
بعد شهور من تأزم الوضع السياسي في ليبيا، أشعلت اشتباكات مسلحة بدأت فجر السبت، الوضع الميداني في العاصمة طرابلس، وسط تقاذف للاتهامات بين رئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا ورئيس الحكومة المقالة عبد الحميد الدبيبة، بشأن الجهة المسؤولة عن إطلاق الرصاصة الأولى.
واتفق الطرفان على أن الطلقة الأولى جاءت من داخل طرابلس، إذ اعتبرت مصادر موالية لباشاغا لـ"الشرق"، أن الأحداث بدأت بعد اشتباك بين قوات "جهاز الدعم والاستقرار" المؤيد لدبيبة، وبين قوات "ثوار طرابلس" و"كتيبة 777" التابعة لهيثم التاجوري الذي لم يعلن تأييده علناً لباشاغا.
وأضافت المصادر، أنه في البداية، لم يكن للاشتباكات أي علاقة بالصراع بين الدبيبة وباشاغا.
ولكن مع ساعات الصباح الأولى، وبعدما سيطرت قوات "جهاز الدعم والاستقرار" فجر السبت، على "كتيبة 777" التابعة للتاجوري، وحصول الأخير على دعم من قوات "النواصي" التابعة لمصطفى قدور، وقوات محسوبة على حسن بوزريبه آمر جماعة "بوزريبة" من مدينة الزاوية المتمركزة في منطقة جنزور في ضواحي طرابلس، المؤيدتان لباشاغا، تحولت هذه الاشتباكات إلى صراع بين الطرفين السياسيين.
اتهام مضاد
الرواية التي قالتها المصادر المقربة من باشاغا، نفاها مصدر مقرب من حكومة الدبيبة في تصريحات لـ"الشرق"، معتبراً أن الاشتباكات "كان مخططاً لها" من قبل جماعات مسلحة داعمة لباشاغا "كانت متواجدة داخل مدينة طرابلس".
وأضاف بأن هذه الجماعات "هي من بدأت الهجوم على مقرات تابعة للحكومة في مناطق وسط طرابلس".
وتابع المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أن القوات التابعة لحكومة الدبيبة "تمكنت من إفشال مخطط حكومة باشاغا للسيطرة على المدينة بالتعاون مع مليشيات من داخل طرابلس وخارجها"، مضيفاً أن "الدبيبة أعطى تعليماته لما يعرف بالقوة الأمنية المشتركة مصراتة بملاحقة المتورطين في هذا الهجوم، وعدم السماح لهم بالتواجد في مدينة مصراتة من أجل التخطيط للهجوم مرة أخرى على طرابلس".
وبحسب المصدر، فإن قوات الدبيبة "ستلاحق المجموعات المسلحة التي جاءت من مدينة الزنتان والتي يقودها أسامة جويلي"، مشيراً إلى أن "الدبيبة أبلغ القوات التابعة له بعدم الاكتفاء بحماية وتأمين طرابلس فقط، بل أمر بملاحقة المهاجمين لعدم معاودة الهجوم من جديد على العاصمة مرة أخرى".
كما ذكر بيان لحكومة الدبيبة في وقت سابق، أنَّ الاشتباكات اندلعت بسبب إطلاق مقاتلين متحالفين مع باشاغا النار على "رتل" عسكري في العاصمة.
محاور المعارك
وامتدت المعارك من قلب العاصمة إلى محيطها، مع إطلاق قوات موالية لباشاغا هجوم مسلح من 3 محاور مختلفة.
المحور الأول: منطقة "كوبري 17" غرب العاصمة، حيث اشتبكت قوات معمَّر الضاوي، وحسن بوزريبة الموالية لباشاغا، والقادمة من ورشفانة ومدينة الزاوية، مع قوات محمود بن رجب آمر جماعات "فرسان جنزور" الموالية لحكومة الدبيبة.
أما على المحور الثاني، فبدأت قوات لواء أسامة جويلي الموالية لباشاغا بشن هجوم مسلح من محور جنوب غربي طرابلس (طريق المطار وبوابة الجبس) مستهدفة قوات "لواء 111" التابعة لعبد الحميد الدبيبة، ونتج عن هذه الاشتباكات خسائر في الآليات بين الطرفين.
والمحور الثالث، هو مخرج العاصمة الشرقي، حيث بدأت قوات موالية لباشاغا قادمة من مصراتة بقيادة سالم جحا في الاقتراب من طرابلس استعداداً لتنفيد هجوم على المدينة من مخرجها الشرقي الذي تقوم بتأمينه قوات "كتيبة أسود تاجوراء" الموالية للدبيبة.
ووفقاً لمصادر "الشرق"، تنشط على جميع هذه المحاور عدد من الكتائب التابعة لحكومة الدبيبة في صد محاولات الدخول للعاصمة، بما في ذلك قوات "جهاز الدعم والاستقرار"، وقوات "حماية الدستور" وقوات عماد الطرابلسي "قوات الدعم" وقوات محمد بحرون المعروف بـ"الفار".
وأثارت الاشتباكات مخاوف من حدوث تصعيد أوسع، خصوصاً في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي تشهده البلاد، ودعت دول عربية وغربية إلى الحوار ووقف التصعيد.
عدد الضحايا
وفي الإطار، أعلنت وزارة الصحة بحكومة "الوحدة" الليبية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، المقالة من البرلمان، السبت، ارتفاع حصيلة ضحايا اشتباكات طرابلس إلى 23 حالة وفاة، في ما بلغ عدد الجرحى 140.
وأفادت في بيان على "فيسبوك" بأن 83 حالة تلقت الرعاية الطبية اللازمة وخرجت من المستشفيات.
وأعلنت فرق الإنقاذ والطوارئ والهلال الأحمر الليبي، السبت، إجلاء عشرات العائلات من مناطق الاشتباكات في طرابلس بطريق السور وشارع الزاوية والصريم، وباب بن غشير، وكذلك إخلاء حالات من مستشفى طرابلس المركزي، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الليبية.
خلفيات الصراع
تأتي هذه الاشتباكات الأخيرة في إطار التنافس المستمر بين حكومة الدبيبة المقالة، وحكومة باشاغا التي عيَّنها البرلمان الليبي في فبراير الماضي.
وتتخذ حكومة الدبيبة من العاصمة طرابلس مقراً لها، فيما تتخذ حكومة باشاغا من مدينة سرت (450 كيلومتراً شرق العاصمة) مقراً، وتحاول منذ مايو الماضي الدخول إلى طرابلس لممارسة مهامها من هناك، وهو ما ترفضه حكومة الدبيبة التي تصر على أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
وخلال الأيام الأخيرة، حشدت الجماعات المسلحة الرئيسية التي تدعم طرفي النزاع السياسي، قواتها مراراً حول طرابلس وداخلها، مع نشر قوافل كبيرة من المركبات العسكرية في جميع أنحاء المدينة والتهديد باستخدام القوة لتحقيق أهدافها.