ندوب "خسارة" قره باغ تؤجّج الصراع السياسي في أرمينيا

time reading iconدقائق القراءة - 7
تجمّع للمعارضة في يريفان يطالب باستقالة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان. 27 فبراير 2021 - REUTERS
تجمّع للمعارضة في يريفان يطالب باستقالة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان. 27 فبراير 2021 - REUTERS
دبي-إيلي هيدموس

حمّلت قوى المعارضة في أرمينيا رئيس الوزراء نيكول باشينيان مسؤولية خسارة يريفان سيطرتها على أجزاء كبرى من إقليم ناجورنو قره باغ، المتنازع عليه مع أذربيجان.

وإذا كان حراك المعارضة مستمراً، منذ إبرام اتفاق الهدنة، برعاية روسية، في نوفمبر الماضي، سعياً إلى الإطاحة بباشينيان، فإن الأمور اتخذت منحى آخر أخيراً، بعد دخول الجيش الأرميني على الخط، ومطالبته رئيس الوزراء بالاستقالة.

وتمثل ردّ باشينيان في عزل نائب رئيس الأركان تيران خاتشاتريان، ثم أمر بعزل رئيس الأركان أونيك غاسباريان، لكن الرئيس أرمين سركيسيان رفض ذلك، وقد ينتهي الأمر في عهدة المحكمة الدستورية.

ربما كان غريباً، أن تكون صواريخ "إسكندر" الروسية الصنع، الصاعق الذي فجّر الأزمة الأخيرة، لكن السجال في شأنها ينكأ جروحاً قديمة في يريفان، ويحيي صراعات سياسية مريرة طغت على المشهد في البلاد، وأسهمت في إضعافها إزاء عدوتها اللدود أذربيجان.

"سلاح الثمانينات"

رئيس الوزراء الأرميني السابق سيرج سركيسيان شكا من أن باشينيان لم يستخدم أنظمة "إسكندر" خلال حرب قره باغ، حتى خسارتها فعلياً. وردّ الأخير، قائلاً خلال مقابلة: "دعه يسأل لماذا لم تنفجر (صواريخ) إسكندر، أو لماذا انفجرت بنسبة 10%، مثلاً. ربما يكون (إسكندر) سلاحاً من ثمانينات" القرن العشرين.

وكان باشينيان يشير بذلك إلى قول سركيسيان، بعد نزاع عسكري واسع مع أذربيجان، في عام 2016، إن الجيش الأرميني كان يقاتل بـ"أسلحة من الثمانينات".

تعرّض سركيسيان آنذاك لانتقادات عنيفة، وأشار باشينيان، في يناير 2020، إلى شراء أسلحة روسية جديدة، متباهياً بـ "نهاية الفصل المخزي من أسلحة الثمانينات".

وإذا كان الخلاف بين الرجلين مفهوماً، بعدما قاد باشينيان "ثورة ملوّنة" أطاحت بسركيسيان، في عام 2018، فإن كلام رئيس الوزراء لم يرق للجيش، إذ سخر منه نائب رئيس الأركان تيران خاتشاتريان، واصفاً تصريحاته بأنها "غير جدية" و"سطحية".

سارع باشينيان إلى إعفاء خاتشاتريان من منصبه، علماً أنه نال أخيراً لقب "بطل أرمينيا"، لدوره في القتال بقره باغ. دفع ذلك رئيس الأركان أونيك غاسباريان و40 قائداً عسكرياً إلى مطالبة رئيس الوزراء بالاستقالة، منبّهين إلى أن "أخطاءً جسيمة في السياسة الخارجية دفعت البلاد إلى حافة انهيار"، ومندّدين بـ"محاولة لتشويه سمعة" القوات المسلحة.

وردّ باشينيان داعياً الرئيس أرمين سركيسيان إلى إقالة غاسباريان، علماً أن سركيسيان على خلاف مع باشينيان، وطالبه في وقت سابق بالتنحّي.

"انقلاب عسكري"؟

وعلى الرغم من أن سركيسيان شدد على أنه لا يدعم أياً من الجانبين، داعياً الجيش إلى "الحفاظ على حياده السياسي"، فإن رئيس الوزراء السابق فازغين مانوكيان، الذي يتزعّم المعارضة وطُرح بوصفه بديلاً لباشينيان، اعتبر أن "الرئيس أثبت أنه يقف إلى جانب الجيش".

وأضاف خلال تجمّع حاشد للمعارضة في يريفان: "آمل بأن نرى تصريحات من الشرطة وجهاز الأمن الوطني، تفيد بأنهما انحازا بدورهما إلى الجيش". واعتبر مانوكيان أن "الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى نضالنا".

تعقيباً على حديث باشينيان عن "انقلاب عسكري"، قالت السياسية، المعارضة نايرا زوغرابيان، التي كانت تعمل سابقاً في صحيفة مملوكة من باشينيان، منتقدة الأخير: "هذا ليس انقلاباً عسكرياً. هذه ثورة في الفكر، والعقل، والحب، وستنتصر".

وكتب توماس دو فال، وهو باحث في "معهد كارنيغي"، متخصص في شؤون أوروبا الشرقية والقوقاز، على "تويتر"، أن أزمة أرمينيا أخذت "منعطفاً نحو الأسوأ"، لافتاً إلى "تحوّل خطر، لأن الجيش بقي دائماً بعيداً من السياسة". وأضاف: "يحاول باشينيان الآن مواجهة النخبة بأكملها، بما في ذلك الكنيسة والرئيس، للبقاء في منصبه".

أما ريتشارد جيراغوسيان، مدير "مركز الدراسات الإقليمية"، وهو مجموعة تحليلية تتخذ يريفان مقراً، فنبّه إلى انهيار مقلق في القيادة المدنية للجيش. وقال لصحيفة "نيويورك تايمز" إن بيان الجنرالات أظهر "دخول العسكر الساحة السياسية".

باشينيان وقره باغ

وفي ظلّ ضبابية المشهد في أرمينيا، كان حزب باشينيان تراجع عن خطط لتنظيم انتخابات نيابية مبكرة، معتبراً أن هذا الاقتراح "لم يلقَ رداً إيجابياً من المعارضة البرلمانية"، ومؤكداً أن لا "مطلب عاماً" لإجرائها.

جاء ذلك، بعدما أعرب رئيس الوزراء، أواخر ديسمبر الماضي، عن استعداده لتنظيم انتخابات مبكرة في عام 2021، سعياً للخروج من الأزمة السياسية في البلاد. لكن شبكة "دويتشه فيليه" أفادت بأن شعبية باشينيان تراجعت إلى 30%.

وكان لافتاً ما كتبه دو فال أخيراً، من أن "باشينيان أسهم في إشعال فتيل حرب عام 2020، من خلال خطابه القومي بشأن قضية قره باغ، ورفضه الالتزام بقوة بعملية السلام، بموجب إطار المبادئ الأساسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا".

وتابع مرجّحاً أن يكون "تصرّف على هذا النحو، ليس نتيجة إخلاصه الشديد لقضية قره باغ، ولكن للسبب المعاكس، إذ أراد تأجيل التعامل مع هذه القضية، للتركيز على أجندته المحلية الطموحة في أرمينيا".

ونقل دو فال عن ألكسندر إسكندريان، مدير "معهد القوقاز" في يريفان، قوله: "باشينيان هو أول زعيم وصل إلى السلطة في أرمينيا، في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، ولم تكن أجندته تتمحور حول قره باغ. (الإقليم) مشكلة بالنسبة إليه. بالنسبة إلى الآخرين، كان حجر الزاوية في أجنداتهم السياسية".

أرمينيا وروسيا

وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث إلى باشينيان قبل أيام، وحضّ الكرملين على إبقاء الوضع في أرمينيا في أطره "الدستورية"، فإن تصريحات رئيس الوزراء الأرميني عن صواريخ "إسكندر" قد تمسّ علاقاته بموسكو، علماً أنها أثارت انتقادات روسية عنيفة.

وبينما تعاني الساحة السياسية الأرمينية ندوباً عميقة، بعد الخسارة في قره باغ، قال المحلل الأرميني هرانت ميكاليان إن "مثل هذه الطعنة العلنية في ظهر روسيا، عندما يعتمد أمن أرمينيا عليها بالكامل، هو أمر محيّر".

اقرأ أيضاً: