هل تغيّر "صواريخ المدار" الصينية "قواعد اللعبة" مع واشنطن؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
مركبات عسكرية تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في بكين - 1 أكتوبر 2019 - REUTERS
مركبات عسكرية تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في بكين - 1 أكتوبر 2019 - REUTERS
دبي-الشرق

أثار إطلاق الصين صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت في المدار، مخاوف من أن خصوماً للولايات المتحدة يحيّدون بسرعة دفاعاتها الصاروخية، رغم استثمارها عشرات المليارات من الدولارات لتحديثه، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".

جاء ذلك بعدما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية السبت، أن الجيش الصيني اختبر قبل شهرين إطلاق صاروخ ذي قدرة نووية إلى فضاء منخفض المدار وحول العالم، قبل أن ينطلق نحو هدفه.

وأضافت الصحيفة أن الصاروخ أخطـأ هدفه بنحو 38 كيلومتراً، مستدركة أن إتقان هذه التكنولوجيا يمكن أن يتيح استخدامها لإطلاق رؤوس حربية نووية فوق القطب الجنوبي وحول الأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ في نصف الكرة الشمالي.

وفنّدت بكين رواية الصحيفة، إذ تحدث الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، عن "اختبار روتيني لمركبة فضائية للتحقّق من التكنولوجيا لإعادة استخدام المركبات الفضائية" ومقارنتها بأنظمة تطوّرها الشركات الخاصة.

وأضاف: "ستعمل الصين مع دول أخرى في العالم من أجل الاستخدام السلمي للفضاء لمصلحة البشرية".

ضربات مدارية محتملة

"بلومبرغ" اعتبرت أن تأكيد اختبار الصاروخ يعني أن الرئيس الصيني شي جين بينج، ربما يستكشف تنفيذ ضربات مدارية، من أجل مواجهة تكنولوجيا أميركية متطوّرة في إسقاط الصواريخ البالستية، قبل أن تهدّد أراضي الولايات المتحدة.

وأضافت الوكالة أن الروس ناقشوا إمكان استخدام "أنظمة القصف المداري الجزئي" خلال الحقبة السوفييتية، قبل التخلّي عن الفكرة.

ولكن في عام 2018، عرضت موسكو أسلحة جديدة قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنها ستجعل الدفاعات الصاروخية الأميركية "غير فعّالة".

وتوضح هذه الخطوات كيف أن سعي وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" لتطوير أنظمة مضادة للصواريخ أكثر تقدّماً، ونشرها، ظاهرياً للحماية من ترسانة كوريا الشمالية وإيران، قد يسرّع سباقاً جديداً للتسلّح النووي.

وكشف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، خلال السنوات الماضية، مجموعة واسعة من الصواريخ، وأمر باختبار ما وصفته بيونج يانج الشهر الماضي، بأنه مركبة انزلاقية تفوق سرعتها سرعة الصوت، مصمّمة لإحباط دفاعات واشنطن وحلفائها.

وخلال حكم كيم جونج أون، طوّرت كوريا الشمالية صواريخ بالستية تعمل بالوقود الصلب، ومصمّمة للتحليق على ارتفاع منخفض جداً، بحيث لا يستطيع اعتراضها نظام أميركي مضاد للصواريخ، يُعرف باسم "ثاد".

وذكر خبراء في التسلّح أن الصواريخ قد تكون أسرع من أن تكبحها صواريخ أرض-جو من طراز "باتريوت"، تُستخدم لمواجهة الصواريخ التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة.

"عامل يغيّر قواعد اللعبة"

ووصف لي نان، وهو باحث زائر بـ"معهد شرق آسيا"، متخصّص في السياسات الأمنية والعسكرية الصينية بجامعة سنغافورة الوطنية، إطلاق بكين صاروخاً إلى المدار بأنه "عامل يغيّر قواعد اللعبة".

وأضاف نان: "إذا كانت الصين قادرة على نشر (هذا السلاح)، فسيؤدي ذلك بشكل أساسي إلى تحييد نظام الدفاع الصاروخي الأميركي. يصعب كثيراً على الولايات المتحدة التعامل مع هذا النوع الجديد من الصواريخ، وستجعل القتال وبناء قدرات جديدة لمواجهة هذه التكنولوجيا مكلفاً جداً".

وبعد عملية تطوير استمرت سنوات اعترضت مدمّرة أميركية بنجاح العام الماضي صاروخاً بالستياً زائفاً عابراً للقارات، مصمّماً لمحاكاة صاروخ طوّرته كوريا الشمالية.

الاختبار الذي اعتبره رئيس "وكالة الدفاع الصاروخي" الأميركية "إنجازاً مذهلاً وعلامة فارقة حاسمة"، يُرجّح أن يمكّن سفن الأسطول السابع الأميركي من إسقاط صواريخ، إضافة إلى 44 صاروخاً اعتراضياً متمركزة في صوامع بكاليفورنيا وألاسكا، بحسب "بلومبرغ".

وأعلن "مكتب المساءلة الحكومية" في أبريل الماضي، أن "وكالة الدفاع الصاروخي" الأميركية تخطط لإنفاق 45 مليار دولار، بين السنة المالية 2020 والسنة المالية 2024، بعد إنفاقها نحو 163 مليار دولار خلال العقدين الماضيين.

ومضت إدارة الرئيس جو بايدن في خطط لتطوير رأس حربي جديد مضاد للصواريخ، وتوسيع أنظمة الدفاع في ألاسكا وأوروبا، على الرغم من ارتفاع التكاليف والتأخير في استكمال ذلك.

"تنافس استراتيجي"

ثمة احتكاكات متزايدة بين الولايات المتحدة والصين، بشأن بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، في إطار ما وصفته إدارة بايدن بأنه "تنافس استراتيجي" بين البلدين.

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن تهديداً بشنّ واشنطن ضربة تقضي على الصواريخ الصينية، قبل أن تتمكّن من إصابة هدف أميركي، اعتُبر لفترة طويلة عاملاً يردع عملاً عسكرياً أكثر حزماً تنفذه بكين.

وأفاد تقرير أعدّه "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، ونشره في يونيو الماضي، بأن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا يمتلك أكثر من 4 آلاف رأس نووي.

وبالمقارنة، أضاف الجيش الصيني العام الماضي نحو 30 رأساً حربياً إلى مخزونه البالغ نحو 320 قنبلة نووية.

وقالت ميليسا هانهام، وهي خبيرة في منع الانتشار النووي تعمل أيضاً في "مركز ستانفورد للأمن والتعاون الدوليين"، إن تطوير مركبات انزلاقية تفوق سرعتها سرعة الصوت هو إحدى الوسائل التي تمكّن دولاً، مثل الصين وكوريا الشمالية، من تحقيق أقصى استفادة من امتلاكهما عدداً أقلّ من الرؤوس الحربية.

وأضافت أن لا دليل علنياً حتى الآن على أن أياً من البلدين يبحث في استراتيجية قصف مداري. واستدركت: "تسليح الفضاء بهذه الطريقة أمر محفوف بالأخطار ويزعزع الاستقرار، إذا سعت إليه أي دولة. إنه يثير أخطار تصعيد غير مقصود، قد يؤدي إلى حرب نووية".

مركبات انزلاقية

الناطق باسم البنتاجون، جون كيربي، رفض التعليق على تقرير "فايننشال تايمز"، مكتفياً بالقول إن جهود بكين لتطوير جيشها أظهرت لماذا تعتبرها واشنطن "التحدي الرقم واحد".

وأضاف كيربي: "أوضحنا مخاوفنا بشأن القدرات العسكرية التي تواصل الصين السعي لامتلاكها، وهي قدرات لا تؤدي سوى إلى مفاقمة التوترات في المنطقة وخارجها".

وذكرت "بلومبرغ" أن الاختبار الذي نفذته بكين في أغسطس كان واحداً من خطوات كثيرة اتخذتها أخيراً، ويبدو أنها تستهدف التغلّب على أفضلية أميركية في مخزون الرؤوس الحربية والدروع الصاروخية، وإقامة توازن أكثر ملاءمة للقوة.

وأفاد تحليل مستقلّ لصور التقطتها أقمار اصطناعية، بأن الصين تشيّد ما لا يقلّ عن 250 صومعة صواريخ في 3 مواقع على الأقلّ.

ودفع ذلك خبراء في عدم الانتشار النووي إلى التكهن بأن الجيش الصيني قد يترك صوامع كثيرة فارغة، لإرباك المخططين العسكريين الأميركيين وتشتيت انتباههم.

وأشار هو شيجي، رئيس تحرير صحيفة "جلوبال تايمز" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، إلى تقرير "فايننشال تايمز"، في تغريدة على تويتر، لافتاً إلى أن بكين ستحسّن ردعها النووي لـ "ضمان تخلّي الولايات المتحدة عن فكرة ابتزاز الصين نووياً".

وقال أنكيت باندا، وهو باحث بارز في برنامج السياسة النووية بمعهد "كارنيجي"، إن وصف الصين للاختبار بأنه "مركبة فضائية" يمكن ألا يُؤخذ بمعناه الحقيقي، إذ إن وضع مركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت في المدار، لن يكون أمراً روتينياً.

وأضاف أن أنظمة السفن الأميركية قد تكون قادرة على اعتراض هجوم مشابه بصاروخ بالستي عابر للقارات، مستدركاً أن الأنظمة الأرضية في الشمال لن تفعل ذلك.

وتابع: "تعتمد كل الدفاعات الأميركية الحالية المضادة للصواريخ البالستية العابرة للقارات، على اعتراض الرأس الحربي من خارج الغلاف الجوي، وهذا جزئياً هو السبب الذي جعل الصين تتطلّع إلى (صنع) مركبات انزلاقية في المقام الأول".

اقرأ أيضاً: