واشنطن وحلفاؤها يحاولون عرقلة هيمنة بكين على أشباه الموصلات

time reading iconدقائق القراءة - 8
علم الصين قرب مقر "الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات" في شنغهاي - 19 ديسمبر 2020 - Bloomberg
علم الصين قرب مقر "الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات" في شنغهاي - 19 ديسمبر 2020 - Bloomberg
دبي-الشرق

حذرّت مجلة "إيكونوميست" من أن خطط بكين للهيمنة على صناعة أشباه الموصلات، ربما تشكل "تهديداً خطيراً" للأمن العالمي، لافتة إلى أن واشنطن وحلفاءها يعملون على التخطيط لمنع تلك السيطرة.

وقال تقرير للمجلة البريطانية إنه في عهد  الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، نظر كثيرون مجدداً إلى التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققته الصين، وخلص البعض إلى أن بكين "تشكل تهديداً خطيراً على الاقتصادات الغربية، وربما حتى على الأمن العالمي".
 
وأشار التقرير إلى أن شركة "هواوي" الصينية المُصنع الناجح ببراعة لمعدات الاتصالات، تعد "واجهة ذلك التهديد"، إذ اتهمت الولايات المتحدة الشركة بالعمل "كقناة للمراقبة والهيمنة التي تمارسها الحكومة الصينية".

"ضربة" أميركية لـ"هواوي"

وفي عام 2018، وجهت أميركا "ضربة" إلى "هواوي"، وحظرت تصدير الرقائق الإلكترونية الأميركية الدقيقة، التي تعتمد عليها منتجات الشركة الصينية. ويبدو أن هذا الحظر أحدث التأثير المرجو. ففي العام الماضي تقلصت عائدات "هواوي"، لأول مرة خلال عقد، إلى الثُلث تقريباً.

وكان من غير المسبوق، بحسب المجلة، أن تُقدم دولة على عرقلة شركة تكنولوجيا كبيرة، إذ كانت عائدات "هواوي" لا تقل ضخامة عن عائدات "مايكروسوفت".
 
لكن هذا العمل لم يمر من دون تكلفة، إذ أدى إقدام إدارة ترمب على هذا العمل بمفردها من دون تعاون وثيق مع حلفاء واشنطن، إلى تحفيز المستثمرين حول العالم، ومنهم شركات أميركية كانت تبيع معدات بمليارات الدولارات للصين، على إمداد الصين بالحلقات المفقودة من مواد صناعة أشباع الموصلات، عبر سبل لا تخرق القانون الأميركي.

وفي غضون ذلك، ضاعفت الشركات الصينية، جهودها لتطوير نسختها الخاصة من تكنولوجيات الرقائق الإلكترونية، التي كانت تستوردها في السابق عبر سلاسل توريد مرتبطة بشركات أميركية، مدفوعة في ذلك باستثمارات بمليارات الدولارات من قبل الدولة الصينية.

"إجماع" مع الحلفاء

ووفقاً للمجلة، بدا الأمر وكأن الحكومة الأميركية ستفقد سيطرتها تدريجياً على سلاسل إمدادات الرقائق الإلكترونية. ولتجنب هذه النتيجة، وللحفاظ على حد أدنى من السيطرة على ما يتدفق من هذه التكنولوجيا إلى الصين، كان على واشنطن "التوصل إلى إجماع" مع الدول الصديقة.

لذا، منذ تولى الرئيس الأميركي جو بايدن الحكم، في مطلع 2021، عمد مسؤولو إدارته إلى إثارة مسألة فرض ضوابط على تصدير الرقائق الإلكترونية كلما تحدثوا إلى حلفائهم الأجانب.

في هذا السياق، نقلت "ذي إيكونوميست" عن أحد أعضاء جماعات الضغط في واشنطن، لم تذكر اسمه، قوله إنه "منذ 25 عاماً لم ير أشباه الموصلات تتصدر الأجندة الدبلوماسية بهذا الإلحاح"، إذ بدأت الحكومات والشركات تنظم المنتديات، لمواءمة السياسات الخاصة بتجارة الشرائح والمعدات والمواد المستخدمة في صناعتهما.

"إعادة التوازن"

واليوم، تمثل المنتديات الجديدة الخطوات الأولى نحو إنشاء هيكل قادر على التحكم في تصدير أشباه الموصلات، على أمل المحافظة على التفوق التكنولوجي على الصين. 

ورغم أن الكيانات الدبلوماسية، المتخصصة في صياغة الاتفاقيات متعددة الأطراف الخاصة بتصدير التكنولوجيا موجودة بالفعل، لكنها فقيرة للغاية في إدارة تجارة أشباه الموصلات، بحسب المجلة.

لذلك، تبرز المنتديات الأحدث، وأكثرها رسمية هو مجلس التجارة والتكنولوجيا الأوروبي الأميركي، والذي تأسس في يونيو الماضي، مع مجموعة عمل متخصصة في وضع ضوابط التصدير.

وتحتل أشباه الموصلات مكانها في أجندة عمل المجلس، فقد أعلن بيان مشترك أعقب الاجتماع الأول للمجلس، في بيتسبرج بالولايات المتحدة، في سبتمبر الماضي، أنه يعتزم التعاون في "إعادة التوازن" إلى سلاسل توريدات الرقائق الإلكترونية على الصعيد العالمي.

اجتماعات افتراضية

ويجتمع محامو مراقبة الصادرات ومسؤولو الحكومات، افتراضياً في الغالب، في أروقة اجتماعات الحوار الأمني الرباعي "كواد"، الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان. وفي سبتمبر، أعلن "كواد" أن أحد أهدافه هو تأمين سلاسل إمدادات أشباه الموصلات.
   
كما ظهرت الرقائق الإلكترونية أيضاً على هامش الاجتماعات، لمناقشة العقوبات التي ربما تُفرض على روسيا حال أقدمت على غزو أوكرانيا. 

وعلى نحو مماثل، أطلعت الإدارة الأميركية اتحاد صناعة أشباه الموصلات على الطريقة التي يمكن من خلالها أن يكون نوع ضوابط التصدير، التي استخدمت ضد "هواوي"، جزء من حزمة العقوبات ضد روسيا، لمنعها من الوصول إلى التكنولوجيا الغربية.

ولكن روسيا، خلافاً للصين، لا تمتلك صناعة إلكترونيات يمكن الحديث عنها، ومن ثم، فإن هذه الضوابط لن تكون ضارة بموسكو مثلما كانت بالصين، لكنها قد تصعب على روسيا شن هجمات سيبرانية ضد أعدائها.

وتعد الاتفاقات المبرمة بين حكومات الدول الرائدة في سلاسل توريد الرقائق، وهي الولايات المتحدة واليابان وهولندا، الأكثر أهمية. فهذا الثالوث ينتج نصيب الأسد من الآلات المستخدمة لصناعة الرقائق.

"لا مخاطرة لا رقائق"

تكمن العقبة في أنه كلما أرادت أميركا الرد على الصين بقوة أكبر، ازدادت صعوبة إقناع حلفائها الغربيين والآسيويين بالمشاركة، كما أكد مسؤول سابق في فريق التصدير خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فضل عدم ذكر اسمه لـ"إيكونوميست".

وقال المسؤول إن عدم وجود أصدقاء أميركا إلى جانبها في خطها المتشدد بشأن الصادرات "يهدد بإضعاف الشركات الأميركية"، ويُعزى هذا إلى قدرة هؤلاء الحلفاء على توجيه الصادرات إلى أماكن بعيدة عن متناول الولايات المتحدة، التي تناسب صانعي الرقائق الصينيين.

وأوضح أن "الولايات المتحدة عالقة الآن في الاختيار بين حزمة ضوابط أكثر مرونة قد تثبت أفضليتها على المدى الطويل، أو حزمة أكثر قسوة قد تضر بالتكنولوجيا الصينية بدرجة أكبر على المدى القصير ، لكنها قد تضر بالصناعة الأميركية إجمالاً. والأسوأ من ذلك، إنها قد تدمر احتمالية انتعاش تجارة الرقائق بين الولايات المتحدة والصين في حالة تحسن العلاقات يوماً ما".

"حل وسط"

"إيكونوميست" لفتت إلى أنه في الوقت الراهن، تسعى الإدارة الأميركية للتوصل إلى "حل وسط" من خلال قطع الطريق على الصين، ومنعها من الوصول إلى الرقائق الإلكترونية وأدوات صناعة الرقائق، فوق مستوى معين من التقدم.

وعلى سبيل المثال، تمنع واشنطن في الوقت الراهن شركة "هواوي" من الحصول على الرقائق التي تعمل بمعدات شبكات "5G" عالية الدقة، لكنها تترك لها المساحة للحصول على تكنولوجيات أقدم، بحسب المجلة.

مع ذلك، فإن أصدقاء الولايات المتحدة لم يوافقوا بعد على هذا الحل الوسط، الذي لا يزال يُفرض من جانب واحد من خلال قواعد مراقبة الصادرات الخاصة بالحكومة الأميركية.

ووفقاً للتقرير، تبقى إدارة بايدن مقيدة في كل الأحوال بالسياسات الداخلية، مهما كان المسار الجديد الذي تعزم الولايات المتحدة أن ترسمه تجاه الصين.

في غضون ذلك، تواصل الصين تقدمها في هذا المجال. فنسبة الرقائق العالمية التي باعتها الصين في ارتفاع مطرد. ولا ينطبق هذا على أي دولة كبرى أخرى في صناعة الرقائق، برغم حملة ترمب للقضاء على الصناعات المحلية في الصين، ومحاولات بايدن لتحقيق الغاية نفسها.

وفي ختام تقريرها، رجحت المجلة أن أميركا وحلفاءها ربما يتفقون على طريقة ما لاحتواء طموحات الصين في مجال صناعة أشباه الموصلات؛ لكن قد يثبت أنه من المستحيل للصين أو أي دولة ما أن تسيطر على هذه الصناعة المعقدة. وإذا كان الأمر كذلك فقد تندم الولايات المتحدة على محاولتها التدخل.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات