اتهامات بالتكرار وتراجع المستوى تلاحق المسلسلات الشامية

time reading iconدقائق القراءة - 5
الملصق الدعائي لمسلسل "حارة القبة" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
الملصق الدعائي لمسلسل "حارة القبة" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
بيروت-رنا نجار

تواجه مسلسلات "البيئة الشامية" التي تُشارك في موسم دراما رمضان الجاري، إشكالية كبيرة، إذ تلقت انتقادات لوقوعها في فخ التكرار وعدم التجديد وتراجع المستوى الإبداعي.

وباتت "الدراما الشامية" ظاهرة فنية تجذب المنتجين، منذ عرض مسلسل "باب الحارة" بجزأيه، قبل نحو 15 عاماً تقريباً، بشأن تقديمها في مواسم رمضان التلفزيونية، لكونها تُحلق في الصدارة، إذ إنها ما زالت تحظى بنسب مُشاهدات ضخمة.

وأعلنت منصة "شاهد"، عن ارتفاع نسب مشاهدة مسلسلات "سوق الحرير" و"حارة القبة"، أما إنتاجات العام 2021 الأخرى مثل "باب الحارة 11"، و"الكندوش"، و"عرس الحارة" و"جوقة عزيزة"، فخسرت الرهان في قائمة الأعمال العشرة الأولى.

استعادة القيم 

وأرجع المؤرخ والناقد السوري محمد منصور، لـ"الشرق"، أسباب ارتفاع نسب مشاهدة مسلسلات "البيئة الشامية"، إلى قدرتها على هزّ وجدان المشاهد العربي، والذي استعاد معها مواقف النخوة والمروءة والشهامة، فضلاً عن ارتباطهم بصراعات الحق والقوة، والتكاتف الاجتماعي في صياغة الشخصية العربية وتأصيل هويتها.

وقال إنّ "هذه الصناعة بات تشهد تطوراً كبيراً في تسعينيات القرن الماضي، إذ شكّل مسلسل (أيام شامية)، ما يُشبه إعادة اكتشاف للبيئة الدمشقية، محققين نجاحاً منقطع النظير، فاجأ صنّاع العمل أنفسهم الذين لم يتوقعوا هذا النجاح". 

ويرى منصور، أنّ "السوريين عامة، يحبون مشاهدة هذه المسلسلات، لأنها تشبع لديهم نوعاً من الاطمئنان، ولاسيما أن حاضرهم لم يعد يشبههم، كما أنها تُذكرهم بماضي دمشق، التي سُلبت منهم، وأُجبرت قسراً على تغيير خصوصيتها".

مسلسلات تجارية

وأعرب الناقد السوري، عن استيائه، لتحوّل هذه المسلسلات إلى موجة تجارية رديئة، ليس فيها قضية حقيقية خارج إطار الحكاية المفبركة، وهي تعتمد النمط نفسه الذي أسّس له المخرج بسام الملا في أعماله الأولى المهمة مثل (أيام شامية والخوالي)، إذ صارت المسلسلات تستنسخ صيغة البطل الشعبي الحامل الأساسي لقيم الشهامة والمروءة التي تغلب حتى الأشرار وتهزمهم أخلاقياً، وتعيد معالجة طقوس علاقة الرجل بأهل بيته وحارته".

وأضاف: "بشكلٍ عام، صرنا أمام دراما حكائية ساذجة ومكررة ومستنسخة، يكتبها كتاب قليلو الحيلة والثقافة في أغلبيتهم، ويخرجها مخرجون همّهم التفوق على النموذج الذي أسّسه بسام الملا ونسْفه، والقول إنه لا يشبه دمشق، وهم من يقدمون البديل الحقيقي والأصيل".

وأشار إلى الانتقادات التي طالما وُجهت لمسلسل "باب الحارة"، باعتباره شوه دمشق، قائلاً إنّ: "بعض أصحاب تلك الانتقادات، ما قدّموه من أعمالٍ فنية مشابهة في ما بعد، ليست أفضل ولا أصدق رغم كثرة المزاعم والادعاءات".

خلفية تاريخية

ويرى كاتب السيناريو أحمد القصار، أنّ "الدراما السورية لم تخرج يوماً من عباءة الحارة والبيئة الشامية القديمة التي شكّلت هوية هذه الصناعة وكتبت تاريخها، منذ بداياتها في ستينيات القرن العشرين"، مؤكداً لـ"الشرق"، أنّ هناك أعمالاً ما زالت محفورة في الذاكرة الجماعية العربية، مثل "حمام الهنا"، و"صح النوم" و"حمام القيشاني".

وقال إنّ "هذه النوعية من الدراما، باتت تفقد براءتها، وتُقدم رواية السلطة السورية في السياسة والمجتمع وكتابة التاريخ من وجهة نظر الحزب الحاكم، بعيداً عن معالجة القضايا الحياتية المعاصرة". 

وصرّح القصار بأن "الدراما السورية بشكل عام تسيء لنفسها ولبلدها، لأنها لم تُصنع يوماً خارج لعبة الأجندات السياسية، ولم تعبر بشكل واقعي وعميق عن هموم شعبها وقضاياه، وإن فعلت ذلك تبقى المعالجة سطحية، ويكون هذا التعبير مجرّد تشويش على مشكلة أساسية يعرفها الجميع، ويحاول غضّ النظر عنها". 

محاولات للخروج من الحارة

وأكد كلّ من المنتجين بسام ومأمون الملا، لـ"الشرق"، أنّ أعمال البيئة الشامية، وقعت خلال السنوات الأخيرة في فخّ التقليد والتكرار، ما أسهم في تراجع الإقبال على هذه الحكايات في الشام تحديداً، في حين لا يزال أفضل نوعاً ما في العالم العربي، وذلك حسب رؤيتهما.

وأفادا بأنّ "أكثر القائمين على هذه الصناعة لا يبذلون جهداً للبحث عن أفكار جديدة، ولو كانوا جدّيين، فعليهم البحث عن حكاية وأزمنة أخرى، لافتين إلى أن هذه العملية الفكرية تحتاج إلى خلفية ثقافية وتاريخية وفنية عالية".  

التحرر من الحارة والرقابة

وعن تعلّق أغلبية المنتجين بالبيئة الشامية، قال الأخوان الملا: "نحن لسنا متمسّكين بها الآن، ونحاول في (سوق الحرير) مثلاً أن نقوم بنقلة نوعية للخروج من لون الحارة والبيئة الشعبية والفانتازيا التي قُدّمت على مدى 20 سنة، وهو نمط ارتبط باسمنا، والناس أحبته وكان مطلوباً في سوق الفضائيات العربية". 

وتطرقا إلى أنّ "الأعمال الحديثة التي تتناول مشكلات حقيقية في التاريخ المعاصر أو القديم، ليس لها فرصة للعرض بسبب الرقابة وتوجّهات المحطات التي تريد بأغلبيتها أعمالاً شعبية مفترضة". 

وأشارا إلى أن الأعمال التي تُعالج الواقع السوري بجرأة هي مربكة للصنّاع السوريين، وتعرض أعمالهم للخطر"، مُطالبين بضرورة فتح المجال في الداخل السوري والتخفيف من قساوة الرقابة لمنح صُنّاع الدراما مساحة من الحرية والمرونة والابتكار. 

كما طالبا "الفضائيات العربية والمنصات الرقمية بالانفتاح على تقبل محتوى تجريبي وأفكار ومواضيع مختلفة عن السائد والرائج".