الجفاف ونقص المياه.. تحديات جديدة للنظام السياسي في إيران

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة لأحد الجسور تُظهر جفاف نهر "زيانده رود" في إقليم خوزستان جنوب غربي إيران- 11 أبريل 2018 - AFP
صورة لأحد الجسور تُظهر جفاف نهر "زيانده رود" في إقليم خوزستان جنوب غربي إيران- 11 أبريل 2018 - AFP
دبي -الشرق

ألقت وكالة "بلومبرغ" الأميركية الضوء على أزمة الجفاف التي تشهدها إيران وتُعد "الأسوأ" منذ عقود، لافتةً إلى أن آلاف الإيرانيين غمروا أرض نهر "زيانده رود" الجرداء الشهر الماضي احتجاجاً على طريقة إدارة الدولة لموارد المياه.

وكانت قد اندلعت اشتباكات عنيفة الصيف الماضي في مقاطعة خوزستان، جنوب غربي إيران، حيث أدت عقود من استخراج النفط إلى تجفيف الأراضي الرطبة وتدمير التربة التي كانت خصبة في السابق.

بحسب تقرير نشرته السبت، أشارت الوكالة إلى أنه مع احتدام الصراع بين إيران والولايات المتحدة تنامت مشاعر الإحباط لدى الإيرانيين، بشأن رد فعل قادة البلاد على العقوبات الأميركية الصارمة، حيث تراجع الدعم الشعبي لهم إلى مستوى قياسي، وهو ما رأت "بلومبرغ" أنه يرجع أيضاً جزئياً إلى قمع المعارضة.

لكن الآن، و"نتيجة عقود من التوسع الصناعي غير المنضبط، باتت أزمة ندرة المياه المتفاقمة، تُشكل تحدياً جديداً يمكن أن يطغى على معركة طهران مع واشنطن حول كيفية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015".

وذكرت دراسة أجريت في عام 2019 ونُشرت في مجلة "نيتشر" العلمية، أن تغير المناخ كشف عن نقاط الضعف الموجودة في الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد على استخراج النفط والممارسات الزراعية غير المستدامة، فمع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، من المرجح أن تطال إيران تأثيرات حادة وتشهد المزيد من الجفاف والفيضانات.

ولفتت الوكالة إلى أن الأخبار الخاصة بأزمة المياه باتت تتصدر عناوين الصحف اليومية الحكومية، والتي تتحدث عن الانخفاضات الهائلة في معدل هطول الأمطار، وانهيار السدود، ونضوب خزانات المياه الجوفية والسطحية.

"هدر المياه"

وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية، حذرت في وقت سابق من أن أكثر من 300 بلدة ومدينة تواجه الآن أزمة حادة في المياه، كما يُقدر خبراء الأرصاد الجوية التابعون للحكومة أن 97% من البلاد أصبحت متأثرة بالجفاف، بينما يقول أحد الأكاديميين إن 20 مليون شخص أُجبروا على الانتقال إلى مدن أخرى، بسبب جفاف الأرض الذي لا يناسب الزراعة.

كما سجلت العديد من السدود في إيران مستويات قياسية من التبخر هذا العام، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في ذروة أحد أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق، كما انخفض معدل تساقط الثلوج الذي يُمثل 70% من المياه في نهر "زيانده رود" بما يقارب 14% بين عامي 2017 و2020.

وحتى مع تقلص ​​الإمدادات، فإن الإيرانيين الذين يمكنهم الوصول إلى المياه يواصلون الإفراط في استهلاكها، إذ يستخدم الفرد في طهران ثلاثة أضعاف ما يستخدمه الفرد في هامبورج بألمانيا من المياه، وحتى أنه في خضم الجفاف الحالي، لا تزال الحدائق والمتنزهات العامة في العاصمة الإيرانية تُروى بالكثير من المياه، إذ من الشائع رش الأرصفة هناك لتبريدها، حسب "بلومبرغ".

وللبحث عن المياه لجأ الناس في إيران إلى حفر الآبار بشكل غير قانوني، إذ حفر المزارعون في أصفهان أكثر من 10 آلاف بئر في السنوات الأخيرة.

ونقلت الوكالة عن الأستاذة في قسم قوانين المياه والدبلوماسية في معهد IHE Delft في هولندا سوزان شامير، قولها إن تطبيق سياسات تقنين المياه ووقف الحفر غير القانوني قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في إيران، مضيفة أنه "على الرغم من وجود 130 ألف بئر غير قانوني هناك، إلا أنه لا يوجد أي جهد لسدهم".

"حلقة مفرغة"

تقرير "بلومبرغ" أشار إلى أن "هناك القليل من الرغبة لدى إيران، سادس أكبر باعث في العالم لثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، للانضمام إلى الجهود العالمية للحد من الانبعاثات أو الاستثمار في تدابير الحفاظ على المياه"، فضلاً عن أن "الرد المألوف بالنسبة للقيادة الإيرانية لمواجهة انتقادات سياساتها المائية هو إلقاء اللوم على العقوبات الأميركية".

وتابعت الوكالة "كان للعقوبات بعض التأثير حقاً، إذ أنها أدت لإيقاف العديد من المشاريع الأوروبية التي كانت تهدف إلى تطوير أنظمة إدارة المياه في طهران، بما في ذلك مشروعان مدعومان وممولان من وكالة التنمية الألمانية، كما أنه في عام 2014، تم حظر أموال تقدر بأكثر من 7.6 مليون دولار كانت مُخصصة من مرفق البيئة العالمية".

وفي وقت سابق، حذّر النائب السابق لوزير البيئة الإيراني كاوه مدني، من مخاطر سوء إدارة نهر "زيانده رود" المستمرة منذ ما يقارب العقدين، ونقلت عن مدني، الذي خدم في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، حديثه عن نموذج كان قد طوره أثناء دراسته في السويد عام 2005، والذي وضعه لتقييم الحلول المحتملة للتخفيف من حدة معدل جفاف النهر، لكنه أظهر أنه حتى تحويل المياه من المقاطعات المجاورة لن يساعد في حل الأزمة.

ويقول مدني، "كان الأمر صادماً بالنسبة لي، لقد قمت بالنظر في النموذج عدة مرات معتقداً أنه كان هناك خطأ ما، حتى أدركت أن المزيد من إمدادات المياه ستؤدي لزيادة الطلب وخلق حلقة مفرغة ستؤدي إلى تفاقم الوضع على المدى الطويل".

"ملاحقة الخبراء"

لكن رغم هذه التحذيرات، لكن لم يستمع أحد لكاوه مدني الذي غادر إيران في أبريل 2018، بعد أن تم اعتقاله عدة مرات من قبل المخابرات الإيرانية التي كانت تشك بشدة في المسؤولين الذين لهم صلات خارجية، إذ تعاملت مع المهتمين بالبيئة، الذين كانوا ذات يوم نشطاء في المجتمع المدني، باعتبارهم تهديداً للأمن القومي للبلاد.

وذكرت "بلومبرغ" أن هناك أشخاص آخرين مهتمين بالقضية تعرضوا للضغط أيضاً، لافتةً إلى أنه في أوائل عام 2018، تم القبض على 9 من دعاة حماية البيئة ووُجهت إليهم اتهامات بالتجسس وانتهاك الأمن القومي، وهو الاتهام الذي غالباً يُوجه لمزدوجي الجنسية أو الإيرانيين الذين تربطهم صلات شخصية بالغرب.

لكن جميع المتمهين، وفقاً للوكالة، أنكروا الاتهامات الموجهة إليهم، مشيرةً إلى وفاة أحد المعتقلين في السجن، وهو الأكاديمي البارز كاوس سيد إمامي، والذي قال القضاء الإيراني إنه "انتحر"، وهو الادعاء الذي ترفضه عائلته بشدة.