موسكو تستعد لـ"حملة غربية" للتشكيك في مسار انتخاباتها

time reading iconدقائق القراءة - 11
شاشة تعرض ملصقاً لحملة حزب روسيا الموحدة يضم مرشحين لمجلس الدوما من بينهم وزير الخارجية سيرجي لافروف، موسكو، 8 سبتمبر 2021 - AFP
شاشة تعرض ملصقاً لحملة حزب روسيا الموحدة يضم مرشحين لمجلس الدوما من بينهم وزير الخارجية سيرجي لافروف، موسكو، 8 سبتمبر 2021 - AFP
موسكو-الشرق

مع انطلاق عمليات الاقتراع الشاملة في روسيا الجمعة، لاختيار 450 نائباً في مجلس الدوما (النواب)، وحكام المقاطعات وأعضاء المجالس المحلية والبلدية في المدن والأقاليم، تضع الدوائر الروسية عيناً على سير الاستحقاق الانتخابي الذي يحظى بأهمية خاصة هذا العام، وعيناً أخرى على ردود الفعل الغربية التي استبقت ورافقت الحملة الانتخابية. 

لم يعد يخفى من اللهجة الروسية القوية، والتحذيرات المتتالية من احتمالات "التدخل الغربي" في مسار الانتخابات، والسعي إلى ممارسة ضغوط على موسكو في المرحلة اللاحقة بعدها، أن هذا الملف، غدا واحداً من العناصر الإضافية التي تؤجج المواجهة المتفاقمة بين روسيا والغرب على أكثر من صعيد.

ومن مفارقات السياسة العالمية، كما يقول خبراء روس، أن روسيا التي ظلت لسنوات طويلة في قفص الاتهام الغربي، بسبب تقارير عن تدخلها في استحقاقات انتخابية، ومحاولاتها التأثير على الرأي العام في بلدان الغرب، تجد نفسها اليوم على الطرف الآخر، وهي محاطة كما يقول مسؤولون روس، بمؤامرات ومخططات لإفساد الانتخابات واستفزاز تحركات مناهضة للسلطات في الشارع. 

اتهامات لواشنطن

اتخذت التحذيرات الروسية المتواصلة خلال الأسابيع الأخيرة، من "محاولات التدخل الغربي" في الانتخابات، عبر التحريض الإعلامي ووضع مقدمات للتشكيك في نتائجها لاحقاً، طابعاً أكثر وضوحاً خلال الأسبوع الأخير، مع توجيه أصابع الاتهام إلى واشنطن. 

 كانت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، حذرت من أن الغرب "سيواصل هجماته الإعلامية على روسيا قبيل الانتخابات"، مضيفة أن "موسكو مستعدة لذلك".

وشددت الدبلوماسية الروسية على أن "الهجمات ازدادت الآن واشتدت عدة مرات في المجال الإعلامي والسياسي، ونحن على قناعة بأنها سوف تتواصل". 

لكن وزير الخارجية سيرجي لافروف، الذي جاب الأقاليم في حملات دعائية لصالح الحزب الحاكم كان أكثر تحديداً، عندما اتهم واشنطن بالعمل بشكل مباشر على "محاولة زعزعة الوضع الداخلي قبيل الانتخابات". 

لافروف ركز الاتهامات الموجهة لواشنطن في اتجاهين، الأول دعم نشاط المعارضة من خلال المساعدة على الترويج لآلية "التصويت الذكي"، وهي آلية دعا إليها أنصار المعارض البارز أليكسي نافالني، لتقليص فرص مرشحي الحزب الحاكم، من خلال حث المواطنين على منح أصواتهم لمرشحي الأحزاب الأخرى. والثاني محاولة التأثير على المنظمات الدولية في الغرب، لثنيها عن المشاركة في مراقبة الاستحقاق الانتخابي، بما يضعف الثقة بمساره ونتائجه.

وألمح وزير الخارجية الروسي إلى أن واشنطن "استخدمت أوكرانيا لتنفيذ العديد من الاستفزازات ضد روسيا عشية انتخابات مجلس الدوما".

جاء ذلك على خلفية معطيات قالت موسكو إنها توافرت لديها، بأن الجانب الأوكراني "وجه بدعم من واشنطن مذكرات إلى سفارات عدد واسع من البلدان، يطلب فيها عدم إرسال مراقبين إلى الانتخابات الروسية. وقد حصلت سفارة بيلاروسيا لدى كييف على مذكرة مماثلة ونقلتها إلى الروس".

وفي الاتجاه الأول، نبه لافروف إلى أن الغرب "يحاول التشكيك سلفاً في نتائج الانتخابات المقبلة في روسيا".

وأوضح خلال لقاء مع فعاليات شبابية، تحضيراً للانتخابات أن "الزملاء الغربيين يريدون كذلك التأثير على نتائجها، وهم يحاولون الآن إثارة الشكوك حول موضوعيتها والتشكيك في نتائجها.. لقد شاهدنا كل ذلك، في الحملات الانتخابية السابقة، لكنه الآن يظهر، بشكل متفاقم أكثر". 

وكانت موسكو استدعت السفير الأميركي جون ساليفان الأسبوع الماضي، وسلمته مذكرة احتجاج و"رزمة من الوثائق" التي تثبت التدخل الأميركي في الحملات الانتخابية. وقال دبلوماسيون روس إن السفير "وعد بدراسة الوثائق التي قدمتها له الخارجية". 

وفقاً للافروف فإن البيانات التي نقلت إلى السفير "خطيرة إلى حد كبير". وهي تتعلق بالدرجة الأولى بقيام شركات أميركية بتأمين خوادم إلكترونية ومساعدات واسعة لنشر تطبيق "التصويت الذكي" في روسيا.

غياب المعارضة

لكن المشكلة الروسية في هذا الشأن لا تقتصر على عمليات دعم محتملة لبعض أطراف المعارضة، إذ ظلت مسألة الحريات العامة وملف ملاحقة المعارضين الروس بنداً دائماً على جدول أعمال اللقاءات الروسية الغربية خلال السنوات الأخيرة. 

وكان لافتاً أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في زيارتها "الوداعية" إلى موسكو قبل أسابيع، أثارت هذا الموضوع في الكرملين، وطالبت بالإفراج عن نافالني، وتهيئة الظروف لمشاركة حقيقية للمعارضة في الحياة السياسية في البلاد. 

مثل هذا الموقف أعرب عنه عدد من الزعماء الغربيين في اتصالاتهم مع الروس، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ومع الغياب شبه الكامل للمعارضة عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية الحالية، يبدو أن هذه النقطة الخلافية الكبرى ستظل على أجندة البحث خلال المرحلة المقبلة. 

المقاطعة الأوروبية

بين المقدمات الأولى التي برزت بشكل مبكر قرار المقاطعة الأوروبية للاستحقاق الانتخابي. إذ أعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنها لن ترسل مراقبين إلى الانتخابات الروسية، في قرار غير مسبوق خلال العقدين الأخيرين. إذ حرص الأوروبيون تقليدياً، على حضور كل الاستحقاقات الانتخابية في روسيا، ولو توفرت لديهم ملاحظات أحياناً على مسارها. 

بررت المنظمة الأوروبية قرارها بأن موسكو وضعت شروطاً على مراقبيها، وقيوداً على تحركات من يحضر منهم. لكن موسكو أكدت أن تلك القيود بسبب الظروف الوبائية، لذلك طلبت من الأوروبيين اقتصار بعثتهم لمراقبة الانتخابات على خمسين شخصاً، على أن يكون مسار تحركاتهم موافقاً لشروط السلامة الصحية والقيود التي تفرضها تدابير مواجهة تفشي وباء "كورونا". 

هذه الشروط لم تقنع الجانب الأوروبي. وبدا من تعليقات المسؤولين الروس، والتغطيات النارية التي برزت في وسائل الإعلام الحكومية أن موسكو تستعد لحملة تشكيك واسعة في نتائج الانتخابات، وأن غياب مراقبي المنظمة الأوروبية يمهد الطريق لذلك. 

ويعني ذلك، أن ملف "نزاهة الانتخابات" سينضاف إلى مسألة التضييق على المعارضة وحرمانها من المشاركة في الانتخابات، ليشكلا معاً مقدمة أساسية لتأجيج "الحرب الإعلامية والسياسية" على روسيا، وفقاً لتعبير دبلوماسي روسي. 

في المقابل، استبقت موسكو التطورات المتوقعة بالتأكيد على أن الغياب الأوروبي عن مراقبة الانتخابات، لا يمكن أن يقلص من درجة نزاهتها وشفافيتها، وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية أن نحو 250 مراقباً من 50 دولة ومن 8 منظمات دولية، سيراقبون سير الانتخابات في روسيا. 

بل إن رئيسة اللجنة، إيلا بامفيلوفا، أكدت أنه تم تشكيل نظام مراقبة إلكترونية شاملة في البلاد. عبر استخدام تقنيات الفيديو لمتابعة سير عمليات التصويت خلال انتخابات مجلس الدوما. ووفقاً للمسؤولة، فإن كاميرات الفيديو "تغطي 96% من مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء البلاد". 

تبدو هذه التصريحات رداً مباشراً، على اتهامات المعارضة للسلطات الروسية بالتخلي عن آليات المراقبة الإلكترونية في المراكز الانتخابية، علماً بأن الجدل حول هذا الموضوع كان قد اشتد في مجلس الدوما في وقت سابق، وبرزت بالفعل دعوات لإلغاء نظام المراقبة. 

استعدادات مواجهة 2024

واحدة من النقاط الرئيسية التي تشغل الكرملين في هذا الاستحقاق الانتخابي، أنه يعد مع كل ما يحيط به من سجالات أو نقاشات، "جولة تحضيرية" للاستحقاق الانتخابي الرئاسي في عام 2024. وهذا لا يتعلق فقط بدراسة المزاج الشعبي، وفحص قدرة منظمي الانتخابات على تجاوز التعقيدات الكثيرة المتعلقة بتراجهع شعبية الحزب الحاكم، بل يمتد لبحث احتمالات اتساع المواجهة مع الغرب، ودرجة قدرة الأخير على استخدام التطورات الداخلية للضغط والتأثير على موسكو. 

في مسألة المزاج الشعبي، فإن اكتساح حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، وفقاً للتوقعات سيعني منح تفويض جديد وكامل للرئيس فلاديمير بوتين وسياساته الداخلية والخارجية، ما يوفر أرضية واسعة للانتقال نحو انتخابات الرئاسة الجديدة التي يشارك فيها بفضل تعديل دستوري مثير للجدل تم إقراره العام الماضي. ونص على "تصفير" العداد الرئاسي لبوتين بعد ولايتيه الماضيتين، ما يمنحه الحق في الترشح مجدداً للرئاسة لولايتين جديدتين، يمكن أن يبقى معهما في سدة الحكم حتى عام 2036. 

لكن في الموضوع الثاني المتعلق بالموقف الغربي، يبدو الاختبار أكثر صعوبة؛ إذ يهدد تأجيج المواجهة مع الغرب على خلفية هذه الانتخابات، بفتح مسار واسع خلال السنوات المقبلة لاستفزاز تحركات شعبية واسعة النطاق في البلاد. وهذا يفسر حرص المسؤولين الروس على تكرار التنبيه من "محاولات خارجية لزعزعة الأوضاع الداخلية".

في هذا الإطار، جاء تحذير مدير جهاز الاستخبارات الخارجية في روسيا سيرغي ناريشكين، من أن الهيئة الأمنية "على علم بتحضيرات جارية في الخارج للقيام باستفزازات أثناء انتخابات عامي 2021 و2024 في البلاد"، ليثير العديد من التساؤلات، كونه ربط للمرة الأولى بشكل رسمي ومعلن بين الاستحقاقين الانتخابيين. 

وقال ناريشكين في تصريحات تلفزيونية إن "الحديث يدور أولاً عن انتخابات مجلس النواب والعمليات الانتخابية الأخرى التي ستجرى في روسيا في الفترة من 17 حتى 19 سبتمبر، وثانياً عن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2024"، مؤكداً أن الاستخبارات الروسية "على علم بالنقاط التي سيتم استهدافها".