما أن الزيادة الكبيرة في عدد الشباب في مصر وإثيوبيا تشير إلى أن هذا الزخم سينقل القاهرة وأديس أبابا إلى عدد هائل من السكان يبلغ 160 مليوناً في الأولى و205 ملايين في الثانية بحلول عام 2050.
"مسألة اختيار"
ووفقاً للتقرير، فإن الفشل في توسيع نطاق تعليم الفتيات وتمكين المرأة في العديد من المجتمعات الإفريقية قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الخصوبة، كما أن حجم الأسرة المرغوب فيه في أجزاء كبيرة من غرب وشرق القارة يتخطى الخمسة أطفال.
وعلى الرغم من تقييد الدين والتقاليد الاجتماعية المحافظة الوصول إلى وسائل منع الحمل في بعض البلدان، إلّا أنه حتى في الأماكن التي تتوافر فيها هذه الوسائل، كما في نيجيريا وأنجولا، تختار النساء من جميع المستويات التعليمية والطبقات الاجتماعية عدم استخدامها، حيث يوضح الأفارقة أن التغيير الديموغرافي هو "مسألة اختيار".
وقد يستقر عدد سكان إفريقيا بنفس الطريقة التي يستقر بها عددهم في الهند والصين، ولكن على مدار الأعوام الـ 30 المقبلة، لا يمكن إيقاف الزخم، لأن أمهات الأطفال الذين سيولدون في ثلاثينات وأربعينات القرن الحالي قد ولدوا بالفعل.
وما لم تتغير مستويات خصوبة هؤلاء الفتيات بطرق جذرية عن خصوبة أمهاتهن، فإن القارة الإفريقية التي سيبلغ عدد سكانها أكثر من 2.4 مليار نسمة هي السيناريو الأكثر ترجيحاً في عام 2050، وستكون نيجيريا في المقدمة، حيث سيبلغ عدد سكانها ما بين 350 و440 مليون نسمة، متفوقة على عدد سكان الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
"قلق عرقي"
وأضاف التقرير أنه بالنظر إلى الحجم الهائل لهذه الأرقام، تميل المناقشات حول الديموغرافيا الإفريقية إلى إثارة ردود فعل ساخنة، إذ أن هناك "قلق عرقي" مستتر ومخفي حول احتمالية حدوث موجات من الانتقال للمهاجرين الأفارقة شمالاً إلى أوروبا.
كما أن هناك إحساساً بالنشوة يتعلق بالنهضة الإفريقية والوعد بمجتمعات شابة وديناميكية تجني ثمار ما يُسمى بـ" العائد الديموغرافي"، وهي المرحلة التي يتمتع فيها الاقتصاد الوطني بمزايا وجود نسبة كبيرة من السكان في سن العمل.
وتابع التقرير: "السيناريو الذي يشكل فيه الأفارقة ربع سكان العالم أو أكثر هو شيء جديد سيشهده العالم لأول مرة، ولذا فإن التحديات هائلة".
وعن قدرة اقتصادات إفريقيا على خلق الوظائف اللازمة لتوفير فرص العمل وآفاق المستقبل لمئات الملايين من الشباب، قالت "فورين بوليسي" إن "استيعاب أعداد الشباب المتفجرة في القارة يمثل تحدياً يمكن مقارنته من حيث السرعة والنطاق بموجة التحضر العملاقة في الصين بين تسعينيات القرن الماضي وعام 2010، ومع ذلك لا يوجد أي مكان في إفريقيا لديه سجل حافل بالنمو بنفس الوتيرة الصينية".
"هجرة داخلية"
ويقدر البنك الدولي أن المشكلات، بما في ذلك النقص المزمن في الوصول إلى المياه، قد تدفع أكثر من 80 مليون إفريقي إلى الهجرة الداخلية خلال العقود المقبلة، كما أن حجم الاحتياج إلى التمويل يبدو هائلاً، بحسب المجلة.
وفي العام 2018، قدّر "بنك التنمية الإفريقي" متطلبات الاستثمار بما يتراوح بين 170 و130 مليار دولار سنوياً، لتحقيق عدة أهداف بحلول منتصف العام 2020، بما في ذلك وصول الجميع إلى الكهرباء وكذلك الوصول الشامل إلى المياه الأساسية والصرف الصحي، وإصلاح وتوسيع نظام الطرق، وضمان تغطية الهواتف المحمولة، مع وجود ما لا يقل عن 50% من السكان ضمن مسافة 25 كيلومتراً من شبكات الألياف الضوئية، ولكن لم تتحقق هذه الأهداف.
وبالنظر إلى انخفاض الدخل والمدخرات ومعدلات الضرائب في إفريقيا، يجب أن يأتي الكثير من التمويل الأولي من الخارج، ما سيؤدي لزيادة مستويات الديون التي تثقل كاهل العديد من البلدان الإفريقية.
ومهما كان المصدر الأولي للتمويل، سيتعين في نهاية المطاف سداد القروض من الأرباح والضرائب التي تولدها اقتصادات القارة، إذ لطالما أعاقت هذه المشكلات تنمية الاقتصادات في العالم.
ووضع التشاؤم القارة على الهامش، فمن الناحية المؤسسية، تضم مجموعة الـ 20 عضواً إفريقياً واحداً وهو جنوب إفريقيا، كما أنه ليس للقارة مقعد دائم في مجلس الأمن، ما لا يعد فشلاً في الرؤية الأخلاقية والعدالة فحسب، بل يعكس فهماً غير واقعي.
وفي نهاية التقرير، قالت المجلة إن اندماج إفريقيا في التجارة والاتصالات العالمية قد بدأ لتوه، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تصبح القارة "مركزاً للابتكارات والنمو".