اللبنانيون يستبدلون المصارف بمكاتب التحويلات المالية

time reading iconدقائق القراءة - 6
داخل أحد مكاتب تحويل الأموال في العاصمة اللبنانية بيروت - 27 يوليو 2022 - AFP
داخل أحد مكاتب تحويل الأموال في العاصمة اللبنانية بيروت - 27 يوليو 2022 - AFP
بيروت-أ ف ب

بعدما أنهكت المصارف وقيودها المشددة اللبنانيين، دخلت شركات الحوالات المالية إلى سوق لبنان بكل ثقلها، ولم يعد يقتصر عملها على التحويلات من الخارج، بل باتت تقدم خدمات تتنوع بين بطاقات "فيزا" وقائمة هدايا الزفاف، وحتى دفع الرواتب.

على وقع الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خريف 2019، فرضت المصارف اللبنانية قيوداً مشددة على عمليات السحب بالدولار ومنعت التحويلات للخارج، منذ الأسابيع الأولى للأزمة، ما جعل المودعين عاجزين عن التصرّف بأموالهم خصوصاً بالدولار.

وبينما فقدت الودائع بالليرة قيمتها مع انهيار سعر العملة المحلية في السوق السوداء، شهدت قاعات الانتظار في المصارف سجالات متكررة بين مواطنين غاضبين راغبين في الحصول على ودائعهم، وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم، آخرها في أغسطس حين اقتحم شاب فرعاً مصرفياً وأخذ رهائن داخله، ليحصل في النهاية على جزء صغير فقط من أمواله المحتجزة منذ 3 سنوات.

وجراء انعدام الثقة تدريجياً بالقطاع المصرفي الذي شهد تسريح آلاف الموظفين، وإقفال عشرات الفروع وإلغاء العديد من الخدمات، ازدهرت مكاتب الحوالات المالية.

الموت في المصرف

أمام شركة "أو إم تي"، التابعة لشركة "ويسترن يونيون" العالمية للحوالات ينتظر إلياس سكاف (50 عاماً) دوره ليتسلم مبلغاً مالياً بالدولار الأميركي يرسله له أفراد عائلته في الخارج، وبات مصدر رزقه الأبرز.

يقول إلياس إن شركات الحوالات المالية "تُسهل أمورنا، وتعالج الأمور بسرعة. أما في المصرف، فتموت 100 مرة قبل أن تُحصِّل حوالة تصل إلى حسابك".

وبدلاً من اللجوء إلى مصرفه المعتاد لفتح حساب خاص بقائمة هدايا العروسين، اختار إيلي شركة  "ويش ماني" Whish Money، ليوفر بذلك على أصدقائه تعب زيارة المصرف.

وتابع أنه "بدلاً من الانتظار لساعات وفروا وقتاً ورسوماً بعكس المصرف"، مضيفاً: "حتى إن أحدهم أرسل لي مبلغاً مالياً عبر التطبيق مباشرة من دون أن يضطر إلى النزول إلى المصرف". واختار إيلي الشركة ببساطة لكونها الشركة ذاتها التي يقبض عبرها راتبه.

"من دون رسوم"

أحد متاجر بيع الملابس الرياضية، توقف عن دفع الرواتب عبر المصارف لتوفير الجهد والوقت والرسوم على موظفيه، مفضلاً اللجوء إلى Whish Money، التي لا تفرض رسوماً على السحوبات بالليرة اللبنانية.

وتقول راشيل بو نادر، مسؤولة الموارد البشرية في المتجر: "في بداية الأزمة، أجبرنا على دفع الرواتب نقداً، ما كان يستهلك الكثير من الوقت"، وتضيف: "الآن، بات باستطاعة الموظفين سحب رواتبهم بسهولة، وعلى دفعات إن شاؤوا، ومن دون رسوم".

وإضافة إلى القيود على العمليات المالية، رفعت المصارف اللبنانية أيضاً قيمة رسومها على الخدمات، وبينها تلك المفروضة على الحوالات القادمة من الخارج، لكون تلك الرسوم "باتت مصدر دخلها الوحيد"، وفق ما يقول سامي نادر، مدير "مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية".

وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، استلم نحو 250 ألف لبناني حوالات من الخارج عبر شركة "أو إم تي"، التي تسيطر على 80% من سوق الحوالات المالية خارج القطاع المصرفي. 

ويوضح عضو المجلس الإداري للشركة ناجي أبو زيد أن الحوالات المالية ارتفعت بنسبة 8% مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2021، ويضيف: "ينتشر في لبنان 1200 مكتب تابع لنا".

ولا يقتصر الأمر فقط على الحوالات، إذ إن الشركة باتت تقدم خدمات أخرى، بينها بطاقات "فيزا" للسحوبات والدفع عبر الإنترنت، وخدمة صرف الأموال، وقوائم هدايا الأعراس.

ويمكن للمشتركين في المواقع الإلكترونية التابعة لمحطات تلفزيونية، دفع رسوم الاشتراك عبر "أو إم تي" بدلاً من استخدام البطاقات المصرفية. كما من الممكن دفع ثمن تذاكر إحدى شركات الطيران.

تحويلات المغتربين 

ومع توسع سوق الحوالات، فتحت شركة "ريا" في عام 2020 مكاتبها في لبنان. وتقول مسؤولة بالشركة في لبنان، فضلت عدم الكشف عن اسمها: "تغيرت التوجهات بعد الأزمة، وباتت أغلبية التحويلات تتم عبر شركات الحوالات المالية".

ويعود ازدهار تلك الشركات بشكل أساسي، وفق سامي نادر، إلى الأموال التي يرسلها المغتربون اللبنانيون إلى عائلاتهم في لبنان.

ويقول: "لا يتردد شاب لبناني في الاغتراب اليوم في إرسال وإن كان 100دولار فقط لعائلته، فإنها كافية لإحداث فرق" في حياتهم اليومية.

وبلغت تحويلات المغتربين 6.6 مليار دولار في عام 2021، وفق إحصائيات البنك الدولي، مع جعل لبنان بين الدول الثلاث الأولى في الشرق الأوسط التي تعتمد على حوالات مواطنيها في الخارج. وبلغت نسبة تلك الحوالات 53.8% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبانتظار تسلم حوالة من الخارج من مكتب "أو إم تي" في بيروت، يقول علاء شيخاني (45 عاماً): "لا يُمكننا أن نسحب ليرة واحدة من حساباتنا في المصرف".

ويتساءل شيخاني بانفعال نابع من احتجاز أمواله في أحد المصارف منذ بدء الأزمة: "كيف نثق بها مجدداً لنتسلم عبرها أموالنا؟".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات