الولاية الثالثة لشي.. انطلاقة جديدة للصين أم خطوة للوراء؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الصيني شي جين بينج يلوّح من سيارة خلال عرض عسكري في بكين لمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس "جمهورية الصين الشعبية" - 1 أكتوبر 2019 - REUTERS
الرئيس الصيني شي جين بينج يلوّح من سيارة خلال عرض عسكري في بكين لمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس "جمهورية الصين الشعبية" - 1 أكتوبر 2019 - REUTERS
دبي- إيلي هيدموس

يستعد الرئيس الصيني شي جين بينج، لنيل ولاية ثالثة سكرتيراً للحزب الشيوعي ورئيساً للبلاد، خلال المؤتمر العشرين للحزب، الذي يبدأ في بكين، الأحد، وسط تحذيرات يواجهها من تداعيات "حكم الرجل الواحد".

فشي، الذي طاردته قبل أسبوعين شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن إخضاعه لإقامة جبرية بعد "انقلاب عسكري"، اتضح سريعاً أن الأمر لا يعدو كونه سيناريو متخيّلاً، يمسّ أحد أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم.

هذه الولاية الثالثة ستصبح واقعاً خلال المؤتمر العشرين للحزب، في ظلّ ستار من الغموض لا يحجب أن ما سيتمخّض عنه قد يحدّد مسار الصين في السنوات المقبلة، ويكرّسها بوصفها أبرز منافس للولايات المتحدة على زعامة العالم.

صحيفة "جلوبال تايمز" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، اعتبرت أن المؤتمر يشكّل "بداية رحلة جديدة لتنمية الصين ودورها في الشؤون الدولية، فيما يشهد العالم تغيّرات عميقة لم نشهدها منذ قرن".

وذكّرت بالمئوية الأولى للحزب، في عام 2021، مشيرة إلى أن المؤتمر يُعقد في "منعطف تاريخي، فيما يواصل الحزب والدولة المضي نحو هدف المئوية الثانية، على أساس الإنجازات والخبرة المكتسبة من رحلته الماضية".

ولفتت الصحيفة إلى أن "هدف المئوية الثانية"، الذي حدّده الحزب الشيوعي، يسعى إلى "تطوير الصين إلى دولة اشتراكية حديثة عظيمة، مزدهرة وقوية وديمقراطية، ومتقدمة ثقافياً، ومتناغمة وجميلة بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين". ونقلت عن محللين صينيين أن الحزب أثبت أنه قادر، بقيادة شي جين بينج، على "التعامل مع تحديات جدية وتحقيق أهداف تاريخية".

لجنة من 7 أعضاء برئاسة شي

يشارك في المؤتمر 2296 مندوباً "منتخبين"، يمثلون 96 مليون عضو في الحزب، الذي يُرجّح الكشف عن قيادته الجديدة خلال جلسته الختامية، مع ظهور أعضاء بارزين من وراء ستار، ليأخذوا أماكنهم في التسلسل الهرمي بناءً على بعدهم من شي جين بينج، إلى يساره ويمينه.

إضافة إلى تثبيت شي زعيماً للحزب ورئيساً للجنته العسكرية المركزية، التي تسيطر على القوات المسلحة الصينية، سيكشف المؤتمر عن لجنة مركزية جديدة تضمّ نحو 200 عضو بشكل كامل و170 مناوباً، ومكتب سياسي من 25 عضواً، واللجنة الدائمة للمكتب السياسي التي تضمّ 7 أعضاء برئاسة شي.

لكن المناصب في الدولة، بما في ذلك الرئيس ورئيس الوزراء، لن تصبح رسمية حتى مارس المقبل، خلال الدورة السنوية للبرلمان.

الولاية الثالثة وعُرف دينج

تولّي شي ولاية ثالثة، يعني إلغاءه رسمياً عرفاً فرضه الزعيم الراحل دينج شياو بينج، من أجل تجنّب تكرار تجربة حكم مديد دام 27 عاماً لمؤسّس "جمهورية الصين الشعبية" ماو تسي تونج. ويُنسب إلى دينج الفضل في انتقال منظّم للقيادة، في عام 2002 حين خلف هو جينتاو جيانج زيمين كسكرتير للحزب، وفي عام 2012 عندما خلف شي جين بينج هو جينتاو.

الولاية الثالثة لشي اتضحت فعلياً خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب، في عام 2017، إذ لم يُعيَّن خلف لشي في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، كما فعل ذلك جيانج وهو جينتاو قبل 5 سنوات من تخلّيهما عن الحكم. وفي عام 2018، ألغى البرلمان الصيني فترة الولايتين المحدّدة في الدستور، ممهّداً لبقاء شي زعيماً، ربما مدى الحياة.

شي (69 عاماً) الذي لم يعُد ملزماً بقاعدة التقاعد، المحدّدة بـ68 عاماً، يُرجّح أن يعيّن موالين له في منصبين شاغرين على الأقلّ في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي، علماً أنه يحتاج إلى 3 حلفاء لتأمين أغلبية في اللجنة التي تدير شؤون البلاد. كذلك يحظى شي بفرصة لإعادة تشكيل المكتب السياسي، إذ من المقرر أن يتقاعد 9 من أعضائه الـ18 الآخرين هذا العام.

"الرخاء المشترك"

وستكشف التعديلات على ميثاق الحزب، مدى الدعم الذي تلقته شعارات شي وسياساته. قبل 5 سنوات، أُدرج في الميثاق "فكر شي جين بينج حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد".

لكن "القاسم المشترك" بالنسبة إلى قياديّي الحزب، يتمثل في أن "عليهم جميعاً الاستماع إلى شي"، كما قال الصحافي الصيني هو بين، المقيم في نيويورك.

وأشار هو بين لوكالة "أسوشيتد برس" إلى أن "السياسة الصينية تدخل مرحلة جديدة تماماً"، نتيجة عدم وجود صراع على السلطة قبل مؤتمر الحزب، كما كان يحدث سابقاً، وتلاشي الفصائل والتعددية والخلافات السياسية المفتوحة، التي شهدتها الصين حتى خلال حكم ماو ودينج، في انعكاس لتوحيد السلطة أثناء حكم شي، الذي أزاح خصومه وقمع المعارضة الداخلية.

حكومة شي جين بينج عزّزت دور الصناعة الحكومية، إذ شنّت حملات لمكافحة الاحتكار وحماية أمن البيانات، طاولت شركات ضخمة للتكنولوجيا، بما في ذلك "علي بابا". كذلك أعاد شي إحياء شعار "الرخاء المشترك"، الذي رُوّج له في خمسينيات القرن العشرين، في إشارة إلى الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء.

وفيما يعاني الاقتصاد الصيني نتيجة فيروس كورونا المستجد وأزمة الديون العقارية، يتفاقم قلق من اعتزام شي النأي عن استراتيجية دينج في "الإصلاح والانفتاح"، التي أتاحت 4 عقود من النموّ.

ويُعتبر الرئيس الصيني من مريدي ماو، ومتمرداً على دينج، الذي سعى إلى إقامة علاقات إيجابية مع الغرب. وقال الصحافي الصيني ألفريد وو، في إشارة إلى شي: "إنه حقاً مناهض للولايات المتحدة والغرب".

"توازن بين التنمية والأمن"

الولاية الثالثة المرتقبة لشي ستحفل بتحديات قد تعيد تشكيل مكانة الصين في العالم، وتبدّل مسار علاقاتها مع دول عظمى أخرى، ولا سيّما الولايات المتحدة، مع بلوغ الروابط بين بكين وواشنطن أدنى مستوى منذ بدء علاقاتهما الدبلوماسية في عام 1979.

وتُعتبر تايوان ملفاً شائكاً، في ظلّ تكهنات أميركية بأن شي سيسعى إلى استعادتها أثناء ولايته الثالثة، علماً أنه يتّبع نهجاً صدامياً في الخارج، استعدى اليابان والهند ودولاً آسيوية أخرى، نتيجة خلافات حدودية، في ما عُرف بسياسة "الذئب المحارب". كذلك أجّجت الصين التوتر مع الغرب، بعد رفضها إدانة غزو روسيا لأوكرانيا.

عندما أصبح شي جين بينج زعيماً للحزب الشيوعي، في عام 2012، تعهّد بقيادة "تجديد عظيم للأمّة الصينية". وبعد نحو 10 سنين، يكاد اقتصاد الصين يصبح الأضخم في العالم، متفوّقاً على الولايات المتحدة، كما باتت بكين تمتلك أكبر قوة بحرية، واستثمرت مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية في الخارج.

ثمة تكهّنات بأن شي جين بينج قد يُحدث تحوّلاً سياسياً تاريخياً خلال مؤتمر الحزب، من خلال تخلّيه عن اعتبار التنمية الاقتصادية "الأولوية القصوى" للحزب، منذ عهد جيانج زيمين، لمصلحة شعار يدعو إلى "تحقيق توازن بين التنمية والأمن"، من أجل التركيز على مواجهة أخطار، مثل العقوبات الأميركية وأوبئة مستقبلية.

صراع مع واشنطن؟

وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن شي "يُعدّ الصين لصراع مع الولايات المتحدة". ولخّصت نهجه في قول مأثور لماو، استند إليه شي، مفاده: "لا تخض حروباً غير أكيدة، ولا معارك لم تستعد لها".

ونقلت الصحيفة عن داميان ما، المؤسّس المشارك لمركز أبحاث "ماكرو بولو" MacroPolo في "معهد بولسون" الأميركي، إن السنوات الخمس المقبلة لحكم شي ستكون "واحدة من أكثر الفترات التي يكتنفها غموض في الذاكرة الحديثة".

وأشار إلى تركيز شي على الردع العسكري في محيطه القريب والتكافؤ الاقتصادي مع الولايات المتحدة، من بين أهداف أخرى.

لكن أنصاراً لشي جين بينج يرون فيه قائداً حكيماً وشجاعاً أحيا حزباً ضعيفاً تهيمن عليه مجموعات مصالح خاصة فاسدة، وواجه جهوداً بقيادة الولايات المتحدة لاحتواء الصين.

في المقابل، حذر مارتن وولف من أن الولاية الثالثة لشي ستكون "خطأ مأساوياً". وكتب في صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية أن "تمتعه بهذه القوة" ليس مفيداً للصين أو العالم، بل يشكّل "خطراً عليهما".

واعتبر أن حكمه لعشر سنين كان "كافياً"، مضيفاً: "حتى زعيم من الدرجة الأولى يتلاشى بعد تلك الفترة الطويلة في المنصب. والشخص الذي يتمتع بقوة غير قابلة للتحدي، يميل إلى الاضمحلال بسرعة أكبر".

ووصف وولف الرئيس الأسبق دينج بأنه "عبقري الحسّ السليم"، وزاد: "لا تكمن ميزة الديمقراطيات في أنها تختار بالضرورة قادة حكماء ونياتهم حسنة. في أحيان كثيرة تختار العكس. ولكن يمكن معارضة هؤلاء من دون خطر وطردهم من دون إراقة دماء. من الواقعي أن نتوقّع أن تكون السنوات العشر المقبلة لشي أسوأ من تلك السابقة".

سياسة الإصلاح والانفتاح

كان لافتاً أن سونج بينج (105 أعوام)، الأكبر سناً بين القياديّين المتقاعدين في الحزب الشيوعي الصيني، أحدث ضجة في الأوساط السياسية بالبلاد، إذ ظهر بشكل علني نادر، في سبتمبر، قائلاً إن سياسة الإصلاح والانفتاح "كانت الطريق الوحيد لتنمية الصين المعاصرة وتقدّمها، والمسار الوحيد لتحقيق الحلم الصيني".

سونج ردّد بذلك كلمات قالها شي جين بينج قبل نحو 5 سنوات، موجّهاً إليه رسالة في هذا الصدد.

أدلى شي بهذا التصريح في 31 ديسمبر 2017، لمناسبة الذكرى الأربعين لإطلاق دينج سياسة الإصلاح والانفتاح. لكن الرئيس الصيني نادراً ما كرّر هذا التعليق، وتبنّى أخيراً مقولتَي "الرخاء المشترك" و"منع التوسّع غير المنضبط لرأس المال".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات