جدل أغلفة نجيب محفوظ.. سوء تقدير أم صراع أجيال؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
غلاف طبعة دار ديوان للنشر لرواية "الحرافيش" للأديب المصري نجيب محفوظ - 27 يوليو 2022 - ديوان للنشر
غلاف طبعة دار ديوان للنشر لرواية "الحرافيش" للأديب المصري نجيب محفوظ - 27 يوليو 2022 - ديوان للنشر
القاهرة-آلاء عثمان

أثارت أغلفة الطبعة الأحدث من أعمال الأديب المصري الحائز على جائزة "نوبل" نجيب محفوظ، والصادرة عن مؤسسة "ديوان للنشر" والتي اتسمت بـ"طابع حداثي"، انتقادات كبيرة بشأن مدى تعبيرها عن مضمون الروايات مقارنة بأغلفة الطبعات الأقدم، في جدل اعتبره البعض "سعياً للوصاية على ذائقة جيل جديد أكثر مرونة".

واستحوذت مؤسسة "ديوان" المصرية للنشر، نهاية عام 2021، على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ، بموجب تعاقد مع ابنته، وبدأت على إثره "مشروع نجيب محفوظ" الذي استهدفت من خلاله "إعادة عالم نجيب محفوظ وشخصياته للحياة".

لكن الكشف عن أغلفة تلك الأعمال المنتظرة في يوليو، استقبل بانتقادات، بعد اعتبارها من قبل البعض "غير مُعبرة بدقة عن جوهر النصوص"، و"لا تليق بمكانة الأديب العالمي".

وفي إطار النقاش، رأى البعض أن الذي قدمته أغلفة "ديوان" هو "طرح حداثي" يعبر عن ذائقة أجيال جديدة "أكثر مرونة وترفض الوصاية على رؤيتها الفنية". 

مصممو الأعمال

لم تنشر "ديوان" بعد الأغلفة الكاملة لمجموعة أعمال محفوظ، ولكنها رفعت النقاب عن أغلفة روايات "اللص والكلاب"، و"حديث الصباح والمساء"، و"ثرثرة فوق النيل"، و"قلب الليل" و"أفراح القبة"، والتي نفذتها بمساعدة عدد من الفنانين الشبان وبالتعاون مع استوديو "40 مستقل"، الذي اُسند إليه التصميم الداخلي والخارجي للأعمال.

ومصممو أغلفة الأعمال في قلب ذلك الجدل، هم: يوسف صبري، ومريم الرويني ومحمد مصطفى.

وتعرف "ديوان" يوسف صبري بأنه فنان بصري متعدد المجالات، تجمع أعماله بين الخيال والعناصر الروحانية، حسبما تعرفه دار "ديوان".

ويعمل صبري، بحسب ديوان، مع مصممي الأزياء، وصائغي المجوهرات، والناشرين، ووكالات التصميم والمصورين. وتلقى تعليمه في المدارس الفنية الرائدة في لندن، سنترال سانت مارتينز ، UAL وGoldsmiths ، ويهدف في عمله إلى "تجاوز الخصائص الثقافية للزمان والمكان".

مريم الرويني، صممت أغلفة روايات "حديث الصباح والمساء، و"أصداء السيرة الذاتية"، وهي رسامة مصرية تخرجت في كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان عام 2017. وتستخدم التقنيات التقليدية والرقمية في أعمالها الفنية، حسبما ذكرت "ديوان".

ثالث مصممي الأعمال، هو محمد مصطفى، وصمم عدداً من أغلفة المجموعة الأولى من إصدارات "ديوان". وتصفه دار النشر بأنه ذو "أسلوب متفرد يستعير كثيراً من الحياة الواقعية، وتتلمذ على يد الفنان المصري حامد سعيد، أحد رواد المشهد الفني المعاصر".

ولاقت الأغلفة انتقادات واسعة من الجمهور بعد طرحها، وجرى اتهامها بـ"المباشرة والسطحية"، فضلًا عن الزعم بأن الفنانين الذين صمموا الأغلفة، لم يقرأوا الأعمال نفسها، ما أدى إلى "نتاج غير معبر عن روح النصوص الأدبية"، كما استقبل البعض الأغلفة بموجات من التهكم، وجرى استخدامها في "الميمز" الساخرة.

لم يكن هناك مفر أيضاً من مقارنة الأغلفة الجديدة مع النسخ السابقة لأعمال نجيب محفوظ التي قدمها أكثر من فنان مصري لصالح دور النشر التي امتلكت حقوق طباعة ونشر الأعمال سابقًا.

فخلال القرن العشرين، أُسندت الأغلفة للفنان التشكيلي جمال قطب، الذي قدم رؤى لم تخل من كلاسيكية لعوالم نجيب محفوظ الروائية والقصصية، بالتعاون مع ناشره في ذلك الوقت "مكتبة مصر". 

كما عبرت أيضاً عن عوالم محفوظ، ريشة الفنان التشكيلي حلمي التوني، الذي قدم أغلفة أعمال محفوظ بعد أن انتقلت حقوقها إلى "دار الشروق" المصرية، ولاقت رواجاً خلال الألفية الجديدة.

وقدم الفنان أحمد اللباد، رؤية خاصة لأعمال محفوظ عبر أغلفة مجموعة الأعمال الكاملة لمحفوظ بالتعاون مع "دار الشروق" أيضاً.

وجهة نظر فنية

الكاتب المصري عمر طاهر، فضل أن يصف الأمر برمته كأزمة "اختلاف في وجهات النظر الفنية" بين المصمم والجمهور، من دون أن يكون أحد الأطراف صائباً والآخر مُخطئاً، إذ أن الذائقة الفنية "تختلف من شخص لآخر".

وقال طاهر في تصريحات لـ"الشرق": "في معرض الفنون، لا يمكننا تصنيف الأعمال عبر الصواب والخطأ، فقط هناك عمل يلائم الذائقة الفنية وآخر بعيد عنها، وعدم إعجابنا بغلاف محدد أو عمل مُحدد لا يُعطينا الحق أن نناشد وزارة الثقافة لوقفه". 

وأضاف طاهر:"على سبيل المثال، من بين الأغلفة المطروحة يُمكنني القول إن بعضها أعجبني فيما لم أفهم البعض الآخر؛ أُعجبت بأفراح القبة واللص والكلاب على سبيل المثال، بينما لم أجد غلاف قلب الليل معبراً، ويمكننا القول إن ردود الأفعال تحمل شيئاً من المبالغة". 

يحتفظ طاهر على أرفف مكتبته الخاصة كما أخبر "الشرق" بالطبعات السابقة لأعمال محفوظ ويقول: "أشعر بألفة خاصة تجاه أغلفة جمال قطب اللصيقة بزمن محفوظ وحالته الفنية، كما اقتنيت أغلفة حلمي التوني الذي افتتن به، وأحمد اللباد الذي حقق نقلة في عالم تصميم الأغلفة بداية الألفية الجارية". 

أجيال شابة

وسط الأصوات المعارضة على مواقع التواصل، شاركت مُستخدمة منشوراً بشأن جذب الأغلفة الجديدة لابنها المراهق، الذي طلب منها الحصول على نُسخة من رواية قلب الليل بعد أن طالع غلافها، وعلق آخرون حول إمكانية ملائمة الطبعات الجديدة للأجيال الناشئة وجذبهم لأعمال محفوظ الكلاسيكية. 

الكاتب والناقد الأدبي المصري إيهاب الملاح، عارض تلك الرؤية فقال لـ"الشرق: "من وجهة نظري، تفتقد تلك الرؤية لأي صوابية، فأعمال نجيب محفوظ ليست (بوب فيكشن)، إذ يمكننا القول إنها إرث ثقافي لا يقل أهمية عن أعمال المتنبي وأبو العلاء المعري، فنجيب محفوظ هو الأديب المصري وربما العربي الأهم على مدار الـ200 عام الماضية"، وفق تعبيره.

وأضاف أنه إذا كان الهدف جذب القراء الجدد "كان الأمر ليكون أخف وطأة إذا ما عمدت جهة النشر على إصدار طبعة ميسرة للناشئين، تخلو أيضاً من السخف والابتذال.. ورغم معارضتي تلك، علي أن أدافع تماماً عن جهة النشر وأصحاب الحق الرسمي في تنفيذ ما يرون دون استدعاء السلطة ومحاولة وقف المشروع، ما يفتح أبواب شر متعددة، حتى ما إذا كان المشروع هزلي". 

صراع الوصاية 

من جهة أخرى، يرى الكاتب المصري مُحمد فتحي، أن الجدل القائم بشأن الأغلفة الجديدة يعبر عن اختلافات أعمق ما بين الأجيال المتعاقبة فيقول في تصريحاته لـ"الشرق": "هناك أجيال تفرض وتؤمن بمعنى واحد للفن وتعريف واحد للجمال، وتقيس التصميمات وفقًا للعلم، بينما الأجيال الأكثر حداثة، أكثر انفتاحاً وترى الفن برؤى جديدة، فهي ليست أسيرة الذكرى البصرية لأعمال جمال قطب ولم تتشبع بعد بأعمال حلمي التوني أو أحمد اللباد". 

وأضاف فتحي: "نحن ما نزال أسرى ذاكرتنا البصرية في أغلفة جمال قطب التي سكنت أرواحنا بفعل الزمن. لقد احترمنا وجهة نظر حلمي التوني واحترمنا اللباد لكننا لم نحترم رؤية جيل مختلف يصمم الأغلفة في عام 2022". 

وحول رؤيته للأغلفة الجديدة قال فتحي:" الأجيال الجديدة تريد أن ترى ما تحب أن تراه، لا ما نريد أن نفرضه نحن، هذه الأجيال ترفض الوصاية على ذوقها". 

وأضاف فتحي:" نلاحظ أيضاً أن الجدل المثار حول آخر الأغلفة التي تم رفع النقاب عنها وهو غلاف رواية الحرافيش أقل بكثير من الأغلفة الأخرى، ربما لأنه يقترب من روح الرواية بشدة، فأفرع الأشجار وأوراقها تتفق مع الملحمة".

أما في ما يخص مقترح طرح نسخ ميسرة للشباب والناشئين فقد عارضه فتحي، موضحاً أن التجارب السابقة لإنتاج نسخ أدبية ميسرة لم تلق تفاعلًا كبيراً ولم تحقق نجاحاً، وقال:" الفن في النهاية وجهات نظر ولا يمكن اعتبار أي رأي حقيقة مطلقة".

 قراءة وإلهام

تواصلت "الشرق" مع الفنان التشكيلي حلمي التوني، الذي صمم أغلفة أعمال نجيب محفوظ الصادرة عن دار الشروق، وفي ما رفض التوني التعليق على أزمة الأغلفة باعتباره أحد الأطراف المذكورة في الجدل القائم، تحدث عن الطريقة التي يستلهم وينفذ بها لوحة الغلاف.

وقال التوني إن  أسلوب تنفيذ الغلاف الملائم لكل عمل لا يعتمد على قراءة الفنان التشكيلي للرواية أو الكتاب بشكل متفحص وكامل، أو خلق علاقة خاصة بينه وبين العمل.

وأوضح التوني الذي صمم أغلفة أعمال لأشهر الأدباء حول العالم وفي مصر ما بين بابلو نيرودا ويحيى حقي ويوسف إدريس: "نفذت سابقًا حوالي 4 آلاف غلاف لكتاب، فهل كان من الممكن أن أقرأها جميعها؟ لا، لكل فنان أسلوبه في الحصول على الإلهام الخاص به لتنفيذ الغلاف، فأنا على سبيل المثال أفضل قراءة المقدمة والغلاف الخلفي، ثم المرور على الفصول بالترتيب، بحثًا عن المشهد أو اللحظة التي تُلهمني لتنفيذ العمل".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات