جورجيا بوابة البضائع الغربية إلى روسيا رغم العقوبات

time reading iconدقائق القراءة - 10
قافلة من الشاحنات المحملة بالبضائع في طريقها للعبور من جورجيا إلى روسيا  - The New York Times
قافلة من الشاحنات المحملة بالبضائع في طريقها للعبور من جورجيا إلى روسيا - The New York Times
دبي -الشرق

على الرغم من العقوبات الغربية التي تمنع العديد من الواردات من الوصول إلى روسيا، فإن الكثير مما تحتاجه موسكو الآن يتدفق إليها عبر طريق شاحنات بطيء ومزدحم يمرّ في جبال القوقاز من جورجيا، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

وقالت الصحيفة إنه في كل يوم، تعبر قافلة من الشاحنات على طول طريق جبلي سريع يمتد لأميال في جورجيا، نحو الحدود مع روسيا، فيما يبدو أن القافلة تزداد حجماً كل يوم.

الشاحنات، التي تتنوع حمولتها من قطع غيار السيارات ومواد صناعية ومواد كيميائية وحتى ورق وأكياس عبوات الشاي، تنتظر لأيام من أجل عبور الحدود، في رحلة تبدأ عادة من تركيا وتنتهي في البلدات والمدن الروسية حيث يزداد الطلب على السلع الغربية.

طرق تجارية بديلة

وقطعت الحرب في أوكرانيا فجأة العديد من الروابط التجارية الروسية مع أوروبا، لكن سرعان ما تأقلم الاقتصاد الروسي مع الوضع الجديد، بإيجاد طرق بديلة للواردات.  

وعلى مدى الأشهر العشرة الماضية، برزت جورجيا، وهي جمهورية سوفيتية سابقة يبلغ عدد سكانها 3.6 مليون نسمة وخاضت حربها المؤلمة مع موسكو في عام 2008، كقناة لوجستية مريحة بين روسيا والعالم الخارجي.

وشكلت هذه الزيادة في حركة التجارة ميزة غير متوقعة للعديد من سائقي الشاحنات مثل مورمان ناكاشيدزه، وهو جورجي (48 عاماً) ويمتلك شركة نقل صغيرة من أربع شاحنات تحمل بضائع من تركيا إلى روسيا تشمل كل شيء من الإلكترونيات إلى مواد البناء.  

وبعد أن أوقفت العديد من الشركات الأوروبية التجارة مع موسكو ، احتجاجاً على الحرب أو التزاماً بالعقوبات الغربية، ازدهرت أعماله.

ويكاد هاتف ناكاشيدزه المحمول لا يتوقف عن استقبال المكالمات التي تتضمن طلبات لنقل البضائع إلى روسيا، مقابل رسوم تستمر في الارتفاع. وقال ناكاشيدزه للصحيفة: "لقد كانت حرباً بالنسبة إلى الكثيرين، لكنها عادت بأرباح على آخرين.. إنه أمر جيد لنا، للاقتصاد، لكنه سيء للآخرين". 

تجاوز العاصفة

وساعد الحصول على البضائع عبر جورجيا والدول المجاورة مثل أرمينيا وأذربيجان روسيا على التغلب على "العاصفة الاقتصادية" الناجمة عن غزو أوكرانيا، وفقاً للصحيفة.  

وعلى الرغم من ندرة بعض السلع وإغلاق العديد من الشركات الغربية عملياتها، تقول الحكومة إن الاقتصاد الروسي انكمش بنحو 3% فقط العام الماضي، في حين يبدو أن الانهيار الصريح الذي توقعه بعض خبراء الاقتصاد في مواجهة العقوبات الغربية لم يتحقق.

وتقع جورجيا في القوقاز في أقصى جنوب شرقي أوروبا، وتوفر أسرع طريق بري إلى تركيا، والتي أصبحت واحدة من الروابط التجارية الرئيسية لروسيا مع الغرب.  

وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، تضاعف حجم عبور البضائع بين تركيا وروسيا ثلاث مرات وجرى نقل الكثير منها على الطرق الجورجية، وفقاً لبحث أجراه بنك "تي بي سي كابيتال" الاستثماري الرائد في جورجيا.

وفي المتوسط، كان خط الشاحنات المجهزة لعبور الحدود، عبر المنحدرات في شمال جورجيا، أكثر من ضعف طوله في ديسمبر مما كان عليه قبل عام، وفقاً لدائرة الجمارك الفيدرالية الروسية. وباتت حركة المرور أكبر بكثير مما يمكن لنقطة التفتيش الحدودية التعامل معه.

وقال أليك أوجانيسيان (60 عاماً) وهو يصلح شاحنته بينما كان ينتظر في الطابور: "الجميع هنا الآن.. البيلاروسيون والكازاخستانيون والأوزبك، لم يكونوا هنا من قبل". وأوضح أنه في بعض الأحيان يضطر السائقون إلى الانتظار لفترة طويلة لدرجة أن تفسد البضائع القابلة للتلف.

زيادة الممرات

وتعمل دائرة الجمارك الروسية على زيادة عدد الممرات، بينما تقوم جورجيا ببناء نفق بطول 5.5 ميل عبر الجزء الأكثر إشكالية من الطريق السريع الذي يتم غلقه أحياناً بسبب الانهيارات الثلجية.

وتمتد الخطوط أحياناً على طول الطريق إلى عاصمة جورجيا (تبليسي)، على بعد نحو 100 ميل من الحدود، مع مواقف خاصة للسيارات على طول الطريق حيث يمكن لسائقي الشاحنات الراحة والنوم أثناء انتظارهم.

ويدفع الانتظار الطويل العديد من السائقين إلى الالتفاف ودخول روسيا عبر أذربيجان المجاورة، مما يضيف أياماً عدة إلى الرحلة.

وتقول الصحيفة إنه من المستحيل معرفة مقدار البضائع الأوروبية التي تعبر جورجيا الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي. لكن ظهور البلاد كحلقة وصل رئيسية في التجارة مع روسيا يسلط الضوء على ثغرة محتملة في سياسة العقوبات الغربية. 

وأصرت الحكومة الجورجية على أنها تطبق العقوبات الغربية بصرامة، وأن العديد من الشحنات قد رفضت. لكن معارضي الحزب الحاكم في البرلمان يقولون إن السلع والأموال تتدفق بلا عوائق إلى حد كبير.

مصالح أكبر من العقوبات

وتسلط قضية جورجيا الضوء على كيفية تمكين دول ثالثة للدول الخاضعة للعقوبات من التحايل على القيود التجارية، حسبما قالت ماريا شاجينا كبيرة الباحثين في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية".

وأضافت شاجينا في مقابلة مع الصحيفة عبر الهاتف: "تقوم جورجيا بعمل متوازن بين توجهها الرسمي الموالي للغرب واعتمادها الاقتصادي على روسيا"، مضيفة أن حجم التجارة سريع النمو قد يطغى على قدرة جورجيا على فرض العقوبات.  

وزادت: "إنها مساحة ضيقة جداً تجد جورجيا نفسها فيها".

وبينما تنتج روسيا معظم غذائها وتتلقى السلع الاستهلاكية من آسيا، ساعد الطريق الجورجي، موسكو على حل النقص المزعج في قطع الغيار الأوروبية والمواد الخام للمصانع، حسبما قال إيفان فيدياكوف، الذي يدير شركة إنفولاين، وهي شركة استشارية روسية في السوق تقدم المشورة للشركات حول كيفية الصمود في ظل القيود الحالية.

وأضاف: "المشكلة الرئيسية كانت في البضائع الصناعية".  

على سبيل المثال، تنتج روسيا الكثير من الشاي، وفقاً لفيدياكوف، لكنها تستورد ورق الترشيح المستخدم في أكياس الشاي.

وفي أبريل الماضي 2022، منع الاتحاد الأوروبي صادرات هذا الورق إلى روسيا، ما أجبر المصانع الروسية على البحث عن بدائل من الصين وتركيا.

وقال فيدياكوف إن الطريق عبر جورجيا ساعد في تسليم المنتج إلى روسيا، وهو ما ساعد المصانع على البقاء واقفة على قدميها والحفاظ على وظائف العمال.  

بضائع بقيمة 20 مليار دولار

ومنذ مايو، تلقت روسيا بضائع تزيد قيمتها عن 20 مليار دولار، من خلال ما يسمى بعملية الاستيراد الموازية، عندما يتم إحضار شيء ما إلى بلد من دون موافقة الشركة التي تمتلك العلامة التجارية، حسبما قال رئيس الجمارك الروسية في مقابلة مع التلفزيون الحكومي. ويتكون جزء كبير من البضائع من السيارات والمعدات للمصانع.  

وبشكل عام، بحلول نهاية عام 2022، استعادت روسيا تقريباً مستوى وارداتها قبل الحرب، وفقاً للبنك المركزي في البلاد، بينما أضافت أيضاً مصدرا رئيسياً للدخل يتمثل في الرسوم الجمركية التي تجمعها على البضائع التي تدخل البلاد.

وقال ألكسندر دافيتيدزي، رئيس رابطة وكلاء الشحن في جورجيا، إن أعضاء مجموعته لن يتعاملوا مع أي شحنات محظورة لروسيا، لكن الشركات الأصغر قد تكون على استعداد للقيام بذلك.

وأثار التعاون الاقتصادي مع روسيا، التي سيطرت على خمس أراضي جورجيا بعد حرب عام 2008، غضب العديد من الجورجيين.

وقال جيورجي أونياني، نائب المدير التنفيذي لفرع تبليسي لمنظمة الشفافية الدولية، وهي المجموعة العالمية لمكافحة الفساد: "اختارت حكومتنا أن تكون في الوسط. لكن على الأقل يشعر بعضهم بشكل شخصي بأنهم أقرب إلى روسيا والكرملين".

وذكر جيورجي مزافانادزه ، كبير المساعدين في "تي بي سي كابيتال"، الذراع المصرفية الاستثمارية لأكبر بنك في جورجيا: "عندما لا يكون لديك موقف سياسي قوي، في معظم الحالات، تبحث الأعمال دائما عن الأرباح"، وأوضح أن الشركات التركية والروسية "تستخدم جورجيا كدولة عبور ونحن لا نعاقبها".

ويعمل أكبر ميناء بحري في جورجيا، وهو ميناء بوتي المطل على البحر الأسود، على توسيع طموح من شأنه أن يضاعف قدرته ويسمح بسفن أكبر.  

وقال إيان رولينسون، كبير المسؤولين التجاريين في شركة "إيه بي إم ترمينالز"، المشغل الهولندي لميناء بوتي: "لقد نمت الأحجام عبر جورجيا بشكل كبير".

وأوضح رولينسون أنه بعد غزو أوكراني، قطعت "إيه بي إم ترمينالز " العلاقات التجارية مع روسيا، ولكن بمجرد تفريغ البضائع في جورجيا، لا تعرف الشركة أو تتحكم في المكان الذي تذهب إليه.

وقال: "ليس لدينا رؤية فيما يتعلق بما يحدث مع البضائع بعد أن نتركها". وأشار إلى أن الغالبية العظمى من التجارة التي تمر عبر الميناء موجهة إلى آسيا الوسطى وليس روسيا. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات