نقلت الصين دبلوماسياً رفيعاً ارتبط بشكل وثيق باستراتيجية التحوّل نحو مسار "أكثر صدامية" في وزارة الخارجية خلال السنوات الأخيرة، إلى منصب جديد، في أحدث مؤشر على أن بكين تعيد التفكير في نهجها الذي يُسمى "المحارب الذئب" بحسب وكالة "بلومبرغ".
وأعلن الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجة الصينية، الاثنين، أن تشاو لي جيان، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، البالغ من العمر 50 عاماً، عُين في منصب نائب المدير العام لإدارة شؤون الحدود والمحيطات.
وعلى الرغم من أن القرار يبدو عملياً بمثابة تحرك أفقي بين الوظائف، إلا أن المنصب الجديد يُعد "أقل أهمية بكثير"، من منصب المتحدث الرسمي، بحسب "بلومبرغ"، التي أشارت إلى أن تشاو أصبح منذ فبراير عام 2020 أحد أبرز المسؤولين الحكوميين الصينيين الذين يتابعهم نحو 8 ملايين مستخدم على منصة "ويبو" الصينية للتواصل الاجتماعي.
وتأتي هذه الخطوة، بعد أقل من أسبوعين من تعيين سفير الصين السابق لدى الولايات المتحدة، تشين جانج، الذي سبق أن شغل منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية، وزيراً للخارجية.
وأظهر تشين، البالغ من العمر 56 عاماً، مقاربة أكثر تقليدية وأقل تأثراً بمواقع التواصل الاجتماعي، وأشار إلى رغبته في إصلاح علاقات بلاده مع دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا، وهي من أبرز الأهداف التي وجه لها تشاو النقد.
وتتزامن هذه التحولات على مستوى الأفراد مع توجه الرئيس الصيني شي جين بينج نحو إعادة التواصل مع الولايات المتحدة وحلفائها، إذ عقد الرئيس الصيني أول قمة شخصية مع نظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة الـ20 في جزيرة بالي بإندونيسيا، في نوفمبر الماضي.
كما سعى شي إلى تحسين علاقات بلاده مع قادة الدول الكبرى المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن وزارة الخارجية في بكين "لم ترد على الفور" على طلبها للتعليق، الثلاثاء، بشأن نقل تشاو.
صعود على "تويتر"
ووفقاً لـ"بلومبرغ" بزغ نجم تشاو بدرجة كبيرة من خلال شخصيته القتالية على "تويتر" أثناء خدمته في بعثة الصين في باكستان، بما في ذلك حواره المحتدم، في يوليو 2019، مع مستشارة الأمن القومي الأميركي السابقة، سوزان رايس، بشأن ادعاءات "الفصل العنصري" في الولايات المتحدة.
وسرعان ما أصبح تشاو مرتبطاً بجيل أكثر صدامية من دبلوماسيي مقاربة "المحارب الذئب"، في إشارة إلى سلسلة من أفلام الحركة، تجسد بطلاً شبيهاً بشخصية بطل الحرب الأميركي "رامبو"، يقهر الخصوم الأجانب.
واعتُبر تعيين تشاو في مكتب المتحدث الرسمي، في أغسطس 2019، على أنه نوع من الموافقة من قبل قيادات عليا في الصين على أسلوبه، وتبنى العديد من الدبلوماسيين الصينيين الآخرين في جميع أنحاء العالم هذا الأسلوب.
وفي الأيام الأولى من تفشي جائحة كورونا، أثار تشاو الغضب في الولايات المتحدة بترويجه نظرية مؤامرة بشأن أصل الفيروس، وتساءل عما إذا كان الفيروس أُحضر إلى ووهان خلال زيارة قام بها رياضيون أميركيون.
كما أثار تشاو أيضاً الجدل عندما أشار عبر "تويتر" بوضوح إلى مزاعم بشأن تورط جنود أستراليين في "عمليات قتل غير قانونية" في أفغانستان، ما دفع رئيس وزراء أستراليا إلى المطالبة باعتذار.
والعام الماضي، كان تشاو ضمن مروجين رئيسيين لنظريات "المؤامرة" التي تدعمها روسيا بشأن مختبرات الأسلحة البيولوجية الأميركية في أوكرانيا.
وحظيت هذه المقاربة الحاسمة بشعبية لدى مستخدمي الإنترنت الصينيين المتحمسين لتقديم بلادهم رد فعل على السياسة الخارجية التي كان يمارسها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، عبر "تويتر".
ولكن هذه المقاربة الدبلوماسية أسهمت أيضاً في انهيار الدعم الشعبي للصين في الدول المتقدمة، إذ ارتفعت نسبة الأميركيين الذين يحملون آراء سلبية عن الصين إلى 82% في عام 2021، وفقا لما أوردته "بلومبرغ".
"تراجع" تشاو
ولفتت "بلومبرغ" إلى أن أخبار نقل تشاو جذبت أكثر من 23 مليون متابع على موقع التواصل الاجتماعي ويبو، حتى صباح الثلاثاء"، إذ فسره كثيرون على أنه "خفض درجة وظيفية".
وتشرف إدارة شؤون الحدود والمحيطات على السياسات المتعلقة بالحدود البرية والبحرية، بما في ذلك المفاوضات بطيئة الإيقاع مع دول جنوب شرقي آسيا لوضع مدونة قواعد سلوكية في بحر الصين الجنوبي.
مع ذلك، عزا بعض مستخدمي الإنترنت الصينيين قرار النقل إلى منشور تم تداوله في نوفمبر بشكل واسع على "ويبو"، ويُزعم أنه من قبل زوجة تشاو، التي أشارت إلى أنه (تشاو) "عمل بجد ولكن من دون أن يحظى بالتقدير الكافي". وكتب أحد المعلقين أن "أمنية زوجته تحققت".
واعتبر آخرون أن النقل يأتي في إطار الجهود التي تبذلها الدولة الصينية "للتخفيف من حدة نبرتها الدبلوماسية".
وفي السياق، كتب أحد مستخدمي "ويبو"، ويحمل الاسم المستعار "تشاو"، إن "الأخ جيان أكثر ميلاً إلى معسكر الصقور، ما قد يجعله أقل مناسبة للتعديلات التي تجرى على سياستنا الخارجية"، مضيفاً أنه "عندما نحتاج إلى الصقر مرة أخرى، سنطلق سراحه".
وبحسب "بلومبرغ"، قدم تشاو بالفعل الإفادة الإخبارية اليومية لوزارة خارجية بلاده "على نحو أقل تواتراً" خلال الأشهر الأخيرة. وظهر 19 مرة على المنصة خلال الفترة الممتدة بين مطلع سبتمبر وحتى نهاية عام 2022، مقارنة بـ72 مرة في الأشهر الثمانية الأولى من العام ذاته، وكان آخر ظهور له في 2 ديسمبر الماضي.
اقرأ أيضاً: