
تتعرض شركة "ميتا" إلى انتكاسات متتالية منذ تسجيل نتائج فصلية عن الربع الأخير من 2021، مخيبة لآمال المستثمرين، وحتى إعلانها الخميس الماضي، تسجيل خسائر تُقدر بـ10 مليارات دولار لجهود قطاعها الخاص بتطوير تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز.
كما أعلن مارك زوكربيرج، أحد مؤسسي الشركة ومديرها التنفيذي، توقعات بخسائر تُقدر بـ10 مليارات دولار لقطاع الإعلانات، بسبب تحديثات شركة أبل المتعلقة بسياسات خصوصية بيانات مستخدمي هواتف آيفون، ما خيّب آمال المستثمرين.
إضافة إلى تراجع عدد المستخدمين اليوميين لتطبيق فيسبوك، بمعدل نصف مليون مستخدم تقريباً. وذلك فضلاً عن هبوط سعر سهم "ميتا"، بنسبة 26%، أدى إلى خسارة ما يفوق 240 مليار دولار من قيمتها السوقية، وانعكس ذلك بالتبعية على ثروة زوكربيرج، وأطاح به من قائمة الـ10 الأغنى في العالم.
"مرحلة انتقالية فاصلة"
7 مجالات ستركز عليهم "ميتا" في 2022، وعلى قمتها وضع زوكربيرج الفيديوهات القصيرة "Reels"، وهي فرصة إنستجرام لمنافسة "تيك توك"، إذ قال مدير "ميتا" إن شركته تمر بمرحلة انتقالية فاصلة في تاريخها.
وستتحول منتجات الشركة بالكامل إلى الشكل الجديد لاستخدام المحتوى، الذي سيعتمد على تشجيع المؤثرين وصناع المحتوى على تصوير فيديوهات قصيرة، خصوصاً أن هناك منافسة شرسة في هذا السوق من جانب تيك توك، الذي نجح في أن يجعل 2021 أفضل سنواته.
وقال زوكربيرج للمستثمرين إن تحويل "ريلز" إلى مساحة إعلانية تمكن الشركة من جذب المعلنين، ومن ثم الحفاظ على نمو عوائدها الإعلانية بمعدل صحي يناسب أهدافها لتحقيق الربحية.
وأشار إلى أن الأمر يستغرق بعض الوقت نتيجة ضغط المنافسة، وكذلك بطء تعود المستخدمين على "ريلز" داخل منتجات "ميتا" الاجتماعية، موضحاً أن هذا التحول يشبه خطوة تحول الشركة من الاعتماد الكامل على منشورات "نيوزفيد" إلى "ستوريز".
لافتاً إلى أن هذه الخطة ستحقق مكاسب طويلة الأجل ودائمة، ويستحق تحمل بعض البطء في الأرباح والتضحيات على المدى القريب.
ولكن يختلف تشارلز آرثر، خبير ومؤلف في الشأن التقني، مع رؤية زوكربيرج، حيث يرى أن "ميتا" اعترفت بضراوة المنافسة مع "تيك توك" على انتباه وولاء المراهقين وصغار السن منذ عام 2016، ولم تتمكن حتى الآن من الاقتراب حتى من مستوى النتائج التي تحققها خدمة الفيديوهات القصيرة.
وقال آرثر في تصريحاته لـ"الشرق"، إن "ريلز" داخل إنستجرام، حققت أداءً جيداً، ولكن ما زال "تيك توك" يحتفظ بقطاع ضخم من صناع المحتوى والمستخدمين صغار السن، وذلك وضع النجم الجديد في مستوى يصعب على شبكة الصور الاجتماعية بلوغها، حتى مع محاولتها المستميتة لاستخدام أسلوب الاقتباس المباشر الذي استخدمته من قبل لمواجهة "سناب شات"، وتخطيها مع استخدام ميزتها الثورية "ستوريز" منذ 2015.
ويرى الخبير التقني أن خطط "ميتا" البديلة لاستعادة السيطرة على سوق التواصل الاجتماعي محدودة للغاية، وتقترب جعبة شركة زوكربيرج من نفاد حيلها، ويستبعد تماماً خضوع "تيك توك" لأي محاولة مستقبلية من جانب "ميتا" للاستحواذ عليه.
موجة "تيك توك"
وقالت شركة الاستشارات المالية "موفيت ناثانسون"، أن طريقة "ميتا" للإعلان عن نتائجها الفصلية للربع الرابع من العام الماضي، بدت وكأنها بداية تهاوٍ للشركة، فالتركيز الكبير على "تيك توك"، ورؤية "ميتا" لتأثيره السلبي في وضعها في أسواق الإعلانات والتواصل الاجتماعي، يعكس ضعف أدوات العملاق الأزرق للاستمرار في المنافسة.
وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال المحلل المالي مايكل ناثانسون، إن دخول "تيك توك" كمنافس جديد في سوق الإعلانات الرقمية سيتسبب في اضطراب بناء السوق، والذي احتكرته فيسبوك وجوجل وأمازون لسنوات طويلة، خصوصاً أن منصة الفيديوهات القصيرة الصاعدة تقدم بديلاً منخفض التكلفة، ما قد يحطم أسعار السوق القياسية والمتعارف عليها منذ سنوات، وتشهد تزايداً مستمراً بمرور الوقت.
كما أشار ناثانسون، إلى أن تحول فيسبوك تجاه "ريلز" سيستغرق قرابة العام (مطلع 2023)، ليتحول إلى محرك يُدر عوائد جديدة على "ميتا"، في موقف متكرر، فعندما تراجع سهم فيسبوك 20% عام 2019، بمجرد إعلان تشبع منصتي فيسبوك وإنستجرام من المساحات الإعلانية، ولكن بدأ السهم في التعافي منتصف 2020، عندما بدأت "الستوريز في تحقيق الأرباح.
عقبة أبل
ويرى نثانسون، أن فيسبوك سيتمكن من تخطي عقبة تحديثات أبل البرمجية الخاصة بسياسة "شفافية التعقب داخل التطبيقات App Tracking Transparency" لخصوصية بيانات مستخدمي آيفون، بحلول الربع الثالث من العام الجاري.
يُذكر أن أبل بدأت تطبيق سياساتها الجديدة ATT مطلع العام الماضي، وذلك بصحبة تحديث iOS 14.5، وكان التغيير يتمثل في ضرورة موافقة المستخدم بشكل صريح على جمع التطبيقات والخدمات والمواقع الإلكترونية لبيانات الكود الإعلاني المميز IDFA الخاص بهاتف المستخدم.
وقالت دراسة نشرت في يوليو الماضي، إن 75% من مستخدمي iOS 14.5 في تلك الفترة رفضوا السماح لفيسبوك بجمع بيانات من استخدامهم لمختلف التطبيقات ومواقع الويب، ما أثر بشكل قوي في قطاع الشركة الإعلاني.
وأشارت الدراسة إلى أنه بحلول ذلك ستكون الصورة أوضح من ناحية البرمجية بشأن كيفية الاعتماد على استراتيجية "قياس الأحداث المجمعة" Aggregated Event Measurement، والذي من المفترض أن يسهل قياس مدى فاعلية الحملات الإعلانية، دون الحاجة إلى مخالفة سياسات أبل الجديدة، وبذلك ذلك سيضمن تعافي قطاع الإعلانات لدى "ميتا" بشكل كبير.
ولكن يختلف آرثر مع هذا الرأي، إذ قال إن 75% من مستخدمي آيفون غير راغبين في جمع فيسبوك لبيانات استخدامهم لهواتفهم الذكية، ولذا مهما تغير أسلوب الجمع، ستظل المعارضة موجودة، وسيسعون بشتى الطرق لإفشال محاولات فيسبوك، لذا يرجح الخبير التقني أن تراجع الأرباح الإعلانية لشركة "ميتا"سيكون سبب موتها ببطء.
المستقبل "ميتافيرس"
رغم خسارة 10 مليارات دولار، فإن "ميتا" يبدو عليها الإصرار لتحقيق هدفها لريادة العالم الرقمي الجديد "ميتافيرس"، إذ ركز زوكربيرج على أن تعمل الشركة بكل مواردها المتاحة لقطع خطوات سريعة ومدروسة، من حيث نظاراتها الجديدة المنتظرة العام الجاري مثل نموذج "كامبريا" للواقع الافتراضي، وكذلك نموذج "نازاري" الذي سيكون أول نظارة حقيقية للواقع المعزز من "ميتا".
وفي الوقت ذاته، أشار مؤسس "ميتا" إلى أن الجانب البرمجي من حيث المنصات والأدوات البرمجية المتاحة للمطورين لإنشاء وإثراء المحتوى المتاح لمستخدمي نظارات "ميتا كويست"، والتي كانت سابقاً تدعى "أوكيلوس كويست"، إلى جانب تطوير مزايا وتجارب متنوعة وغنية داخل عالمها الافتراضي Horizon World.
كما ذكر زوكربيرج التطور الكبير على مستوى النسخ الرقمية من المستخدمين "Avatars" والتي تمت إتاحة واجهة تطويرها البرمجية "Meta Avatar API" لعموم مطورين "ميتا كويست" وكذلك نظارات الواقع الافتراضي العاملة عبر منصة مايكروسوفت ويندوز، لتوسيع انتشار "أفاتارات" ميتا على أوسع نطاق ممكن، وذلك إلى جانب إتاحتها عبر مختلف خدمات الشركة الاجتماعية مثل إنستجرام وفيسبوك وماسنجر.
اقرأ أيضاً: