فقراء لبنان في رمضان.. صيام إجباري تحت وطأة الجوع

time reading iconدقائق القراءة - 10
جانب من مقبرة "غرباء" الواقعة في حي يحمل الاسم نفسه في مدينة طرابلس بلبنان، حيث اعتادت عائلات فقيرة مهمشة أن تعيش 14 أبريل 2021   - AFP
جانب من مقبرة "غرباء" الواقعة في حي يحمل الاسم نفسه في مدينة طرابلس بلبنان، حيث اعتادت عائلات فقيرة مهمشة أن تعيش 14 أبريل 2021 - AFP
دبي - الشرق

يحل شهر رمضان على كثير من اللبنانيين هذا العام بنكهة مختلفة عما اعتادوا عليه في السنوات السابقة وسط أزمة اقتصادية طاحنة دفعت الكثيرين إلى دائرة الفقر، حتى أن البعض لا يجد ما يسد رمقه إلا من حاويات القمامة.

ويأتي الشهر، بحسب تقرير لشبكة (سي إن إن)، في أجواء من الركود الاقتصادي الذي تصاعد منذ أواخر عام 2019، مما حوَّل لبنان الذي كان ذات يوم من أعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول العالم العربي غير المنتجة للنفط، إلى مرتع من انعدام الأمن الغذائي.

وبسبب الانهيار المالي، من المرجح أن يعيش أكثر من 50% من سكان لبنان البالغ عددهم حوالي 7 ملايين تحت خط الفقر، وفقاً للبنك الدولي، بجانب أكثر من 1.5 مليون يعيشون في فقر مدقع.

وتقول "سي إن إن" إنه بالنسبة لمئات الآلاف من الأسر المسلمة، فإنها لا تجد ما يسد رمقها على وجبة الإفطار، بينما أصبح عدد كبير منهم يعتمد على أموال الصدقات.

واليوم، لا تمتلك خديجة، وهي سيدة من سكان بيروت، في محفظتها، غير ما يعادل 35 سنتاً، وغداً قد لا يكون لديها شيء.

وعلى بعد أربعة شوارع، لا يمتلك أحمد شبلي أي شيء في جيبه.

وقال أحمد البالغ من العمر 22 عاماً، وهو جالس على حافة بالقرب من حديقة مسيجة صغيرة في حي رأس بيروت: "لم يعد الناس يساعدون بعضهم البعض".

ويضيف وهو يشير إلى طفل يبلغ من العمر 11 عاماً يبحث في القمامة، "لقد وصلنا في النهاية إلى هذا الحد".

مساعدات خيرية

وتعتمد خديجة وأسرتها على المساعدات الخيرية، لكنها لا تكفيها، حتى أنها لم تستطع طبخ وجبة طعام منذ أسبوعين، وبدلاً من ذلك اعتمدت على بقايا الطعام التي يقدمها لها الجيران.

 وقالت خديجة (42 عاماً) وهي أصلاً من قرية الخيام في جنوب لبنان، لكنها تعيش الآن في العاصمة: "في السابق، كان بإمكاننا شراء الزيت والأدوية والحليب واللحوم والدجاج والحليب لأولادي، ويتبقى معنا شيء لندخره.. لكن الآن، بالكاد نستطيع توفير أي شيء".

 وكان زوجها علي، وهو حارس عقار في مبنى متهالك بالقرب من الجامعة الأميركية ببيروت يتقاضى ما يعادل حوالى 300 دولار شهرياً قبل الأزمة - وهو ما يكفي لتعيش الأسرة. في مثل هذا الوقت من العام الماضي، عندما بدأت العملة في الانخفاض، انخفضت قيمة هذا الراتب إلى 70 دولاراً في الشهر. واليوم يبلغ 37 دولاراً - ما يزيد قليلاً عن دولار واحد في اليوم.

وقالت خديجة: "لم أستطع إطعام طفلي أمس". وتضيف: "لا بأس على الرغم من ذلك. أفضل أن يعتاد أطفالي على عدم تناول الطعام".

ارتفاع الأسعار

وفي غضون عام واحد فقط، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 350%، وفقاً لمجموعة مرصد الأزمات في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو فريق تم تشكيله لتتبع تداعيات الأزمة المالية في لبنان.

كما أفاد مرصد الأزمات أنه خلال الأسبوع الأول من رمضان هذا العام وحده، ارتفعت تكلفة وجبة الإفطار الشائعة للأسرة المكونة من خمسة أفراد في لبنان (التمر وحساء العدس وسلطة الفتوش والأرز بالدجاج واللبن) بنسبة 23.4%.

 وقالت خديجة: "في بعض الأيام، لا يستطيع الجيران التبرع بالكثير من طعامهم، وعلينا الاكتفاء فقط بالبطاطا المقلية على الإفطار". "الحمد لله. ما زلنا نقول الحمد لله".

"نأكل من القمامة"

وتعتبر خديجة نفسها محظوظة بعض الشيء مقارنة بأشخاص آخرين ممن يضطرون إلى تناول طعامهم من صناديق القمامة.

أحد هؤلاء هو أحمد، وهو لاجئ سوري يبيع الخردة من علب القمامة منذ وفاة والده قبل خمس سنوات.

ويدأب أحمد على فرز القمامة منذ الفجر. ويحيط به اثنان من أبناء عمومته الأصغر سناً، ويتجول في أنحاء المدينة حاملاً كيساً كبيراً من القمامة المجمعة.

قبل الأزمة المالية في لبنان، كان يبيع المواد القابلة لإعادة التدوير بما يعادل حوالي 30 دولاراً في اليوم. وكان ذلك يكفي أن يدفع إيجار شقته الصغيرة في حي فقير في جنوب بيروت، وشراء لوازم البقالة لزوجته وأمه وطفليه. لكن دخله الآن بالكاد يغطي إيجاره. وللحصول على القوت، يجب أن يفعل ما كان يخشاه منذ فترة طويلة - إطعام أطفاله من حاويات القمامة في المدينة.

فقراء لبنان الجدد

وفي الوقت الذي ينضم فيه ملايين الأشخاص في لبنان إلى صفوف الفقراء ، فإنهم لا يصارعون فقط انعدام الأمن الاقتصادي، ولكن أيضاً مع العار. 

فبعض الذين كانوا يعتبرون، منذ وقت ليس ببعيد، من الطبقة المتوسطة، يتسولون الآن خفية للحصول على المال من المارة.

وينفجر رجل يقود سيارة مرسيدس بنز في البكاء وهو يطلب من أحد المشاة دفع ثمن دواء لقلبه، وتجلس زوجته في مقعد الراكب، وتغطي وجهها بيديها وهي تنظر من النافذة.

وهناك رجل آخر في منتصف العمر يرتدي قميصاً أبيض اللون يزيل صدور الدجاج النيئة منتهية الصلاحية من سلة المهملات. عندما يعرض عليه أحد المارة نقوداً، يرتسم على وجهه تعبير مؤلم ويقول "أنا أبحث فقط عن طعام للقطط الضالة".

أزمة غير مسبوقة

ويشهد لبنان منذ عام ونصف العام، أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، وشحّاً في السيولة بالدولار وتدهوراً قياسياً في قيمة العملة الوطنية.

وبعدما خفَّضت تدريجياً سقف السحوبات النقدية بالدولار ومنعت التحويلات إلى الخارج، أوقفت المصارف اللبنانية اعتباراً من مارس 2020، كلَّ السحوبات بالعملات الأجنبية.

وحالياً يتخطَّى سعر صرف الدولار في السوق السوداء 12 ألفاً و500 ليرة، في حين يبلغ سعر الصرف في المصارف 3900 ليرة، علماً أنّ سعر الصرف الرسمي هو 1507 ليرات.

والظروف الاجتماعية والاقتصادية في لبنان في تدهور مستمرّ منذ أغسطس 2020. وبات أكثر من 50% من اللبنانيين تحت خطّ الفقر، في حين تخطّت نسبة التضخّم 140 في المئة في عام 2020.