أوردت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية أن خبراء في السياسة الدفاعية من الحزب الاشتراكي الألماني يرغبون في إنهاء عجز أمني يعانيه الاتحاد الأوروبي، من خلال تزويده بقوات مسلحة خاصة، عبر قرار يتطلّب "زخماً ثورياً".
وذكّرت الصحيفة بأن وزير الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل أقدم، خلال مناقشة في البرلمان الأوروبي لتداعيات الانتخابات الأميركية، الأربعاء الماضي، على تهنئة الرئيس المنتخب جو بايدن على "نصره التاريخي"، قبل أن يدخل في "صلب الموضوع"، ويتمثل في وجوب أن تعزّز أوروبا "استقلاليتها الاستراتيجية، وأن تدير قدراتها بشكل أفضل، وأن تحمينا بشكل فاعل"، إذا أرادت استغلال فرص ستتيحها حقبة جديدة من الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وأضافت الصحيفة أن بوريل قال، خلال تنصيبه قبل نحو سنة، إن على الاتحاد أن يتعلّم "لغة القوة". كذلك شدد، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير الماضي، على وجوب أن تدافع أوروبا بنشاط عن مصالحها، دبلوماسياً وعسكرياً.
"القوة الصلبة"
ولفتت "لو فيغارو" إلى أن بوريل "ترجم أقواله إلى أفعال"، إذ روّج لنشر جنود في ليبيا، كما أنه لن يعارض تعزيز الوجود العسكري الأوروبي في منطقة الساحل أيضاً. وكتب الوزير الأوروبي في صحيفة "دي فيلت" الألمانية: "القوة الناعمة الفاضلة لم تعد كافية في عالم اليوم. يجب أن نضيف عليها بُعداً من القوة الصلبة".
لكن قرارات السياسة الخارجية في الاتحاد تتطلّب إجماع أعضائه (27 دولة)، فيما يبقى اللجوء إلى الجيش من مسؤولية الحكومات الوطنية.
وذكّرت "لو فيغارو" بأن عام 2005 شهد تأسيس قوات قتالية أوروبية، معروفة باسم "مجموعات القتال" (Battlegroups). وتنقسم هذه القوات إلى وحدتين عسكريتين، تضمّ كلّ منهما 1500 جندي، ووُضعتا بتصرّف الاتحاد، لتمكينه من الاستجابة بسرعة لأزمات محتملة.
والوحدتان مجهزتان بمعدات ثقيلة، مثل دبابات ومروحيات قتالية، وتقودهما لستة أشهر دولة إطار، هي عضو في الاتحاد وتؤمّن الجزء الأكبر من القوات، وفقاً لمبدأ التناوب. وتؤدي ألمانيا وإيطاليا هذا الدور الآن، كما تشارك دول أخرى بأعداد أقلّ.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه القوات لم تتدخل إطلاقاً بنزاع، في غياب اتفاق سياسي. وأضافت أن أي دولة عضو لم تتطوّع حتى الآن، لتولّي دور دولة الإطار خلال النصف الأول من عام 2021، علماً أن هناك نحو 1.4 مليون جندي نشط في أوروبا. وتجري المفوّضية الأوروبية الآن مفاوضات مع برلين وروما، لتمديد مهمتهما لثلاثة أشهر أخرى على الأقلّ.
"خطوة شجاعة"
وأشارت الصحيفة إلى أن بوريل تلقى "دعماً" من الحزب الاشتراكي الألماني، إذ أعدّت مجموعة العمل المعنية بسياسة الأمن والدفاع في التكتل النيابي للحزب، وثيقة من 12 صفحة، ورد فيها أن "الوضع الجيوسياسي والقيم الأوروبية يرغمان الاتحاد الأوروبي على أداء دور نشط في السياسة الأمنية". وأضافت أنه في حالات الأزمات "لا تزال المفوّضية تعتمد كثيراً على إرادة" دولها، معتبرة أن الوقت حان لـ"اتخاذ خطوة شجاعة نحو تأسيس جيش أوروبي".
وتُطلق المجموعة على اقتراحها اسم "الجيش الثامن والعشرين"، إذ سيُؤسَّس جيش منفصل، بالتوازي مع القوات الوطنية، بدل التركيز على تطوير التعاون بين الجيوش الوطنية السبعة والعشرين، كما يحصل حتى الآن. وسيخضع الجيش الجديد مباشرة للمفوّضية، التي ستسمّي مفوّضاً جديداً للدفاع.
وأوردت "لو فيغارو" أن لجنة الدفاع في البرلمان الأوروبي ستشرف سياسياً على هذا الجيش، مضيفة أن النواب الأوروبيين سيقرّرون نشر القوات بغالبية بسيطة، بناءً على اقتراح من المفوّضية، كما يحصل في ألمانيا.
ولفتت إلى أن هذا الأمر يميّز اقتراح الحزب الاشتراكي الألماني عن مبادرات أخرى أُطلقت سابقاً، مثل اقتراح وزير الخارجية البولندي السابق راديك سيكورسكي تأسيس "فيلق أوروبي"، مثل الفيلق الأجنبي في الجيش الفرنسي.
"قوة دفع ثورية"
وتنصّ الوثيقة التي أعدّها الاشتراكيون الألمان، على أن الجيش الثامن والعشرين سيعتمد على "مجموعات القتال"، مع وحدة أولية تضمّ نحو 1500 جندي. وعلى المدى المتوسط، سيُضاف لواء من القوات القتالية، ليبلغ عددها نحو 8000 جندي، بما في ذلك عناصر الدعم، مثل الموظفين اللوجستيين والطبيين.
وتتضمّن الوثيقة اقتراحات كثيرة، تمسّ التمويل، والمعدات، ولغة العمل، والأجور، ومسألة تمركز هذه القوات، إذ إن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك أراضٍ خاصة.
وقال فريتز فيلغنترو، مقرّر السياسة الدفاعية في التكتل النيابي للاشتراكيين الألمان، إن "الهدف هو تحسين قدرة الاتحاد على العمل، من خلال تحريرنا من المسائل الثقيلة للسيادة"، معتبراً أن "الجيش الثامن والعشرين يمكن أن يعزّز بشكل دائم، الركيزة العسكرية للتعاون الأوروبي".
وتحدث فيلغنترو ومساعدوه عن "زخم ثوري لتحفيز العملية التطوّرية" لتأسيس الجيش الأوروبي، إذ سيحظى في البداية بجاهزية وقدرة تشغيلية محدودة. ولكن على المدى البعيد، يمكن له، من خلال تطوّره، أن "يتولّى مهمات كثيرة للقوات المسلحة الوطنية، في مجالات الجيش البرّي والبحرية والطيران والأمن السيبراني، وأن يؤدي بالتالي إلى جيش أوروبي حقيقي".