سامي كلارك... رحيل أغنية بيروت المتنوعة وذاكرة الطفولة

time reading iconدقائق القراءة - 6
الفنان اللبناني الراحل سامي كلارك - الوكالة الوطنية للإعلام (وطنية)
الفنان اللبناني الراحل سامي كلارك - الوكالة الوطنية للإعلام (وطنية)
بيروت-رنا نجار

رحل المغني والموسيقي والممثل اللبناني سامي كلارك، الأحد، في بيروت بعد أزمة قلبية، عن عمر يناهز 74 سنة، تاركاً وراءه إرثاً غنياً من الأغاني والألحان العربية والأجنبية التي تفوق الـ 800 عمل و73 نشيداً وطنياً.

 شكّل كلارك بخامة صوته الجميلة الفريدة وبأغانيه البسيطة المتنوّعة غير المتكلّفة، بلغات عدّة مثل الإنجليزية والفرنسية والأرمنية واليونانية والروسية والألمانية والعربية، ظاهرة فنية عصرية في موسيقى "البوب" اللبناني وأيقونة لجيل عايش أغانيه وحفظها عن ظهر قلب خصوصاً خلال الحرب الأهلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. 

في تلك الفترة كانت الأغاني الوطنية هي السائدة وكان الصراع ليس على جبهات القتال فقط، بل في الموسيقى والكلمة واللحن والمزايدة على حب "لبنان الأخضر"، فأتت أغاني كلارك مثل "آه آه على هالايام" و"قومي نرقص يا صبية" و"معليش الله يسامحك" و"لمن تغني الطيور" و"قاضي الغرام" وغيرها، لتحجز لها مكاناً بعيداً عن السائد المعقّد والضائع بين الهوية العربية والغربية. 

كانت أغاني كلارك وألحانه المتأثرة بالأغنية الشعبية الفرنسية والبوب الأوروبي، جريئة ومتصالحة مع هويتها الغربية وتعترف بها لتطرح نمطاً عصرياً يشبه لغة جيلها وأهوائه وسلوكياته وتذوّقه الفني المتأثر بالغرب.

ولا تزال أغانيه وتترات المسلسلات التي غناها مثل "جرندايزر" تصدح حتى اليوم في الحفلات والأعراس وأماكن السهر وتتفاعل معها أجيال مختلفة، فهي "تشبه بيروت الكوزموبوليتية المتنوعة التي تمزج بين العربي والغربي بسلاسة قريبة من القلب ولطيفة على الأذن"، كما قال الملحن اللبناني سليم عساف. 

رصيد فني ثري

قدّم سامي كلارك وإسمه الحقيقي سامي حبيقة، 9 برامج تلفزيونية للهواة، و12 برنامجاً إذاعياً، وشارك في 3 أفلام سينمائية، هي "الممرّ الأخير" و"حسناء وعمالقة" و"لعبة النساء"، وترك 857 أغنية، و73 نشيداً وطنياً، بحسب مقابلة له مع جريدة "الديار" في 2019. وتعاون مع عددٍ من كبير من الشعراء والملحنين، منهم جوزيف حنا وإيلي العليا وأنطوان رعد وزياد الرحباني. 

وأطلق الراحل أغاني باللغة الأجنبية ومنها "Take me with you" و"موري موري" من ألحان إلياس الرحباني، وحققت نجاحاً جماهيرياً. كما غنى بلهجات مختلفة منها اللهجة الخليجية بعنوان "أمرك حبيبي أمرك"، وفي عام 1979 غنّى تتر المسلسل الكرتوني الشهير "جريندايزر".

إلياس الرحاني عراب موهبته 

بدأ ابن بلدة ضهور الشوير الجبلية، تأليف الألحان وكلمات الأغاني منذ أن كان طالباً وأسّس أول فرقة موسيقية سمّاها "روبنز"، ولعبت الصدفة دوراً مهماً في حياته الفنية، إذ وقف مرة على "مسرح الجامعة اليسوعية" في بيروت ليغني وهو شاب يافع، والموسيقي إلياس الرحباني حاضر، فانقطع التيار الكهربائي، فلم يتوقف بل تابع مؤدياً أغنية صعبة جداً للمغني توم جونز  (I who have nothing)، ومن دون فرقة موسيقية"، كما روى في تصريحات إعلامية.

 حين انتهى توجّه الرحباني نحوه قائلاً: "ستذهب معي إلى اليونان لنُشارك معاً في مهرجان عالمي"، وهكذا كان الرحباني عرابه الفني وكتب له أغنيته الأولى بالفرنسية بعنوان "Jamais" التي تحكي قصة شاب لبناني حمل الجيتار وسافر من مكان إلى مكان، وبعدها بدأت تتالى عليه الجوائز وهو شاب صغير إذ حصل على المرتبة الأولى في مهرجان ألماني للموسيقى عام 1979، ثم ربح في النمسا عام 1980، ونال جائزة ثالثة من بلغاريا عام 1981.

وفاء للوطن 

عُرف كلارك بمصداقيته وصدقه ووفائه تجاه الفن وأيضاً تجاه الأصدقاء والأقارب وعائلته الصغيرة التي كانت محور حياته، ففي السنوات الأخيرة من عمره اتّجه نحو الأعمال الخيرية والإنسانية وبقي يحيي الحفلات في العالم العربي وكندا والولايات المتحدة الأميركية واهباً ريعها للمساعدات الإنسانية والجمعيات الخيرية.

مشروعات أخيرة

كان كلارك يستفيد من الوقت ويسابقه حتى خلال الحجر الصحي جراء كورونا، فقد عمل على تنظيم أرشيفه الفني (صور وفيديوهات وحفلات حية وتسجيلات صوتية) وتوزيع بعض أغاني الراحل زكي ناصيف التي تتناول ثيمة الغربة والاغتراب وهو الموضوع الذي كان يشغله بعد موجة الهجرة الكبيرة التي حصلت جراء الانهيار الاقتصادي وانفجار مرفأ بيروت.  ومن هذه الأغاني "يا أهلا بغيّابنا" التي صوّرها في فيدو كليب في 2019، و"يا دني شتي ألحان". 

وأعد الراحل قبيل وفاته أغاني كثيرة كتبها له إلياس الرحباني ولم تصدر من قبل، وكان ينوي إطلاقها، كما كان يحضر لكتاب بعنوان "قصة غنية يروي فيه سيرته وحكاياته مع كل أغنية له وظروف تأليفها وغنائها وتلحينها.

اسم سيبقى

واعتبر الناقد والصحافي اللبناني فارس يواكيم، صاحب كتاب "حكايات الأغاني"، لـ "الشرق" أن "اسم سامي كلارك سيبقى في ذاكرة الموسيقى اللبنانية، وسيبقى محتفظاً بخصوصية أغانيه الأجنبية، خصوصاً الإنجليزية".

ورأى يواكيم أن كلارك، في الوقت ذاته "لم يقتحم الفضاء الجماهيري العالمي، برغم حصوله على بعض الجوائز في بعض المهرجانات الأوروبية، فلم يكتب له أن يصنف في قائمة داليدا وجورج موستاكي وديميس روسوس وكلود فرنسوا، وكل هؤلاء نشأوا في مصر".

"بطل" من زمن الطفولة

وقال المؤلف الموسيقي اللبناني الشاب عبد قبيسي إنه لا يمكن تقديم مقاربة نقدية علمية لإنتاج كلارك لأن أغانيه ترتبط بذاكرتنا الطفولية الجماعية الجميلة نحن جيل الثمانينيات، إذ عرفناه من وراء شاشة التلفزيون التي كانت الوسيلة الساحرة والمسلية الوحيدة أيام الحرب". 

وأضاف: "قد يكون سرّ تعلقنا وحفظنا لأغاني كلارك خصوصاً تترات المسلسلات الكرتونية اليابانية مثل (جرندايزر) و(جزر الكنز)، أن كلارك كان صوتاً مميّزاً ومتمرّساً وخالياً من الاستعراض الفائض الذي كان سائداً ولا يزال لدى غالبية مغني البوب اللبنانيين، واستطاع أن يصل الى المستمع (الطفل تحديداً) لأنه استخدم صوته بصدق وحب ولم يقحم الهويات الفنية في أعماله".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات