الجفاف يهدد نصف سكان المناطق المتضررة بالعراق.. ومسؤولون: "مبالغة"

time reading iconدقائق القراءة - 8
نهر الفرات في مدينة الناصرية جنوبي العراق بمحافظة ذي قار - AFP
نهر الفرات في مدينة الناصرية جنوبي العراق بمحافظة ذي قار - AFP
بغداد -أ ف بالشرق

قالت منظمة "المجلس النروجي للاجئين" غير الحكومية في تقرير إن عائلة من كل اثنتين بحاجة لمساعدة غذائية جراء الجفاف في العراق، وهو ما وصفه مسؤول عراقي بـ"المبالغ فيه".

ونقلت وكالة "فرانس فرس" عن التقرير النرويجي الذي استند إلى استبيان من 2800 أسرة من مناطق عدة من شمال العراق إلى جنوبه، ونُشر الأربعاء، أن "واحدة من كل أسرتين في المناطق المتضررة من الجفاف بحاجة إلى مساعدة غذائية. في حين أن واحدة من كل خمس أسر ليس لديها ما يكفي من الغذاء لجميع أفراد الأسرة".

ويشكّل التغير المناخي السبب الرئيسي للجفاف في العراق الذي ترتفع فيه درجات الحرارة إلى أكثر من خمسين أحياناً في الصيف، فضلاً عن عوامل بشرية.

ومع تراجع الأمطار والجفاف، بات العراق البلد "الخامس في العالم" الأكثر تأثراً بالتغير المناخي كما أعلنت وزارة البيئة العراقية مؤخراً.

وأوضح التقرير أنه "على مدى السنوات القليلة الماضية، عكست ظروف الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتناقص هطول الأمطار خطر التغير المناخي المتزايد في العراق"، مضيفاً أن "تدفق المياه من دول المنبع قد تراجع أيضاً".

وأضاف التقرير "أجبرت هذه الظروف القصوى الناس على ترك منازلهم، ما أدى إلى تفاقم أزمة النزوح في العراق". ومن بين المستطلعين 300 عائلة من النازحين و1500 عائلة من العائدين.

وممن شملهم الاستطلاع "أبلغت أسرة من كل 15 المجلس النرويجي للاجئين أن أحد أفراد الأسرة قد هاجر في آخر 30 يوماً بحثاً عن عمل ودخل. وكان العديد من هؤلاء قد نزحوا أصلاً لمرة واحدة على الأقل، أو عادوا لتوهم إلى ديارهم"، كما ورد في التقرير.

وتؤثر هذه الظروف على من تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً بشكل خاص، وفق التقرير الذي بيّن أن "45% منهم قد تركوا مجتمعاتهم الزراعية بحثاً عن وظيفة في البلدات والمدن بينما فقد 38% وظائفهم".

تخفيض المساحة الزراعية

وكانت السلطات العراقية أعلنت منتصف أكتوبر أن الجفاف وقلة المياه سيرغمان العراق على تخفيض مساحته الزراعية إلى النصف في موسم شتاء 2021-2022.

ويمثل ملف المياه قضية رئيسية في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة والغني بالموارد النفطية، بسبب موجات الجفاف الشديدة بشكل متزايد وانخفاض معدلات المتساقطات.

وأشار التقرير إلى أن التوقعات لعام 2022 "مقلقة حيث من المحتمل أن يؤدي نقص المياه المستمر وظروف الجفاف إلى تدمير الموسم الزراعي المقبل".

وحذّر من أن ذلك قد يزيد من "اعتماد العائلات على المياه المشتراة، بالإضافة إلى اللجوء إلى ممارسات النظافة السيئة، ما قد يؤدي إلى تفشي الأمراض".

وتوجد، وفق التقرير، "مؤشرات موجات نزوح تحدث وسط ندرة المياه وخسائر الدخل وارتفاع أسعار المواد الغذائية في المجتمعات الزراعية".

"تقرير مبالغ فيه"

وفي هذا السياق، قال المستشار في وزارة الموارد المائية عون ذياب لـ"الشرق" في رد على التقرير النرويجي إن "العراق مهدد بالجفاف نتيجة انحباس الأمطار وارتفاع دجات الحرارة لأكثر من 50 درجة في الصيف وانحباس الأمطار في الربيع الماضي والخريف الحالي، كل هذه العوامل فاقمت من أزمة الجفاف".

وأضاف "أصبح من الواضح أن العراق من البلدان التي تتأثر بشكل كبير  بالأوضاع المناخية، وهذه العوامل مجتمعة تشكل خطراً على الزراعة. وللتكيف مع هذه الحالة اتخذنا قراراً بتقليص الزراعة الشتوية وطبعاً هذا الإجراء يؤثر سلباً على الأسر التي ستحرم من الزراعة في الموسم الشتوي الحالي، وهو ما يؤثر على مدخولاتهم بشكل سلبي".

وأشار عون لـ"الشرق" إلى أنه يجد نوعاً من المبالغة في التقرير النرويجي، "لكون التقرير اقتصر على استبيان لشريحة ليست كبيرة من الناس في مناطق متعددة من العراق".

وأوضح أن الجفاف يوثر على الساكنين والقاطنين في مناطق الأهوار بشكل كبير، لأن مصادر الأعلاف وخصوصاً لمربي الجاموس هي الأهوار وأيضاً للثروة السمكية لمربي الأسماك".

وتابع: "حالياً رعاة الأغنام يذهبون إلى الصحراء في مواسم الشتاء في حالة سقوط أمطار للبحث عن أعلاف، الحالة مشابهة بالنسبة للأهوار، إذ إنهم يتنقلون وفق الحاجة لتأمين الأعلاف لصعوبة تأمينها عن طريق النقل وهذه وجة نظري بالنسبة للنزوح".

وقال عون: "لن تؤثر هذه بشكل كبير على المواطنين، والدولة يقع على مسؤوليتها النظر إلى العائلات التي سيقع عليها الضرر بسبب عدم استطاعتهم الزراعة في موسم الزراعة الحالي، وعلى الدولة تعويضهم عما فاتهم من ربح".

وأكد عون في حديثه لـ"الشرق" أن موضوع النزوح "ليس مستمراً، إذ أصبح يتكرر حسب موجة الجفاف ربما مرة في السنة أو سنتين، وهو ما يشكل صعوبة وتحدياً كبيراً بالنسبة إلى الجهات المعنية".

نقص الإيرادات المائية

حاتم حميد، المدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية بالعراق قال لـ"الشرق"، إن قطاع الموارد المائية في العراق يواجه مشاكل عدة، أبرزها نقص الإيرادات المائية الناجم عن تطوير المشاريع الإروائية وإنشاء السدود في دول أعالي حوضي نهري دجلة والفرات".

وأضاف أن التغير المناخي فاقم تلك المشاكل قائلاً: "التغير المناخي بدأ منذ 20 عاماً ولكن خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأ تأثيره يتفاقم حيث أصبحت المعادلة أن تكون سنتان شحيحتان كل خمس سنوات، يضاف إلى نقص الإيرادات وهي التجاوزات على الحصص المائية في الداخل، والتي تؤثر على إيصال التصاريف إلى المناطق الموجودة في ذنائب الأنهار وخصوصاً في مدن جنوب العراق".

ولفت حميد في حديثه لـ"الشرق" إلى مشكلة التلوث "نتيجة رمي المخلفات في مجاري الأنهار، ما يسبب بتلوثها في ظل مناسيب مياه منخفضة، كذلك كل هذا يجري في ظل نقص تمويل حكومي للمشاريع المائية، ما أثر على صيانة المشاريع، وإنشاء أخرى جديدة".

وأضاف إلى ذلك مسألة "الزيادة السكانية وازدياد الحاجة للمياه، إذ انخفضت حصة الفرد العراقي من المياه بنسبة 50 ‎%‎ عن السابق".

استراتيجية عراقية

وقال إن "وزارة الموارد أعدت استراتيجية لإدارة المياه والأراضي في العراق منذ عام 2015 حتى عام 2035، هذه الاستراتيجية تضمنت مشاريع يجب أن تقوم بها دوائر الدولة للتكيّف مع النغير المناخي ونقص المياه".

أما على صعيد إدارة الجفاف في السنوات الشحيحة، قال حميد إن "نص هذا المحور في الدراسة الاستراتيجية على أهمية تلبية حاجة مياه الشرب والبساتين كأولوية أولى لسكان العراق، إذ إن النقصان سيحدث في الزراعة وفي التصاريف التي تذهب للأهوار حسب نسب معروفة تبعاً لمخزونات السدود وهو ما جعل الوزارة تأخذ بعين الاعتبار هذا الالتزام بحسب توقعات الإيرادات المائية للموسم الشتوي".

ولفت إلى أن "المشاكل الموجودة حالياً في ملف المياه هي مشاكل مالية أكثر مما هي مشاكل استراتيجية، إذ تتطلب من الحكومة العراقية تمويل المشاريع الخاصة بهذه الاستراتيجية لغرض التكيف مع نقصان الإيرادات المائية".

أما عن المعلومات الواردة في التقرير النرويجي، فقال حميد لـ"الشرق": "أود أن أشدد على أن تأمين مياه الشرب أولوية أولى لجميع المواطنين".

وفي أغسطس، حذرت العديد من المنظمات غير الحكومية من أن 7 ملايين شخص مهددون بالحرمان من المياه بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى الأنهار أو بسبب الجفاف.

وحذر البنك الدولي الشهر الماضي من أن ارتفاع درجة الحرارة بدرجة واحدة مئوية وانخفاض معدل هطول الأمطار في العراق بنسبة 10% سيؤديان إلى انخفاض بنسبة 20% في المياه العذبة المتاحة بحلول عام 2050، مضيفاً أن ثلث الأراضي الزراعية المروية ستُحرم بعد ذلك من الماء.

اقرأ أيضاً: