"مفروكة".. مسرحية لبنانية ترصد أزمات قانون الأحوال الشخصية

time reading iconدقائق القراءة - 5
مشهد من مسرحية "مفروكة" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
مشهد من مسرحية "مفروكة" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
بيروت-رنا نجار

أثارت المسرحية اللبنانية "مفروكة" جدلاً واسعاً منذ انطلاقها على مسرح مونو بالعاصمة بيروت، قبل أيام، لكونها تستعرض معاناة المرأة في حصولها على الطلاق والحضانة وما بينهما من صراعات التحرّر من القيود المجتمعية. 

وتدور أحداث المسرحية حول "أمل"، المرأة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، والتي تُطلق "صرخة" في وجه العادات والتقاليد والسلطات الدينية والسياسية، عندما تصطدم بخيانة زوجها وتقصير القوانين في إعطائها حقوقها، وذلك في إطار كوميدي يبتعد عن الوعظ واللغة الخطابية. 

المسرحية من إخراج رياض شيرازي، وتأليف مروى خليل ووفاء حلاوي، اللتين تقاسمتا البطولة أيضاً مع الممثلة سيرينا الشامي. 

ويتناوب على تجسيد معاناة "أمل" 3 ممثلات، إذ يستعرضن حجم الآلام التي تواجه المطلقة، وتجاربها المرّة في المحاكم الشرعية والروحية، لتغطي القصة المعاناة في مختلف الطوائف اللبنانية، خصوصاً من ناحية إعطائها الحضانة وتأمين النفقة أو الحرية باختيار الانفصال. 

وتُعد "مفروكة" جزءاً ثانياً لمسرحية "زنود الستّ"، التي تتناول حياة زوجة مثالية وتحوّلات حياتها بعد فرحة العرس والإنجاب، التي تفرضها عليها العادات والتقاليد.

التوازي بين الجدية والهزل

وأبدى المخرج رياض شيرازي إعجابه الشديد بفكرة وطريقة كتابة مسرحية "مفروكة"، وتداخل الأحداث بطريقة غير متسلسلة زمنياً، إذ بها مساحات زمنية ومعالجة عميقة تسمح للمخرج بالإبحار في أبعاد وآفاق مُحفّزة للعمل. 

وقال شيرازي لـ"الشرق" إنّ "جمالية النص تكمن أيضاً في موازاته بين الهزل والسخرية، والكوميديا السوداء والألم، والجديّة والمعلومات القانونية المبنية على بحث معمّق، والوجع الذي تعانيه المرأة خلال عملية الطلاق واتخاذ القرار وما بعده". 

وأشار إلى انحيازه دوماً إلى الأعمال التي تعالج قضايا النساء، والعذاب الصامت الذي تتعرض له المرأة في المجتمعات الشرقية. 

حث المشاهد على التفكير

وأكد مخرج "مفروكة" أن المسرحية تستهدف الجمهور بمختلف فئاته، قائلاً: "أردت أن يبحث الجمهور عن التسلية والتوعية أيضاً، ومناقشة قضايا إنسانية عبر المسرح".

وأعرب عن آماله بأن يُفكر المُشاهد خلال حضوره المسرحية، ويطرح أسئلة، ويشعر بالمشهد والممثل، علاوة على أن يحثه العمل على الفعل وردّة الفعل وإثارة جدل والتوعية حول قوانين الأحوال الشخصية. 

وترى وفاء حلاوي أنّ "مشاركة ممثلين آخرين في تجسيد شخصية واحدة أمر صعب، لأن كل واحدة منّا تؤدي جزءاً من هذه المرأة، التي كثفنا قصصها ومعاناتها لتمثل أغلبية النساء المطلقات في لبنان".

وأضافت حلاوي لـ"الشرق" أنّ "الأمر على الخشبة كان أشبه بلعبة ممتعة وخطرة، كل واحدة منا تكمّل الأخرى، وتسلّمها الدور بسرعة فائقة لإعطاء نوع من الميلودي لإحساس أمل، كنا نتقاذف الكرة ونبحث عن لحظات الصدق والحقيقة جميعاً في مشهد واحد". 

وحول اختيار الكوميديا في رصد قضايا المرأة في لبنان، قالت إنّ "هذه عادتنا، أنا وشريكتي مروى خليل، نكتب نصوصنا بطريقة تدمج بين العمق والخفّة، ورأينا أن الشعب اللبناني تعب من الدراما، فاخترنا الكوميديا والضحك لنبعد المشاهد عن التراجيديا، ولنوصل رسائلنا السياسية والاجتماعية بشكل مرِح ومباشر كي لا نضع الجمهور في موقف دفاعي".

قصص حقيقية

وقالت وفاء حلاوي، إنّ "فكرة كتابة النص تعود في البداية إلى مروى خليل، حيث كانت صديقتها تمرّ بحالة مماثلة، وعاشت معها أزمة القوانين ونظرة المجتمع لمسائل الطلاق والحضانة والنظام السياسي المتواطئ".

وأضافت "بدأنا البحث عن قصص مطلقات ومقابلتهنّ لتسجيل شهاداتهنّ وتفاصيل التحولات في حياتهن بعد الطلاق لتحويلها إلى مشاهد درامية كوميدية، إضافة إلى البحث في القوانين والمعلومات حول الأحوال الشخصية، التي أسهمت في الإشراف عليها المستشارة القانوينة نايلة جعجع".

ضحايا

من جهتها، شددت مروى خليل على أهمية القضية، التي تتناولها المسرحية، قائلة لـ"الشرق" إنّ "هذه القضية يذهب ضحيتها نساء كثيرات يقتلن على يد أزواجهن أو تُرهَن حرياتهنّ بمزاج الزوج والمحاكم الشرعية والروحية".

وترى أن "المباشرة في رصد معاناة المرأة المطلقة لا ينقص من قيمة النص، لأنها مقصودة في مشاهد كثيرة تحمل كمّاً من المعلومات وهدفها توعوي". 

وأضافت أن "النص يحمل مشاهد رمزية، مثل فكرة المحبس والكعب العالي والأوراق الممزقة التي تمثّل عقد الزواج، وهناك الخيط الدرامي الأساسي، الذي تحاور فيه أمل الجارة، التي لا نراها، وتصرخ في وجهها رافضة التدخل في حياتها والنظرة الأبوية إليها كمرأة متحرّرة، وهنا الجارة تمثّل المجتمع، خصوصاً النساء التقليديات".

وأشارت خليل إلى اختيار "مفروكة" عنواناً للمسرحية، حيث ترى أن "ذلك جزء من جوّ المسرحية الكوميدي الأسود، كونه يجمع بين الحلو والمرّ، فقد يفهمها البعض على أنها اسم لطبق حلويات لبناني، أو آتية من المثل الشعبي الشهير (مثل القملة المفروكة)، والتي يقولها الرجل لزوجته للتعبير عن السيطرة عليها وجعلها كالخاتم في إصبعه، كما تستخدم الكلمة للتعبير عن مدى تعرّض المرأة للظلم والعذاب في الحياة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات