
في نهاية أغسطس الماضي، حين تحولت عمليات الإجلاء في مطار العاصمة الأفغانية كابول إلى فوضى ودماء، أصبح مطار مزار شريف شمال البلاد بديلاً للرحيل، لكن بوابة الأمل التي فُتحت بشكل ضيق أُغلقت مجدداً على ما يبدو أمام مئات الراغبين في المغادرة، وباتوا عالقين منذ أسبوع.
فريد أحمدي، أحد الأشخاص القلائل الذين تمكنوا من الاستفادة من الفرصة، إذ كان من المقرر أن يسافر من كابول، في 26 أغسطس الماضي، عندما فجّر انتحاري من تنظيم "داعش خُراسان" نفسه أمام المطار، ما أسفر عن سقوط أكثر من 100 شخص بينهم 13 جندياً أميركياً.
وقال أحمدي، المسؤول السابق في محطة "طلوع نيوز" التي كانت معروفة بمعاداتها لـ "طالبان"، لوكالة "فرانس برس": "عند الساعة الثانية فجراً، تلقيتُ اتصالاً يطلب مني التوجه إلى مزار شريف، مع مجموعتي كنا عند الساعة الرابعة فجراً في محطة الحافلات. كان هناك الكثير من النساء والأطفال".
وأضاف: "بدت مسافة الطريق التي استغرقت 9 ساعات للوصول إلى مزار شريف عبر أراضٍ يسيطر عليها القادة الجدد للبلاد، كأنها لن تنتهي، مرتان أو 3 مرات، أوقفتنا حركة طالبان، قلنا لهم إننا متوجهون إلى حفل زفاف، كل العائلات انتابها الخوف، لم يعد الأطفال يتحدثون أو يلعبون".
كان الوصول إلى عاصمة الشمال بمثابة "خلاص" للمجموعة، تلته 3 أيام من القلق، فبعدما اختبأوا في دار ضيافة، كان فريد أحمدي ومجموعته يخشون أن تقتحم حركة "طالبان" المكان، وفقدوا تدريجياً كل أمل.
معجزة صغيرة
لكن في 30 أغسطس، وقبل 3 أو 4 ساعات فقط من الانسحاب النهائي للجيش الأميركي من أفغانستان، أقلعت طائرتهم أخيراً، داخل الطائرة "لم يكن أحد يصدق أننا تمكنا من القيام بذلك، كل الناس كانوا يبكون"، وفق قوله.
خلف هذه "المعجزة الصغيرة" وفق تعبيره، تمكنت شركة "ماجنتا" الاستشارية وهي مجموعة من أقل من 10 أشخاص من إيجاد طائرة لإجلاء الأفغان، وإيجاد رعاة للتمويل، وإقناع دولة أخرى بقبول الركاب بمعزل عن رحلات السفارات الغربية التي أتاحت إجلاء أكثر من 123 ألف شخص في أسبوعين، عبر جسر جوي شابته الفوضى في كابول.
وقالت كليمانس كينت، المشاركة في تأسيس الشركة في أفغانستان: "كان لدينا أصدقاء وزملاء سابقون وأشخاص في خطر كبير طلبوا منا المساعدة، لكنهم لم يكونوا مدرجين على لوائح السفارات".
وأضافت: "لذلك بدأنا العمل على عمليات الإجلاء الخاصة بنا، وفي مزار شريف، توافرت كل الشروط".
كانت هناك طائرات متوقفة بالفعل هناك. وافق "فيسبوك" على استئجار إحداها بقيمة لم تُعلَن. وعلّقت الشركة الأميركية العملاقة بالقول إنه "في إطار المساعدة المقدمة لموظفي فيسبوك وشركائهم المقربين لمغادرة أفغانستان، قمنا بالانضمام إلى مبادرة تهدف إلى مساعدة مجموعة صحافيين وعائلاتهم ممن يواجهون خطراً شديداً".
أما المكسيك فتعهدت أن تستقبل على أراضيها 175 لاجئاً إلى حين إنجاز أوراقهم القنصلية مع الولايات المتحدة، ووعدت بمنحهم تأشيرة دخول.
وتضيف كليمانس كينت: "أمضينا 3 أيام نقول لبعضنا إن الرحلة ستغادر ثم لا. كان هناك دائماً حاجز بيروقراطي، حاجز إداري، شخص لا ينظر إلى هاتفه".
على بُعد مكالمة هاتفية
وزارة الخارجية الأميركية نفسها متهمة بعدم بذل جهود كافية لإنقاذ مئات الأفغان الآخرين، وعددهم كما يبدو أكثر من ألف، وكذلك بعض الأميركيين العالقين منذ أسبوع في مزار شريف.
وقال إريك مونتالفو، العسكري السابق والمحامي الضالع في عمليات الإجلاء الجديدة هذه، إن "طالبان لا تحتجز هذه الطائرات رهينة، على وزارة الخارجية فقط إجراء مكالمة هاتفية وسيتمكن هؤلاء الأشخاص من الرحيل على الفور".
وتقول ناما فانييه، رئيسة معهد الأبحاث "سايارا" التي تمكنت من إيجاد رعاة لتمويل رحيل طائرتي "إيرباص ايه-340"، إن "انطباعنا هو أنه لو كان هناك دعم قوي من السلطات الأميركية فإن طالبان كانت لتبدي إيجابية". وهناك حوالى 680 أفغانياً يفترض أن يغادروا عبر هذه الجهة من مزار شريف.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الأجهزة الأميركية غير قادرة على التحقق بشكل خاص من "صحة قوائم الركاب" وهو ما يفسر طول الإجراءات. لكن ناما فانييه تقول إنها تحاول إجلاء "أشخاص تم التأكد منهم".
وأضافت: "لقد تحققت وزارة الخارجية من قوائمنا ووافقت عليها. إنهم أشخاص من منظمات غير حكومية وأشخاص كانوا يعملون لدى شركات أجنبية، وصحافيون وامرأة مراسلة تعرضت لمحاولة اغتيال الأسبوع الماضي".
"خيبة"
في نهاية أغسطس، نجحت ناما فانييه في مساعدة 51 أفغانياً مرتبطين بمعهد "سايارا" على الرحيل مع عائلاتهم إلى أوغندا، عبر استئجار طائرة مدنية بقيت على المدرج في مطار كابول.
وقالت مارينا لوغري، مؤسسة ومديرة منظمة "آسند أثليتيكس" غير الحكومية الأميركية الصغيرة، الاثنين: "لقد مرت 7 أيام، ولم يحصل شيء". وتحاول هذه المنظمة إجلاء مجموعة من الشابات الأفغانيات وعائلاتهن. وقالت: "نشعر بأننا تعرضنا للخداع".