كاظم الحائري.. تلميذ "الصدر" يدفع "مقتدى" لاعتزال السياسة

time reading iconدقائق القراءة - 11
كاظم الحائري - مكتب كاظم الحائري
كاظم الحائري - مكتب كاظم الحائري
دبي-الشرق

أزمة سياسية طاحنة يشهدها العراق، في القلب منها التيار الصدري الذي انسحب من البرلمان ولجأ إلى الشارع بعد خلاف "شيعي – شيعي" مع "الإطار التنسيقي" بشأن تشكيل حكومة جديدة.

لكن ما دفع زعيم التيار مقتدى الصدر لإعلان اعتزاله العمل السياسي، الاثنين، لم يكن هذا الصراع الذي يشغل العراقيين منذ أشهر، على الأقل بحسب كلماته في بيان الاعتزال الذي خرج موجهاً إلى رجل واحد يقيم في مدينة قم الإيرانية كان قد اعتزل هو الآخر قبل يوم. فمن هو "كاظم الحائري"؟

أعلن الحائري (84 عاماً)، الذي يعد مرجعية دينية للتيار الصدري، اعتزاله العمل الديني لأسباب صحية، الأحد، وشن هجوماً ضمنياً، في بيان، على مقتدى الصدر (48 عاماً)، وقال: "على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو - في الحقيقة- ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب".

في اليوم التالي، رفض مقتدى الصدر التهم  الموجهة إليه من الحائري، ورد هو الآخر ببيان أعلن فيه اعتزال العمل السياسي، الاثنين، قال فيه: "يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري (دام ظله) أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم.. كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فيوضات السيد الوالد قُدس سره.. الذي لم يتخل عن العراق وشعبه".

وأضاف: "إنني لم أدع يوماً العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولله عاقبة الأمور، ما أردت إلا أن أقوم الإعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".

المرجعية بين قم والنجف

جانب آخر من جوانب الخلاف بين كاظم الحائري ومقتدى الصدر تمثل في موقع المرجعية الواجب على أبناء التيار الصدري اتباعها.

فقد دعى الحائري، في أول وصاياه ببيان الاعتزال، إلى اعتماد المرشد الإيراني علي خامنئي كمرجعية دينية من بعده، فقال: "على جميع المؤمنين إطاعة الوليّ قائد الثورة الإسلاميّة سماحة‌ آية الله العظمى السيّد عليّ الخامنئي (دام ظلّه)، فإنّ سماحته هو الأجدر والأكفأ على قيادة الاُمّة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار".

وهنا رد مقتدى الصدر على ذلك رافضاً وصية الحائري، ومشدداً على أن مرجعية التيار الصدري ستظل في النجف. فقال في بيان اعتزاله السياسة: "وعلى الرغم من استقالته (الحائري)، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوماً".

وألمح الصدر إلى اعتقاده أن اعتزال الحائري وما جاء في بيانه كان نتاج ضغوط إيرانية، فقال مقتدى في بيانه: "وعلى الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يك من محض إرادته.. وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً".

مرشد "عن بعد"

على الرغم من أن الحائري يقيم في إيران منذ عام 1973، يبقى من أبرز القيادات الشيعية والسياسية في العراق، وتتخذه معظم الفصائل المسلحة الشيعية في العراق مرجعاً، فيما ينخرط عدد كبير من أتباعه في حركة "عصائب أهل الحق" المسلحة.

ويصف الحائري نفسه بأنه "تلميذ" محمد باقر الصدر (الصدر الأول وابن عم والد مقتدى الصدر ووالد زوجته)، إذ يؤكد أنه تتلمذ على يديه طيلة 12 عاماً، فتعلم منه الفقه والأصول والفلسفة والاقتصاد.

 ويعد الحائري من أبرز طلاب الصدر الأول، إلى جانب المرجع الديني الشيعي محمد باقر الحكيم ومحمود الهاشمي الشاهرودي، الذي تولى مناصب قيادية في إيران، حيث كان رئيس السلطة القضائية وعضواً بمجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام.

وفي عام 1973، هاجر الحائري إلى مدينة قم، التي تعدّ عاصمة إيران الدينية، بغرض الدراسة، غير أنه لم يستطع العودة إلى العراق بعد صعود صدام حسين إلى الرئاسة عام 1979.

ودرّس الحائري الدين في مدينة قم لفترة طويلة، وألف عدة كتب حول الشريعة الإسلامية، وأصدر عدة فتاوى من إيران تدعو إلى المعارضة المسلحة ضد نظام صدام حسين، وجمعت فتاواه في كتاب يحمل عنوان "مسألة المعارضة المسلحة"، لكنه توقف عن توزيع الكتاب عام 2004، وبرر ذلك قائلاً إن "الكتاب لا قيمة له بعد سقوط صدام حسين"، بحسب  تقرير لـ"نيويورك تايمز" نشرته عام 2004.

وفي 2013، أصدر أول فتوى علنية تجيز القتال في سوريا إلى جانب الجيش السوري في مواجهة الجماعات المسلحة، إذ قال إن ذلك "واجب شرعي للدفاع عن الإسلام".

وينخرط كثير من أتباع الحائري في حركة "عصائب أهل الحق" العراقية المسلحة، التي أكدت أن أي فتوى يصدرها المرجع الشيعي إنما هي "ملزمة" لأتباعه.

ومع اعتزال الحائري، يبقى علي السيستاني هو المرجعية الوحيدة للصدريين في العراق.

العلاقة مع إيران

وطور الحائري علاقات متينة مع المسؤولين الإيرانيين خلال السنوات السابقة، إذ أصبح عضواً في المجلس الذي يمنح الأهلية لمن يريد الانتماء إلى "مجلس الخبراء"، المسؤول عن الإشراف على تصرف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي. كما شغل عضوية جمعية أساتذة قم، بحسب ما أفادت "نيويورك تايمز" عام 2004.

كما أعلن الحائري دعمه لـ "الحشد الشعبي" العراقي، الذي يضم فصائل شيعية مسلحة موالية لطهران، وبعث وفوداً من مكتبه لزيارة قيادات الحشد في العراق.

وعارض الحائري دمج قوات الحشد الشعبي في الجيش الوطني العراقي، واعتبر ذلك "مشروعاً أميركياً لإضعاف العراق عسكرياً وأمنياً، من خلال تذويب قوات الحشد الشعبي"، وأكد على ذلك في بيان اعتزاله، الأحد.

وفي 2021، برز اسم الحائري كمرشح محتمل لخلافة علي السيستاني في منصب المرجع الأعلى في النجف بالعراق.

وطالما برر الحائري عدم عودته إلى النجف بالعراق بـ"اعتبارات أمنية"، غير أن تقارير غربية تقول إن الحائري ليس حراً على الإطلاق"، وإن أجهزة الأمن الإيرانية لا تسمح له بالعودة إلى العراق، مخافة منافسته لطهران في صلاحية "ولاية الفقيه" الحصرية على سائر العالم الشيعي، وهو ما تؤكده مصادر عراقية تشير إلى أن الحائري يعيش في إيران "قيد الإقامة الجبرية".

خلاف طويل مع مقتدى

وحظي الحائري بمكانة خاصة وسط أنصار التيار الصدري، إذ كان محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، قد أوصى أبناءه باتباع الحائري من بعده.

وبعد اغتيال محمد صادق الصدر عام 1999، أصبح مقتدى الصدر تلميذاً لكاظم الحائري، وتلقى دروساً في مدرسته بقم في إيران، بحسب "فرانس برس".

وبعد سقوط نظام صدام حسن عام 2003، عين الحائري مقتدى الصدر لكي يكون ممثله في أداء صلاة الجمعة في مدينة الكوفة.

غير أن العلاقة بين الحائري ومقتدى الصدر توترت منذ أغسطس 2003، حين شن "جيش المهدي"، وهي حركة مسلحة تابعة للتيار الصدري، هجمات ضد القوات الأميركية بالعراق.

وقال الحائري في مقابلة نشرت "نيويورك تايمز" تفاصيلها عام 2004، إنه على الرغم من معارضته لوجود القوات الأميركية في العراق، فإنه قلق حول "توقيت ومكان" انتفاضة الصدر، مؤكداً أن "تشكيل جيش المهدي ليس بناء على أوامرنا".

وفي 2004، أعلن مكتب الحائري أن الصدر لم يعد يعمل بإرشاد الحائري، "وعليه، فهو لا يمثله ولا يعتبر وكيلاً له بعد اليوم"، فيما رد عليه الصدر في خطبة قال فيها: "أوجه كلامي إلى كاظم الحائري وأقول له ما هكذا يرد الجميل، وعندما كنا نحمل وكالتكم وقد هددنا الأعداء (القوات الأميركية) فإننا لم نتخل عنها.. أهكذا يرد الجميل إلى الصدريين للمقاومة ضد المحتل؟".

مع ذلك، فإن سحب التأييد لا يعني بالضرورة أن مقتدى الصدر أصبح بإمكانه التصرف بشكل مستقل عن الحائري، بحسب ما أكد ممثل الحائري في النجف عام 2006، قائلاً إن الصدر كان يستشير ممثلي الحائري في العراق قبل القيام بأي عمل.

حل "جيش المهدي"

وفي ذروة الصراع الطائفي بالعراق عامي 2006 و2007، كانت واشنطن تعتبر "جيش المهدي"، التابع للتيار الصدري، أحد أكبر التهديدات لأمن العراق حيث حمل مقاتلوه قاذفات الصواريخ وقاتلوا القوات الأميركية والعراقية في الشوارع.  واتهم الصدر الحائري بعدم الوقوف معه ودعمه خلال تلك الفترة.

وفي 2008، قاد رئيس الوزراء العراقي آنذاك، المتحالف مع إيران نوري المالكي، حملة عسكرية ضد أتباع مقتدى الصدر، ما أسفر عن سقوط المئات في مدينة البصرة الجنوبية والمناطق الشيعية في بغداد الخاضعة لسيطرة أنصار الصدر.

حينها حاول مقتدى الصدر لقاء الحائري في قم للتوسط في حل مع المالكي، غير أن الحائري، بحسب تقارير آنذاك، رفض الطلب، واعتبر في رده أن " الصدر يتحمل مسؤولية الإرباك الأمني في البصرة والمدن الأخرى في العراق"، وحذر من أن "القتال مع الحكومة المنتخبة والجيش العراقي والشرطة الوطنية لا يجوز شرعاً".

وطالب الحائري كذلك الصدر بحل "جيش المهدي"، قائلاً: "عندما شكل جيش المهدي لم تستشيروني، وأنا غير مسؤول عن كل ما يفعله هؤلاء.. والأخبار التي تصلني منهم غير مرضية".

وبرز التوتر في العلاقة بين الصدر والحائري في الفترة الأخيرة، على خلفية الأزمة السياسية في العراق، والتي بدأت بالفشل في التوافق بين التيار الصدري و"الإطار التنسيقي"، الذي يضم فصائل موالية لإيران، لتشكيل حكومة جديدة، ثم تطورت إلى احتجاجات حاشدة لأنصار التيار الصدري.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات