مداهمة منزل ترمب.. عاصفة لن تهدأ واحتمالات عنف سياسي تتصاعد

time reading iconدقائق القراءة - 14
أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتجمعون بالقرب من مقر إقامته في فلوريدا. 9 أغسطس 2022 - AFP
أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتجمعون بالقرب من مقر إقامته في فلوريدا. 9 أغسطس 2022 - AFP
واشنطن -طارق إبراهيم

على الرغم من أن الرئيس السابق دونالد ترمب وصف الأزمنة التي يعيشها الأميركيون الآن بأنها "مظلمة" بسبب مداهمة منزله في فلوريدا، إلا أنه قد يكون أكبر المستفيدين مما يجري الآن، إذ احتل عناوين الأخبار على مدى أسبوع كامل، في وقت يبدو أن الأزمة لا تزال في بدايتها.

وبصرف النظر عما إذا كانت القضية والاتهامات التي قد توجه إليه، والتي ستكون الأولى لرئيس أميركي سابق، "مؤامرة نسجتها الدولة العميقة" حسبما يصفها ترمب وأنصاره، أو "عدالة ناجزة وعمياء لا تضع اعتباراً لرئيس سابق، لأن الكل تحت القانون"، يبقى الخطر الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة متمثلاً في تصاعد وتيرة الحروب الحزبية على خلفية التطورات الأخيرة.. فإلى أين تتجه الأمور؟

ثلاثة قوانين

يبدو أن الوثائق التي تم الكشف عنها، مساء الجمعة الماضي، تشير إلى أن وزارة العدل تعتقد أن ترمب ربما يكون قد انتهك قانون التجسس الذي مضى عليه أكثر من 100 عام، بالإضافة إلى قوانين جنائية أخرى تتعلق بالتعامل مع السجلات العامة.

وبحسب تحليل قانوني على موقع "كونفيرسيشن" كتبه كلارك كننجهام، أستاذ القانون في "جامعة جورجيا" والخبير في أوامر التفتيش، فإن المذكرة الصادرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي بالبحث عن دليل على انتهاك ترمب 3 قوانين رئيسية.

القانون الأول الخاص بالتجسس، ينطبق على حيازة المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني التي يمكن استخدامها لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة أو مساعدة خصم أجنبي، باعتبار أن ترمب، كانت لديه في البداية حيازة قانونية لمثل هذه المعلومات، لكن بعد انتهاء فترة وجوده في المنصب، يرفض إعادتها إلى الحكومة.

والقانون الثاني بحسب، التحليل القانوني، هو "إعاقة العدالة"، بما في ذلك "إخفاء للوثائق" بهدف عرقلة تحقيق فيدرالي، وأخيراً انتهاك قانون السجلات العامة، الذي يمنع أي شخص مؤتمن على سجل عام من إخفاء وثائق.

ولفت التحليل إلى أن فحص العناصر التي صادرها مكتب التحقيقات الفيدرالي من "مار إيه لاجو" أظهر أنها تشمل وثائق حساسة​​ ومعلومات سرية تأتي من مصادر استخباراتية، يجب التعامل معها فقط في مواقع حكومية مؤمنة، ما يعني أن وجودها في منزل ترمب قد يكون انتهاكاً لقانون التجسس، إلا أنه لا يوجد دليل على أن ترمب تعمد القيام بذلك.

لكن إذا كان ما صادره مكتب التحقيقات الفيدرالي، يتضمن وثائق أخذها ترمب من البيت الأبيض، وكان من المفترض إعادتها استجابةً لمذكرة استدعاء فيدرالية، الربيع الماضي، لكنه لم يستجب لها، فقد يكون ذلك دليلاً على إعاقة العدالة وإخفاء السجلات العامة، الأمر الذي تصل عقوبته في القوانين الثلاثة إلى السجن فترة قد تصل إلى 20 عاماً حال إدانته في المحكمة.

ترمب أكد أن فريقه تعاون مع السلطات الفيدرالية وإدارة المحفوظات والسجلات الوطنية (الأرشيف الوطني) عبر إعادة العديد من صناديق الوثائق في بداية هذا العام، رغم تأكيد إدارة "الأرشيف الوطني" تواصلها مع فريق ترمب لعدة أشهر لاستعادة الوثائق لكن "دون جدوى".  

رفع السرية

وتساءل موقع "بريتبارت" اليميني المؤيد لترمب عن سبب انتظار السلطات عدة أيام لتنفيذ أمر التفتيش إذا كانت القضية خطيرة للأمن القومي الأميركي. كما لاحظ العديد من المعلقين، أن أي من القوانين الثلاثة المذكورة في أمر التفتيش لا تشمل كلمة "سري" أو معلومات سرية.

إلا أن موقع "القانون والجريمة" يشير في تقرير مفصل، إلى أن قانون التجسس الذي يعود إلى عام 19017 يسبق النظام الحديث لتصنيف الوثائق السرية، ولم يكن من صاغ القانون على علم بأن الحكومة سوف تلاحق شخصاً بسبب التعامل مع المعلومات التي تتعلق بالدفاع الوطني، ومع ذلك فإن القانون يتعامل مع النقل المباشر للوثائق أو الصور الفوتوغرافية إلى حكومة أجنبية أو إلى الصحافيين.

وبينما يرى مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية بالإنابة في عهد ترمب ريك جرينيل، في تصريحات لشبكة "إن بي سي"، أنه "لا يوجد إلزام رئاسي بالقواعد التي تحكم الاحتفاظ بالوثائق السرية أو إزالتها، بجانب عدم وجود عملية محددة يوافق من خلالها رئيس الولايات المتحدة على رفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية"، وهي الحجة التي يستخدمها ترمب، إلا أن آخرين يرون أن الافتقار لسجل يظهر أن الرئيس السابق رفع السرية عن الوثائق قبل أن يترك منصبه، سوف يمثل في الغالب مشكلة له.

صعوبة المحاكمة

ويستبعد كثير من خبراء القانون توجيه اتهامات إلى الرئيس السابق إلا في حالة توافر قرائن موثقة وقوية للغاية مع شهادات شهود.

وتكشف إحدى القضايا البارزة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كيف أن قانون التجسس، يمكن أن يشكل منحدراً زلقاً للمدعين العامين، إذ أشار موقع "القانون والجريمة" إلى لائحة اتهام وجهت إلى شخصين كانا يعملان كجماعة ضغط لصالح إسرائيل.

في هذه القضية، اُتهما بتزويد زملائهم والصحافيين والدبلوماسيين الإسرائيليين بمعلومات حساسة حصلوا عليها من خلال التحدث مع صناع السياسة الأميركيين. ولكن الإدعاء أسقط في النهاية التهم بعدما أوضح القاضي أن شرط "الدفاع الوطني" الوارد في القانون، ينطبق فقط على الأمور التي تهدد الأمن الجماعي للأميركيين، كما أكد أن القانون يفرض متطلبات صارمة كشرط لإثبات المسؤولية الجنائية.

وخلال محاكمات سابقة، اكتفى القضاة بالغرامات المالية مع كبار المسؤولين الذين حوكموا بناء على انتهاكهم قانون التجسس، إذ حصل ديفيد بيتريوس الجنرال السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA على عامين تحت المراقبة، وغرامة 100 ألف دولار، لمشاركة معلومات سرية مع كاتبة سيرته الذاتية، بينما دفع مستشار الأمن القومي السابق ساندي بيرجر غرامة قدرها 50 ألف دولار لتسلل وثائق سرية من الأرشيف الوطني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن كيفية تعامل ترمب مع الوثائق السرية تبدو أكثر تعقيداً، لأنه كرئيس كانت لديه سلطة رفع السرية عن الوثائق الحكومية، وقد أعلن أنه رفع السرية عن الوثائق التي كانت بحوزته قبل مغادرته منصبه.

وتشير المدعية الفيدرالية السابقة جينيفر رودجرز في تصريحات لـ"بلومبرغ"، إلى أنه ليس مؤكداً إذا ما كان ترمب في مأزق قانوني، مرجعة السبب إلى أن "موانع توجيه الاتهام في قضايا المعلومات السرية مرتفعة للغاية، ومن غير المرجح حدوث انتهاك جنائي لقانون السجلات الرئاسية لأسباب مختلفة تتعلق باللغة القانونية للجرائم ذات الصلة والعقوبات المحتملة".

دعم جمهوري

على الرغم من أن ترمب لم يكن في أحسن حالاته قبل تفتيش منزله، إذ كان نصف الناخبين الجمهوريين على استعداد للانتقال بعيداً عنه، وفقاً لاستطلاع أجرته "نيويورك تايمز" و"سيينا كوليج"، إلا أن الأمور تبدلت بعد أمر التفتيش الذي صوره الرئيس السابق بأنه مؤامرة تستهدف إبعاده عن الترشح للرئاسة، فاحتشد الحزب الجمهوري بأكمله خلفه، وأمده هذا الحادث بـ"شريان حياة".

ووفقاً لاستطلاع أجرته مجموعة "ترافالجار"، قال 83% من الناخبين الجمهوريين المحتملين إن تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله، جعلهم أكثر حماسة للإدلاء بأصواتهم في انتخابات 2024.

 ويعتقد أكثر من 75% من الناخبين الجمهوريين المحتملين أن أعداء ترمب السياسيين كانوا وراء أمر التفتيش وليس نظام العدالة المحايد، كما يعتقد 48% من الناخبين المحتملين في الانتخابات العامة نفس الشيء بشكل عام.

حشد الناخبين

وربما يكون احتمال تعرض ترمب للتحقيق وربما المحاكمة أيضاً صورة مهمة لحشد الناخبين الجمهوريين للقضية، مثلما ستنشط نظرائهم الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة بعد عامين.

وبصرف النظر عن الوثائق الدامغة التي يمكن أن يجدها مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلا أنها لن تفعل شيئاً لإضعاف دعم ترمب على الأقل في الوقت الحالي، بل إن الأحداث قد تكون حسّنت عن غير قصد فرص إعادة انتخاب ترمب وحفزت قاعدته الشعبية، وجعلت الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للمنافسين الرئيسيين المحتملين له.

وتعتقد المعلقة السياسية في قناة "فوكس نيوز" كارلي شمكوس أن التبرعات لصالح الرئيس السابق تتدفق بأرقام قياسية، وهذا شيء قد يحفز ترمب على الإعلان عن ترشحه للرئاسة حتى قبل انتخابات التجديد النصفي للعام الحالي، خاصة وأنه المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في عام 2024، إذا دخل السباق.

تصاعد الانقسام الحزبي

لكن الجانب الأكثر إثارة للقلق هو الصراع السياسي المتفجر بين الجمهوريين والديمقراطيين، فقد بدا أنه لا يهم ما كان بحوزة ترمب وما لم يكن في حوزته، وكيف كان ينبغي أو لا ينبغي أن يتصرف، وما الجرائم التي ربما ارتكبها أو لم يرتكبها.

فقد رأى خصوم ترمب في عملية تفتيش منزله حساباً طال انتظاره لسياسي متهور، يمتلك تاريخاً من إهمال المعلومات الاستخباراتية والدفاعية الحساسة، وأنه لطخ المنصب الرفيع الذي شغله في فترة وجيزة، ولكنها حافلة بالأحداث لمدة أربع سنوات.

وعلى العكس من ذلك، فإن مؤيدي ترمب من المحافظين والجمهوريين، يتهمون مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه يستهدف إسكات وإقصاء الجناح اليميني في الولايات المتحدة.

كما لم يقتصر رد فعل العديد من الشخصيات اليمينية أو الجمهورية على تفتيش منزل ترمب في "مار إيه لاجو"  على المطالبة بحل وتفكيك مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن أيضاً بتحذيرات من أن هذا الإجراء قد أشعل حرباً، مثلما قال جو كينت، مرشح مجلس النواب الذي أيده ترمب في ولاية واشنطن، خلال مشاركته في برنامج ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السياسيين السابقين لدى ترمب.

كما اعتبر شون هانيتي، مذيع قناة "فوكس نيوز" الشهير أن هناك حملة منظمة ضد ترمب، فيما غردت السيناتور الجمهورية مارشا بلاكبيرن، بأن "مكتب التحقيقات الفيدرالي الموالي لأوباما يتجسس على الرئيس ترمب كمرشح".

وغرد فريق اللجنة القضائية في الحزب الجمهوري بمجلس النواب هذا الأسبوع بأنه إذا كان بإمكانهم فعل هذا بترمب، فسيفعلونه معك، وأنه "لا أحد في مأمن من العقاب السياسي في أميركا جو بايدن".

وأعلنت النائبة مارجوري تايلور جرين، رفع دعاوى مساءلة من أجل عزل المدعي العام ميريك جارلاند، بدعوى أن تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمقر إقامة الرئيس السابق في فلوريدا يثير قلق الجمهوريين.

في المقابل ابتهج الديمقراطيون لما يتصورون أنه سيتحول إلى لائحة اتهام وربما السجن بحق ترمب، لكنهم وصفوا الجمهوريين أيضاً بأنهم خاضعون  للرئيس السابق الذي يستحق تطبيق القانون عليه شأنه شأن أي شخص آخر وأنه لا أحد فوق القانون.

خطر العنف السياسي

ولكن إذا كان ترمب سيُعتقل ويُسجن، يحذر كثيرون من أن عنفاً سياسياً واسع النطاق قد يحدث من قبل ناخبي ترمب الغاضبين الذين قد يستنتجون أن النظام وإدارة بايدن قد سرقوا البلاد.

ولعل الهجوم المسلح قبل أيام على أحد أفراد مكتب التحقيقات الفيدرالي في ولاية أوهايو من قبل أحد مؤيدي الرئيس السابق، كان أحد أكثر أحداث العنف السياسي اليميني إثارة للقلق في الأشهر الأخيرة.

وتصاعدت التنبؤات بحرب أهلية وشيكة ودعوات العنف في وقت مبكر من هذا الأسبوع على منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تروث سوشيال"، الشبكة التي أطلقها ترمب.

ونشر مستخدمون على الشبكة أن الولايات المتحدة "ولدت من خلال تمرد أعقبته عدة سنوات من العنف الدموي، وأن البلاد ستصبح دولة شيوعية طالما أننا لا نحمل السلاح ونقاوم"، كما انتشرت مقولة: "شجرة الحرية يجب أن تنتعش من وقت لآخر بدماء الوطنيين والطغاة"، وهي رسالة كتبها توماس جيفرسون.

ويواجه القاضي الذي وقع مذكرة التفتيش في قصر ترمب، تهديدات بالقتل، كما وصف كريستوفر راي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، التهديدات المتصاعدة بالعنف ضده وضد مسؤولي إنفاذ القانون الآخرين بأنها مؤسفة وخطيرة.

وحتى قبل تفتيش منزل ترمب، كان بعض مؤيديه هم الأكثر صخباً، إذ ينظرون إلى الرهانات السياسية على أنها وجودية، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة كانت بالفعل متورطة في صراع أبدي بين أعداء لا يمكن التوفيق بينهم، فعلى سبيل المثال قالت كاري ليك، المرشحة الجمهورية لمنصب حاكم ولاية أريزونا، للحشد في مؤتمر العمل السياسي للمحافظين في دالاس إن "هذه معركة حقيقية بين أولئك الذين يريدون إنقاذ أميركا وأولئك الذين يريدون تدميرها".

وقالت ليك بعد تفتيش مقر إقامة ترمب، إن الحكومة فاسدة حتى النخاع، ولن يتوقف هؤلاء الطغاة عند أي شيء لإسكات الوطنيين الذين يعملون بجد لإنقاذ البلاد.

ولا تقتصر مشكلة العنف على اليمين فقد وجدت بعض الدراسات الحديثة أن نسبة متساوية تقريباً من الليبراليين والمحافظين يتفقون على أن العنف ضد الحكومة يمكن تبريره بشكل مؤكد أو محتمل، وأظهر آخرون أنه في حين تضاعف الدعم للعنف السياسي بين الجمهوريين منذ أن تولى ترمب منصبه، إلا أنه ازداد أيضاً بين الديمقراطيين.

وفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، يوجد الآن حوالي 2700 تحقيق محلي مفتوح بشأن "الإرهاب المحلي"، وهو رقم تضاعف منذ ربيع عام 2020، وهذا لا يشمل الحوادث الأقل خطورة والتي لا ترقى إلى مستوى التحقيق الفيدرالي.

كما وصلت التهديدات ضد أعضاء الكونجرس إلى مستوى قياسي بلغ 9600 تهديد، وفقاً للبيانات التي قدمتها شرطة الكابيتول ونشرتها صحيفة "واشنطن بوست". 

وإذا كان من الصعب استشراف كيفية تحسن الوضع الحالي، فمن السهل رؤية كيف تزداد الأمور سوءاً، خاصة أنه حتى الذين يعتقدون أن ترمب ارتكب جرائم، ويستحق المقاضاة الكاملة بموجب القانون، يرون أن تقديمه إلى العدالة قد تكون له بعض العواقب الوخيمة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات