القصة الكاملة لفضيحة التنصّت الأميركي على أوروبا عبر الدنمارك

time reading iconدقائق القراءة - 11
مقرّ وكالة الأمن القومي الأميركية في ماريلاند، 10 مايو 2015 - Reuters
مقرّ وكالة الأمن القومي الأميركية في ماريلاند، 10 مايو 2015 - Reuters
دبي - الشرق

اهتزّت مجدداً العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أوروبية حليفة، بعدما أفاد تقرير بتعاون وكالة الأمن القومي الأميركية مع جهاز الاستخبارات العسكرية في الدنمارك، "للتجسّس" على ساسة أوروبيين بارزين، بينهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بين عامَي 2012 و2014.

التقرير الذي نشرته هيئة الإذاعة الدنماركية العامة، بالتعاون مع وسائل إعلام أوروبية أخرى يستند إلى تحقيق داخلي سرّي، استكمله الجهاز المذكور في عام 2015، وبدأ قبل سنتين، بعد مخاوف أثارتها تسريبات إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية، في عام 2013، كشفت تجسّسها على أميركيين ومواطني دول حليفة.

تجدر الإشارة إلى أن سنودن فرّ من الولايات المتحدة إلى روسيا، التي منحته حق اللجوء. وبعد نشر تقرير هيئة الإذاعة الدنماركية العامة، كتب سنودن ساخراً، باللغة الدنماركية على "تويتر": "فقط لو كان هناك سبب لفتح تحقيق منذ سنوات. لماذا لم يحذّرنا أحد؟".

غضب أوروبي

التقرير المذكور، أثار غضباً أوروبياً، وتوالت ردور الفعل خاصة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل اللذين دعيا الولايات المتحدة والدنمارك، الاثنين، إلى تقديم "توضيحات" بشأن المزاعم عن تجسس على بعض المسؤولين الأوروبيين بينهم المستشارة الألمانية.

وقال الرئيس الفرنسي إثر اجتماع وزاري فرنسي ألماني: "إذا كانت المعلومة صحيحة (...) فهذا غير مقبول بين حلفاء، وغير مقبول أيضاً بين حلفاء وشركاء أوروبيين". 

وأضاف: "إنني متمسك برابط الثقة الذي يوحد الأوروبيين والأميركيين، ولا مكان بيننا للشكوك. لهذا السبب، فإن ما ننتظره هو الوضوح الكامل. لقد طلبنا أن يقدم شركاؤنا الدنماركيون والأميركيون كل المعلومات حول هذه التسريبات وهذه الوقائع الماضية، ونحن ننتظر هذه الأجوبة".

وقالت ميركل: "لا يمكنني إلا أن أؤيد تصريحات إيمانويل ماكرون. لقد شعرت بالاطمئنان لكون الحكومة الدنماركية، وبين أعضائها وزيرة الدفاع، أعلنت أيضاً بوضوح شديد موقفها من هذه الأمور (...) إنه أساس جيد ليس لتوضيح الوقائع فحسب، بل أيضاً لإرساء علاقات من الثقة".

اعتراض اتصالات

وتستضيف الدنمارك، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة، محطات لكابلات الإنترنت البحرية، من السويد والنرويج وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة، وإليها، كما أفادت وكالة "رويترز".

وأضافت الوكالة أن وكالة الأمن القومي الأميركية استخدمت برنامج تحليل طوّرته، ومعروف باسم Xkeyscore، لاعتراض مكالمات هاتفية ونصوص ورسائل دردشة من هواتف مسؤولين في دول مجاورة وإليها، بينهم ميركل، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي كان زعيماً للمعارضة الاشتراكية في البرلمان، ثم وزيراً للخارجية، وزعيم المعارضة الاشتراكية آنذاك بير شتاينبروك، إضافة إلى مسؤولين بارزين، لم تُذكر أسماؤهم، في فرنسا والسويد والنرويج.

وأفاد الموقع الإلكتروني لشبكة "دويتشه فيليه" بأن الاستخبارات الدنماركية ساعدت الوكالة الأميركية في التجسّس على وزارتَي الخارجية والمالية الدنماركية، وشركة دنماركية لتصنيع أسلحة. كذلك تعاون الجهازان في عمليات تجسّس استهدفت الحكومة الأميركية. وأضاف الموقع أن الحكومة الدنماركية علمت بهذه الفضيحة، بحلول عام 2015 على أبعد تقدير.

"كلمات رئيسة"

صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي نشرت التقرير أيضاً، أفادت بأن 4 عملاء متخصصين في جهاز الاستخبارات العسكرية بالدنمارك، التقوا سراً للبحث في "المحددات"، أو "الكلمات الرئيسة" التي اختارتها وكالة الأمن القومي الأميركية، بين عامَي 2012 و2014، واستخرجتها من تدفّق البيانات التي اعترضتها في الدنمارك، علماً أنها كانت في الواقع، أرقام هواتف أو عناوين بريد إلكتروني، وأحياناً عناصر أخرى أكثر تقنية.

ويستنتج التقرير السري، وهو بعنوان "عملية دنهامر"، أن وكالة الأمن القومي الأميركية استغلّت شراكتها مع الدنمارك، للتجسّس على دول حليفة، ما يجعل كوبنهاغن شريكة في الأمر، على الأقلّ بدافع السذاجة، وفق "لوموند".

وأشارت الصحيفة إلى أن التقرير أبرز مجدداً الشراكات بين أجهزة الأمن، وهي "واحدة من أكثر الجوانب سرية في عالم الاستخبارات". وأضافت أن الشراكة بين وكالة الأمن القومي الأميركية وجهاز الاستخبارات العسكرية الدنماركية، تعزّزت قبل نحو 10 سنين، من خلال استضافة الدنمارك نظاماً ضخماً لاعتراض البيانات، على الكابلات البحرية، وكثير منها يبلغ البلاد من بحر البلطيق.

ونقلت هيئة الإذاعة الدنماركية العامة عن مصدر في الاستخبارات الدنماركية قوله: "قبل ذلك، كان في إمكاننا الاستماع إلى القليل من هنا وهناك. فُتحت الأبواب بالكامل. تمثّلت المشكلة الوحيدة في معالجة كل البيانات المتاحة، وتخزينها". ولهذا الهدف، شُيّد مركز تخزين، بمساعدة وكالة الأمن القومي الأميركية، داخل منشأة تابعة للاستخبارات الدنماركية، على الطرف الجنوبي من جزيرة أماغير، جنوب كوبنهاغن، حيث تصل البيانات المسحوبة من الكابلات، قبل تصفيتها وتخزينها.

"شركاء الطرف الثالث"

"لوموند" ذكرت أن معلومات سنودن أتاحت معرفة أن وكالة الأمن القومي الأميركية اقترحت اتفاقات كثيرة مشابهة، على ما تسمّيه "شركاء الطرف الثالث"، إذ تقدّم الوكالة خبرتها الفنية واللوجستية، لإعداد مركز تنصّت داخل البلد الشريك. وتُستخدم هذه المراكز بشكل مشترك. وفي عام 2010، أفادت وثيقة للوكالة الأميركية، سربّها سنودن، بأن لدى الوكالة خمساً من هذه الشراكات.

وأشارت الصحيفة إلى أن كشف اتفاق مشابه في ألمانيا، أثار فضيحة وأدى إلى فتح تحقيق برلماني. وفي الدنمارك، جُمّد عمل جميع مسؤولي جهاز الاستخبارات العسكرية، في أغسطس 2020، واستُدعي رئيسه السابق، الذي كان على وشك أن يصبح سفيراً في برلين. لكن التعاون مع وكالة الأمن القومي الأميركية مستمرّ.

وبما أن أحداث الفضيحة جرت خلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ذكّرت "لوموند" بأن اتهام وكالة الأمن القومي الأميركية بالتجسّس على قادة دول حليفة، ليس الأول. ففي عام 2013، أشارت وسائل إعلام، بناءً على وثائق سنودن، إلى أن السفارة الأميركية في برلين تجسّست على ميركل، كما خضع شتاينماير لمراقبة. وبعد تلك الفضيحة، تعهد أوباما بوقف التجسّس على حلفاء الولايات المتحدة.

"التجسّس بين الأصدقاء"

ألمانيا قررت في عام 2017، الامتناع عن فتح تحقيق رسمي في الاتهامات بتجسّس الوكالة الأميركية على أراضيها، إذ اعتبر مدعون أن ما كشف عنه سنودن لا يقدّم "أدلة ملموسة" في هذا الصدد.

وأدلت ميركل بشهادة أمام البرلمان، بشأن هذا الملف، مشيرة إلى أن لا أدلة على أن الأميركيين استمعوا إلى اتصالاتها الهاتفية. 

على الرغم من ذلك، شكت المستشارة الألمانية، في عام 2013، من أن "التجسّس بين الأصدقاء" أمر غير مقبول. وأضافت أنها أصرّت على أوباما على أن تلتزم أجهزة الاستخبارات الأميركية العاملة في ألمانيا، بالقانون الألماني. وتابعت أنها قالت للرئيس الأميركي السابق: "لم نعد في الحرب الباردة".

وزادت: "ثمة دائماً تناقضات بين الحرية والأمن، ويجب الحفاظ على توازن"، وفق "دويتشه فيليه"، علماً أن وكالة الأمن القومي الأميركية نفت تقارير إعلامية ألمانية، أفادت بأن أوباما أُبلغ في عام 2010 بتجسّس الوكالة على ميركل، وسمح بمواصلة ذلك.

لكن "رويترز" ذكرت أن موقع "ويكيليكس" أفاد بأن وكالة الأمن القومي الأميركية تنصّتت خلال سنوات طويلة، على 125 رقماً هاتفياً لمسؤولين ألمان بارزين، بينهم ميركل وأقرب مستشاريها، إضافة إلى موظفي المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر وسلفه هيلموت كول.

تجسّس ألماني على أميركا

في المقابل، نشرت مجلة "در شبيغل" الألمانية وثائق، في عام 2017، أظهرت أن أجهزة الاستخبارات الألمانية تجسّست لسنوات على شركات ومؤسسات حكومية في الولايات المتحدة، بما في ذلك البيت الأبيض، وعلى حلفاء أوروبيين، ما أحرج برلين.

وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى قاعدة مراقبة سرية جداً في بلدة باد أيبلنغ، بمقاطعة بافاريا، شارك فيها الألمان والأميركيون بعمليات استخباراتية، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وشمل التعاون الاستفادة من بيانات ألمانية حساسة، بما في ذلك عمليات اعتراض نفذتها أقمار اصطناعية، ومعلومات يتم الوصول إليها عبر مراكز كابلات الإنترنت الرئيسة في فرانكفورت.

اقرأ أيضاً: