
رافق الجدل إعلان "أيام قرطاج السينمائية" إلغاء المسابقات الرسمية لدورته الـ31، والعمل على إعادة هيكلة المهرجان عبر تصورات جديدة تحت بند "دورة تأمل فلسفتها التقييم والنقد"، فكانت الآراء منقسمة بين الإشادة بهذا الخيار وانتقاده.
اعتبر جانب من الفاعلين في المشهد السينمائي التونسي قرار المدير العام لأيام قرطاج السينمائية رضا الباهي "متماشياً مع الوضع الصحي الاستثنائي بسبب جائحة كورونا"، فيما تحسر عدد من صناع السينما، خصوصاً الشباب منهم على غياب المسابقات الرسمية وروح التنافس عن فعاليات "أيام قرطاج السينمائية" باعتبار أن هذا المهرجان الأعرق في تونس وأبرز المحطات السينمائية العربية والإفريقية.
الحفاظ على الثوابت
أوضح المدير العام لأيام قرطاج السينمائية رضا الباهي لـ"الشرق" أنه مؤمن بخياراته ووجد كل الدعم من فريقه الإداري والفني في المهرجان، لافتاً إلى أنه قطع أشواطاً مهمة على مستوى وضع تصورات جديدة للمهرجان، تحافظ على ثوابته وتزيد من إشعاعه في تونس وخارجها.
وأكد الباهي أنه مدرك ومتفهم لتطلعات شباب السينما التونسية، واصفاً هذه الدورة بأنها "فرصة للجيل اليافع لاكتشاف مدارس سينمائية مغايرة، والعودة إلى تاريخ أيام قرطاج السينمائية عبر أفلام كانت علامات فارقة لأصحابها"، متابعاً: "هناك نزاع وهمي بين السينمائيين الشباب والجيل السابق لهم، والدورة الـ31 من أيام قرطاج السينمائية ستكون نافذة لمشاهدة أعمال سينمائية قوية ومؤثرة عبر ذاكرة المهرجان، التي تحيي أعمالاً عدة بعد أن ظل صناعها طويلاً في طي النسيان وكأنهم مومياء في متحف وحان الوقت لربط صلة تواصل بين الجيلين".
استياء وتجاهل
ويعتبر منتدى "أيام قرطاج السينمائية: الماضي، الحاضر والمستقبل"، أهم محاور المهرجان في دورته الـ31 المرتقب تنظيمها بين 7 و12 نوفمبر 2020 . وهو كان أكثر المواضيع جدلاً عن المهرجان، خصوصاً أن عدداً من الجمعيات السينمائية الفاعلة في المشهد الثقافي التونسي عبرت عن استيائها من عدم إشراكها في وضع تصورات جديدة للمهرجان.
ومن بين هؤلاء المنتقدين لسياسة المهرجان ريم بن منصور رئيسة "الجمعية الثقافية التونسية للإدماج والتكوين" (أكتيف)، التي تدير "المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان" في تونس.
وكشفت بن منصور لـ"الشرق" أهمية أن يتم مشاركة مكونات المجتمع المدني، خاصة الجمعيات الثقافية، في تشكيل مستقبل أيام قرطاج السينمائية، وذلك في إطار تفاعلي يتيح لأبناء القطاع منح خبرتهم للمهرجان وفي الوقت ذاته يتعلمون أساليب عمل جديدة.
ورأت بن منصور أن "مساهمة الجمعيات السينمائية ضعيفة في فعاليات أيام قرطاج السينمائية في مختلف دوراته، على الرغم من أن الفاعلين في الإطار الجمعياتي الثقافي يمثلون الفئة الاجتماعية الأكثر اهتماماً بالفن السابع، وبالتالي فرأيهم مهم في مستقبل أيام قرطاج السينمائية"، مؤكدة أن على "أيام قرطاج السينمائية" "ألا يتجاهل رؤية وتطلعات بقية الفاعلين في قطاع الفن السابع".
بدوره، انتقد المخرج مروان المؤدب تجاهل صناع السينما الشباب والفاعلين في المجال الجمعياتي في وضع تصورات "أيام قرطاج السينمائية" في دورته الـ31 في أكثر من بوست على صفحته الرسمية على "فيسبوك". وتفاعل مع تدوينات المخرج الشاب عدد من صناع السينما التونسية كاشفين عن إقصاء كثير منهم من حقهم في إبداء الرأي والمساهمة في تشكيل الرؤية الجديدة لأكثر المهرجانات التونسية جماهيرية وإشعاعاً محلياً ودولياً.
لا وجود قانونياً لـ"قرطاج السينمائي"
وفي سياق الحديث عن منتدى "أيام قرطاج السينمائية: الماضي، الحاضر والمستقبل" أوضح المشرف على هذه الفعالية الأكاديمي والناقد كمال بن وناس أن لجان التفكير، التي تعمل على التصورات الجديدة للمهرجان، لم تأت بجديد على مستوى الحوارات والأفكار، إذ سبق أن طرحت في جلسات ونقاشات سينمائية. لكنه أشار إلى أن "المنتدى سيكون حصيلة لمقترحات أهل القطاع"، مشدداً على أن "غياب الإطار القانوني لقرطاج السينمائي، هو المعضلة الكبرى للمهرجان". وأكد أن "من الضروري والإلزامي اليوم تحديد أطر قانونية لعمل المهرجان، وذلك من خلال جمعية تنظمه بهدف تحقيقه للاستقلالية عن وزارة الشؤون الثقافية على غرار معظم المهرجانات السينمائية الكبرى في العالم".
وأضاف الناقد كمال بن وناس أن "مواصلة تنظيم أيام قرطاج السينمائية بوتيرة دوراته السابقة، لن يعود بالفائدة على المهرجان والقطاع الثقافي في تونس". وقال إن "دورة التأمل كان يجب أن تتم هذه السنة من خلال الاستثمار إيجابياً من الوضع الصحي أثناء جائحة (كوفيد-19) وإعادة هيكلة المهرجان وحفظ أرشيفه، فالحلم يحتاج للتفكير ليمنح الشكل المناسب لتحقيقه".
نشأة ضعيفة الأسس
وأقر الأكاديمي عصام المرزوقي المشارك في تنظيم "منتدى قرطاج السينمائي" والذي سيعلن عن نتائجه في 8 نوفمبر 2020 في حديث لـ"الشرق" بعدم وجود قانوني للمهرجان، قائلاً: "حين أنشئت أيام قرطاج السينمائية سنة 1966، كان هدف مؤسسها الطاهر شريعة، وأول وزير للثقافة في تونس الشاذلي القليبي، منح البلاد نافذة عربية وإفريقية عبر السينما من دون التفكير في استقلالية المهرجان عن الوزارة في ذاك الزمن". وأضاف: "لكن العوامل التاريخية والثقافية تغيرت، ومن مصلحة القائمين على أيام قرطاج السينمائية في الوقت الراهن الوقوف على النقائص والإشكاليات ومراجعة تصوراتها على المضي قدماً من دون ملامح مستقبلية واضحة."
المقارنة مع المهرجانات المصرية
بدورها، أرجعت الناقدة السينمائية نائلة إدريس تغيّر خيارات "أيام قرطاج السينمائية" والاستغناء عن أهم فعالياته، وهي المسابقات الخاصة بجوائز التانيت للأفلام وصناعها، إلى الظرف الاستثنائي والحجر الصحي الذي كان وراء قرار الهيئة المديرة لـ"قرطاج السينمائي".
وأشارت نائلة إدريس في حديثها لـ"الشرق" إلى خصوصيات كل مهرجان وظروف عمله، موضحة أن "مهرجان القاهرة السينمائي اختار المخاطرة، وهذا يحسب له، فيما كان قرار أيام قرطاج السينمائية أكثر حذراً تبعاً لتطورات الوضع الصحي، هذا إلى جانب ضعف الميزانية التي كان لها دور في خيار دورة التأمل".
وأضافت الناقدة التونسية: "من الجيد أن يفكر (قرطاج السينمائي) في ذاكرته وأن يسعى إلى حفظها عبر العناية بالأرشيف ورقمنته"، لافتة إلى أن "هذا سيكون لصالح المهرجان على المدى الطويل ويضعه على خط المنافسة مع كبرى المهرجانات".
وزادت: "اليوم نحن نبعد خطوات من المهرجانات المصرية على مستوى الأرشيف، حتى حديثة التأسيس منها، على غرار مهرجانات الأقصر، الجونة وشرم الشيخ، مقارنة بعراقة قرطاج السينمائي. ومع ذلك، فإن كمّ الكتب التي تطبع في المهرجانات المصرية لتكريم صناع الأفلام تدعو إلى الدهشة. ولذلك نأمل أن ينجح "أيام قرطاج السينمائية" في حفظ الذاكرة السينمائية وأرشفة أفلامها".