كيف تحوّل الريسين إلى سم قاتل؟

time reading iconدقائق القراءة - 15
حبوب خروع مستخدمة في صنع الريسين، لدى عرضها في برلين - 14 يونيو 2018 - AFP
حبوب خروع مستخدمة في صنع الريسين، لدى عرضها في برلين - 14 يونيو 2018 - AFP
دبي -الشرق

أعاد المغلف الذي يحتوي على مادة الريسين السامة، والذي كان موجهاً إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أن تعترضه سلطات بلاده، التذكير بهذه المادة السامة جداً، والتي استُخدمت في عمليات اغتيال واعتبرها بعضهم سلاحاً "مثالياً".

دخل الريسين قاموس المواد البيولوجية القاتلة، بعد استخدامه في لندن عام 1978 في اغتيال المنشق البلغاري جورجي ماركوف، من خلال مظلّة مسمّمة، علماً أنه استُخدم أيضاً في استهداف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ومسؤولين بارزين آخرين، وإن لم تصلهم المغلفات التي وُضع فيها.

يُستخرج الريسين من بذور الخروع، وهو سمّ أقوى 6 آلاف مرة من السيانيد، كما أفادت وكالة "فرانس برس"، مضيفة أنه "مميت للإنسان إذا ابتلعه أو استنشقه أو حُقن به"، علماً أن لا ترياق معروفاً له.

وأفادت وكالة "رويترز" بأن "غاز الريسين يمكن أن يسبّب الوفاة خلال 36 إلى 72 ساعة من التعرّض لكمية ضئيلة منه مثل رأس الدبوس"، مستدركة أن "تحويله إلى سلاح بيولوجي يتطلب" معالجة حبوب نبات الخروع.

منذ أيام الفراعنة 

يمكن اعتبار الخروع من المواد "ذات الاستخدام المزدوج"، إذ يستطيع المرء استغلالها في مسائل صحية، كما أن "العبقرية الإنسانية" تفتقت عن استخدامات قاتلة له.

ويفيد موقع "هيلث لاين" بأن "زيت الخروع متعدد الأغراض، استخدمه البشر منذ آلاف السنين". ويشير إلى أنه "يستخرج من بذور نبات تسمى ريسينوس كوميونيس"، مضيفاً أن "هذه البذور المعروفة باسم حبوب الخروع تحتوي على إنزيم سام يُدعى الريسين". ويكشف أن "عملية تسخين يخضع لها زيت الخروع تعطّله، وهذا يتيح استخدام الزيت بأمان".

ويلفت الموقع إلى أن لزيت الخروع "استخدامات طبية وصناعية وصيدلانية"، مشيراً إلى "استخدامه بوصفه مادة مضافة في الأطعمة والأدوية ومنتجات العناية بالبشرة، إضافة إلى زيوت التشحيم الصناعية ومكوّن وقود الديزل الحيوي".

الموقع يفيد أيضاً بأن "مصر القديمة" شهدت "حرق زيت الخروع بوصفه وقوداً في المصابيح، واستخدامه علاجاً طبيعياً لأمراض مثل تهيّج العين، إضافة إلى وصفه للنساء الحوامل لتحفيز المخاض". ويشير إلى أن "زيت الخروع لا يزال حتى الآن علاجاً طبيعياً لحالات شائعة مثل الإمساك وأمراض الجلد، ويشيع استخدامه في منتجات التجميل الطبيعية".

7 فوائد واستخدامات 

ويتحدث موقع  "هيلث لاين" عن "7 فوائد واستخدامات لزيت الخروع"، هي أنه "مليّن قوي للجسم، ومرطّب طبيعي للبشرة، ومعزّز لالتئام الجروح، ومضاد للالتهابات، كما أنه يقلّل من حبّ الشباب، ويحارب الفطريات، ويحافظ على صحة الشعر وفروة الرأس".

ويذكر الموقع أن "زيت الخروع يعتبر آمناً بشكل عام"، منبّهاً في الوقت ذاته إلى أنه "يمكن أن يسبب ردود فعل سلبية وآثاراً جانبية"، بينها "تحفيز المخاض والإسهال والحساسية".

أما الموقع الإلكتروني لـ "مايو كلينيك"، وهو أحد أشهر المراكز الطبية في الولايات المتحدة والعالم، فيفيد بأن "الريسين هو سمّ يمكن صنعه من نفايات متبقية من معالجة حبوب الخروع".

ويحذر من "إمكان استخدام الريسين سلاحاً بيولوجياً وتحويله إلى رذاذ واستنشاقه"، إضافة إلى "تناوله في طعام مسموم أو إمدادات مياه ملوّثة أو حقنه" في الجسم.

الموقع يلفت إلى أن "أعراض التسمّم بالريسين تعتمد على ما إذا كان الشخص يستنشقه أو يتناوله". وأضاف أن "استنشاق الريسين يسبّب حمى وضيقاً في الصدر وسعالاً ومشكلات تنفسية حادة، بما في ذلك تراكم السوائل في الرئتين". ويكشف أن "تناول الريسين يسبّب نزيفاً معوياً وتلفاً في الأعضاء"، منبّهاً إلى أن "السمّ يمكن أن يقتل في غضون 3 أيام من التعرّض له"، كما أن "كمية ضئيلة من الريسين قد تكون قاتلة".

ويذكر الموقع أن "لا اختبار موثوقاً ومتاحاً على نطاق واسع لتأكيد التعرّض للريسين"، مضيفاً أن "لا لقاح أو ترياق لتسمّم الريسين"، بل إن "العلاج يتمثل في رعاية داعمة".

وتلفت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" في الولايات المتحدة إلى أن الريسين المتأتي من "مضغ حبوب الخروع وابتلاعها يمكن أن يسبّب جروحاً". وتشير إلى إمكان صنعه "على شكل مسحوق أو رذاذ أو حبيبات أو إذابته في ماء أو حمض ضعيف"، معتبرة أن "صنع مادة الريسين واستخدامها لتسميم الناس يتطلّب عملاً متعمداً".

وتنبّه إلى أن "الريسين شديد السمية"، إذ "يعمل من خلال التغلغل في خلايا الجسم ومنعها من صنع البروتينات التي تحتاجها". وتضيف: "من دون البروتينات تموت الخلايا. وفي النهاية هذا مؤذٍ للجسم كله وقد يسبّب الوفاة".

كيف يعمل الريسين

تشير  "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"  إلى أن "تأثيرات التسمّم بالريسين تعتمد على ما إذا كان قد تم استنشاقه أو بلعه أو حقنه". وتؤكد أن التسمّم به "ليس معدياً"، كما "لا يمكن أن ينتشر من شخص إلى آخر من خلال لمس عارض". وتلفت إلى أن المرء قد يتعرّض للريسين "إذا لمس شخصاً لديه مادة الريسين على جسده أو ملابسه"، علماً أن تلك المادة يمكن أن تبقى "على شكل مسحوق ناعم في الهواء". 

"المراكز" التي ذكرت أن "الريسين استُخدم تجريبياً في الطب لقتل خلايا سرطانية"، تشدد على أهمية "تجنب التعرّض له". وتفيد بأنه "إذا كان تجنب التعرّض له غير ممكن، فإن العامل الأكثر أهمية هو إزالة الريسين من الجسم أو إخراجه في أسرع وقت". وتؤكد أن "أنواع الرعاية الطبية الداعمة للضحايا تعتمد على عوامل كثيرة، مثل طريقة تسمّمهم"، ويشمل ذلك تمكينهم من التنفس، والحفاظ على رطوبة أجسامهم، وإعطائهم أدوية لمنع النوبات وزيادة ضغط الدم لديهم.

وأفاد موقع "ذي فيرج" بأن "استخدام الريسين شائع جزئياً لسهولة العثور عليه"، إذ إن حبوب الخروع "تنمو على شجيرة شائعة في أجزاء من الولايات المتحدة". ونقل الموقع عن بيتر تشاي، وهو متخصص في السموم الطبية في أحد مستشفيات مدينة بوسطن الأميركية قوله: "إنه أحد السموم القليلة الموجودة بكميات كبيرة في الطبيعة".

أما توماس بيتمان، وهو أستاذ متقاعد في جامعة جنوب مسيسيبي وخبير في علم السموم، فيقول لوكالة "أسوشييتد برس" إن "للريسين صفات تجعله مرغوباً لشخص عازم على الإيذاء لأن نيل مكوناته سهل نسبياً... وهو مميت ويصعب اكتشافه في جسد الضحية. إنه السم المثالي".

اغتيال جورجي ماركوف

هذا "السم المثالي" ظهر على الساحة الدولية للمرة الأولى في لندن في 11 سبتمبر 1978، بعد استخدامه في اغتيال الصحافي البلغاري المنشق جورجي ماركوف الذي فرّ إلى الغرب عام 1969.

وأفاد موقع شبكة "سي أن أن" بأن ماركوف كان "كاتباً مسرحياً وأديباً ساخراً، بثّ روايات لاذعة عن حياة المسؤولين الشيوعيين في بلغاريا، وتعرّض لمحاولتَي اغتيال فاشلتين قبل مقتله".

وأضاف أن ماركوف الذي كان يعمل في الخدمة العالمية لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) "شعر بلسعة قوية في فخذه ورأى رجلاً يحمل مظلّة، فيما كان ينتظر في محطة للحافلات على جسر ووترلو في لندن للعودة عبر قطار إلى منزله.

أما "رويترز" فأشارت إلى أن "روايات تفيد بأن ماركوف تطلع خلفه ورأى رجلاً يلتقط مظلّة سقطت منه على الأرض. وتمتم الرجل قائلاً: آسف، قبل أن يمضي".

0.2 ميلّيغرام من الريسين

موقع "سي أن أن" ذكر أن ماركوف أُصيب بارتفاع في درجة الحرارة وتوفي بعد 4 أيام. وأضاف أن تشريحاً لجثته أُجري بمساعدة علماء من مركز للحرب الجرثومية تابع للحكومة البريطانية أفاد "بقتله بواسطة حبيبة ضئيلة تحتوي على 0.2 ميلّيغرام من سمّ الريسين". وتابع أن "اكتشاف اغتيال ماركوف تم لأن الحبيبات التي تحمل السمّ لم تتحلل كما كان متوقعاً".

وأشار الموقع إلى "اشتباه بتورط" أجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) في العملية بمشاركة "قياديين في الشرطة السرية البلغارية". وأضاف: "في يونيو 1992، حُكم على الرئيس السابق لأجهزة الاستخبارات الجنرال فلاديمير تودوروف بالسجن 16 شهراً بعد إتلاف 10 مجلدات من مواد متعلقة بالملف".

وتابع أن "الجنرال ستويان سافوف، نائب وزير الداخلية وهو مشبوه ثانٍ، انتحر ليتجنب محاكمته بتهمة إتلاف ملفات". وزاد أن "الجاسوس البلغاري فازيل كوتسيف الذي يُعتقد على نطاق واسع بأنه كان القائد العملاني لمؤامرة اغتيال ماركوف قُتل في حادث سيارة غير مبرّر".

استهداف ترمب وأوباما

موقع "غلوبال نيوز" التابع لشبكة التلفزة الكندية أفاد بأن ولاية فرجينيا الأميركية شهدت في عام 1981 محاولة لاغتيال بوريس كورتزاك، وهو عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)، من خلال حبيبات الريسين أثناء تسوّقه في متجر، لافتاً إلى أن الأخير نجا من الموت.

وأشار إلى أن الموقع الإلكتروني لكورتزاك يزعم بأن "كي جي بي" نفذت المحاولة، إذ كان "تغلغل" سابقاً في أجهزة الاستخبارات السوفياتية.

الموقع الإلكتروني لـ"مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" أفاد بأن "الجيش الأميركي اختبر في أربعينات القرن العشرين استخدام مادة الريسين" في حرب. وأشار إلى "تقارير تفيد باحتمال استخدام الريسين بوصفه عامل حرب في الثمانينات في العراق، وأخيراً بواسطة تنظيمات إرهابية".

وكالة "أسوشييتد برس" أفادت بأن عنصراً متقاعداً في البحرية الأميركية، يُدعى وليام كلايد ألن، أقرّ عام 2018 بإرساله مغلفات "تحتوي على مادة بذور الخروع" إلى ترمب ومسؤولين آخرين، بينهم مدير "مكتب التحقيقات الفيدرالي" كريستوفر راي ووزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس. ولا يزال ألن محتجزاً.

وأفادت "رويترز" بإدانة شخصين، في حادثين منفصلين، بتوجيه رسائل تحتوي على الريسين إلى أوباما وآخرين. وفي هاتين القضيتين، حُكم عام 2014 على رجل من ولاية مسيسيبي يُدعى جيمس إيفريت دوتشكي بالسجن 25 سنة، وعلى ممثل من تكساس بالسجن 18 سنة.

وفي 2014، دان القضاء الأميركي الممثلة شانون ريتشاردسون بتهمة "استخدام أسلحة بيولوجية"، على خلفية إرسالها رسائل تحتوي على مادة الريسين السامة إلى الرئيس أوباما ورئيس بلدية نيويورك آنذاك مايكل بلومبرغ، وحكم عليها بدفع غرامة تفوق 367 ألف دولار وبالسجن 18 عاماً.

وفي ألمانيا، قضت محكمة في مدينة دوسلدورف في يونيو الماضي بالسجن 8 سنوات على متشددة ألمانية تُدعى ياسمين هـ.، دينت بالتخطيط لشنّ هجوم بيولوجي بواسطة سمّ الريسين. وكانت المحكمة قضت قبل 3 أشهر بسجن زوجها التونسي 10 سنين في الملف ذاته، علماً أنهما بايعا "تنظيم الدولة"، وفق "فرانس برس".

وكان لافتاً أن صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت في عام 2015 إلى "اكتشاف آثار لمادتَي الريسين والسارين في سوريا"، معتبرة أن ذلك "قوّض ما اعتبره أوباما (الرئيس السابق) نصراً لسياسته الخارجية، وهو تدمير الترسانة الكيماوية للرئيس بشار الأسد"، بعد اتفاق مع روسيا دفع الرئيس الأميركي السابق عام 2013 إلى الامتناع عن تنفيذ تهديده باستخدام القوة، إذا انتهك الأسد "خطاً أحمر" واستخدم سلاحاً كيماوياً ضد شعبه.